اكتشف علماء النفس أن الرومانسية تختلف في العصر الرقمي عما كانت عليه سابقًا، كذلك الانفصالات العاطفية. كان انفصال جو جوناس عن تايلور سويفت مصيبة عليها، لكن المصيبة فتحت لها باب النجومية على مصراعيه، إذ يمكن القول إنها حولت حزنها إلى جائزة ذهبية، عندما انفصل عنها شريكها السابق بمكالمة هاتفية مدتها 27 ثانية في عام 2008، فألهمتها هذه التجربة إصدار أغنية «إلى الأبد ودائمًا» في العام التالي وفازت على إثرها بجائزة جرامي، والكثير من حالات التفكك والانفصال العاطفي الشهيرة الأخرى التي كانت مريرةً بالفعل وأثرت في أصحابها بعنف.

أطلق الأزواج على هذا الانفصال مصطلح «الإقلاع»، وقد ذُكر في الأساطير اليونانية أيضًا عندما تخلى جيسون عن زوجته ميديا من أجل أميرة أخرى، مستخدمًا كل الوسائل المتاحة تقريبًا للقيام بذلك.

الآن، يدرس علماء النفس والباحثون الآخرون كيفية اختلاف الانفصالات العاطفية الحديثة في عصر الاتصالات الرقمية. لقد اكتشفوا أن التكنولوجيا لم تغير فقط أساليب تكوين العلاقات الرومانسية والحفاظ عليها، ولكن أيضًا طريقة حلها، وتفككها واستمرار الألم بعدها.

يقول الباحث النفسي والحاصل على دكتوراة في علم النفس جورج نيتسبورغ، فيما يخص كيفية تأثير التكنولوجيا: «قبل فيسبوك، كان لدى الناس كمية محدودة من المعلومات عن أحبائهم السابقين وشركائهم الذين انفصلوا عنهم، أما الآن ازدادت إمكانية الوصول إليهم أكثر من أي وقت مضى، ففي الساعة 2 أو 3 صباحًا مثلًا، قد يشعر أحدهم بالحزن، ويمكنه التواصل مع شريكه بسهولة».

يؤكد الخبراء أن هذا التغيير سيكون له آثار ملحوظة على علماء النفس ومرضاهم في المستقبل.

لا شك في أن التكنولوجيا قد تصنع العجائب الرومانسية:

وفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة Pew American عام 2013 وجد أن 29% من مستخدمي الإنترنت البالغين يعرفون شخصًا قابل شريكًا طويل الأمد على موقع أو تطبيق مواعدة، ويعتقد 59% منهم أن المواعدة عبر الإنترنت طريقة جيدة لمقابلة الناس ومعرفتهم. وجدت دراسة أخرى أن الأشخاص الذين لديهم شركاء على مسافات بعيدة ليسوا أقل اكتفاءً ورضًا عن علاقاتهم ممن لديهم شركاء قريبين، وهذا بحد ذاته دليل على قوة الإنترنت في إبقاء الحب والعلاقات العاطفية عمومًا على قيد الحياة.

لكن لمقابلة توءم روحك عبر الإنترنت جانبها السلبي أيضًا، فليس ما تراه، تحصل دائمًا عليه. في إحدى الدراسات التي أجرتها عالمة النفس مونيكا ويتي في جامعة ليستر، اعترف ما يقرب من 47% من النساء باستخدام صورة ملف شخصي قديمة، تعود لأكثر من عام، وكذلك زوّر أكثر من 13% من الرجال تفاصيل حول علاقاتهم الحالية، مثل وجود أطفال يعيشون معهم وغير ذلك. إجمالًا، اعترف 51% من المشاركين بتحريف بعض جوانب ملفهم الشخصي، كأعمارهم أو أوزانهم أو وضعهم الوظيفي أو اهتماماتهم.

قد تكون تلك مشكلة قبل أن يلتقي الشركاء المحتملون وجهًا لوجه. أظهرت الدراسة أن الرجل والمرأة يكشفان تفاصيل حميمة عن أنفسهم عبر رسائل تطبيقات المواعدة، لأن هذا الاتصال بوساطة التكنولوجيا يقلل من حدة مشاعر الخجل ومواقف الإحراج، والإفصاح عن الذات بهذا الوضوح والعفوية يسهّل الانجذاب للشخص وفقًا لكثير من الأبحاث السابقة.

إن هذه العلاقة الحميمة الممزوجة بهذا الملف الشخصي المحرّف قليلًا، تجعل الشركاء يبدون مثاليين عندما يتحدثون عبر هذه المواقع.

لكن عندما يلتقي الشريكين أخيرًا، تسقط واجهة الكمال، وجد بحث ويتي أن الشريك سيغضب غالبًا عندما يكشف أكاذيب الآخر، مهما كانت مبرراته، وكيفما كان شكله.

الأمر ليس بتلك البساطة

عندما تتحول المغازلة إلى مشاعر، قد تجعل التكنولوجيا العلاقات الرومانسية أكثر تعقيدًا، وتطرح مزيدًا من الأسئلة والتحديات، على سبيل المثال، ماذا يعني أن تعلن على فيسبوك أنك «في علاقة»؟ كيف تتواصل مع شريكك عندما تكون بعيدا عنه، عبر الهاتف أو الرسائل النصية أو الدردشة؟ ماذا يعني إذا لم يرد على الرسائل فور استلامها؟ أو إذا لم ينهِ رسالته بالرمز التعبيري المبتهج المعتاد؟

تتأثر جميع الإجابات على هذه الأسئلة بـ «أيديولوجيات وسائل الإعلام»، وتختلف وجهات النظر حول كيف ومتى تُستخدَم طرق التواصل المختلفة بفعالية، إن إجابة كل شخص قد تكون مختلفة حسب طريقة فهمه.

تشير أبحاث أخرى إلى أن فيسبوك له تأثير سلبي واضح على العلاقات الرومانسية. في دراسة أُجريت على 342 طالبًا جامعيًا أستراليًا، وجدت أنه بازدياد عدد المشاركين الذين بحثوا عن شركائهم عبر الفيسبوك يزداد شعورهم بالغيرة، وبعدم الرضا عن علاقاتهم واستيائهم من وضعها الراهن. في دراسة حديثة، وجد الباحثون رابطًا بين الاستخدام المفرط للفيسبوك والمشاحنات والخلافات بين الزوجين التي قد تنتج عنه أيضًا، وبدورها قد تؤدي إلى الخيانة العاطفية والجسدية أو الانفصال والطلاق.

في المقابل، لا تقضي شبكات التواصل الاجتماعية على جميع الأزواج، إذ وجدت العديد من الدراسات التي قادتها عالمة النفس لورا ساسلو، من جامعة كاليفورنيا the University of California، أن المتزوجين الذين تتضمن ملفاتهم الشخصية صور أزواجهم أكثر رضًا عن علاقاتهم من أولئك الذين لديهم صور فردية أو صور أخرى.

والسؤال هنا، متى ومن قد يضره الفيسبوك أكثر مما ينفعه؟ يظهر بحث نيتسبورغ، باستطلاع آراء أكثر من 400 شاب، أن أنماط التعلق المختلفة هي التي تحدد إجابة السؤال. طرح الاستطلاع أسئلة كشفت عن أنماط ارتباطهم، وكذلك عاداتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وُجد أن المشاركين ذوي الأساليب غير المنظمة في العلاقات والمعروفين بالقلق والانشغال بالخوف من التعرض للأذى والهجران، يميلون عمومًا إلى استخدام مثل هذه المواقع بطريقة غير صحية، أي أنها المفرّ لتجنب التواصل وجهًا لوجه.

الخلاصة أن حالة التعلق العاطفي تتضح أكثر في السلوكيات عبر الإنترنت، ولهذا تداعيات على العلاج النفسي والاجتماعي، لأن اضطراب العلاقات والقلق الناجم عنها، يعد سببًا مهمًا لبحث الناس عن العلاج في المقام الأول، والعادات التي يقوم بها الشخص عبر شبكات التواصل الاجتماعي، قد تفتح نافذةً واسعةً للمعالجين، لفهم سلوك مراجعيهم خارج الإنترنت حتى.

طريقة الانفصال العاطفي تعبر عنك!

سواءً انفصل الأزواج اليوم بسبب التكنولوجيا أم لسبب آخر، فغالبًا ما يفعلون ذلك باستخدامها. وجد استطلاع أجراه موقع المواعدة WhatsYourPrice.com، أن 88% من الرجال و18% من النساء انفصلوا عن شخص ما بالرسائل النصية، وكان ذلك عبر تويتر أو البريد الإلكتروني أو مكالمة هاتفية، تُظهر الأبحاث أن للكيفية التي انتهت بها العلاقة أهميةٌ واضحةٌ لدى الشريكين.

يفسر الأمر سبب تركيز المشاركين في التجربة -عندما طُلب منهم إخبار قصص الانفصال- على كيفية انتهاء علاقاتهم بدلًا من أسباب انتهائها.

أظهرت الأبحاث في إنجلترا مثلًا، أن المطلقين يركزون على شخصياتهم الجيدة في ضوء تاريخهم الرومانسي غير المُوفَّق، وفي اليابان يميل الأزواج السابقون إلى تبرير تفككهم بالتوازن غير المتكافئ بين التبعية والاستقلالية، أما في الولايات المتحدة يركز المنفصلون على الوسيلة التي انفصلوا عبرها، إذ يعتقد الأميركيون أن الوسيلة التي استخدمها الشريك في انفصاله، توضح مدى أنانيته وجهله، ما يقدم لهم مبررًا لهذا الانفصال.

كيف يُشفى هذا الجرح؟

لدى الأشخاص المنفصلين حديثًا سبب وجيه لتجنب معرفة وضع شركائهم على الإنترنت، هل هم متصلون online أم لا offline، إذ إن التفكير بالأمر يعيق عملية الشفاء.

أوضح البحث أن التحقق من استخدام الشريك للإنترنت والبحث عنه عبر فيسبوك ومراقبة حسابه بعد الانفصال، جميعها مرتبطة بانزعاج أكبر بسبب الانفصال، ومزيد من المشاعر السلبية، والرغبة الجنسية والشوق للعلاقة السابقة، وانخفاض التنمية الذاتية.

إن هذا الهوس والبحث المتواصل سيزيد من الأسئلة عن حياة الآخر، بدلًا من الإجابة عنها، ويخلق المزيد من الفضول ومحاولات البحث المضنية، والغيرة أيضًا ستزيد من الوقت الذي تقضيه على الفيسبوك في البحث عن الإجابات.

في المقابل، إن التخلص من الذكريات الرقمية الخاصة بالشريك بعد الانفصال ليس أمرًا مزعجًا فحسب، بل معقد أيضًا وليس بتلك السهولة أبدًا.

يعمل فريق الباحثين وعلماء النفس وشركات التكنولوجيا معًا، في سبيل إنشاء أدوات تسهل الأمر. في مقالتهم على سبيل المثال، يقترح الفريق برامج تقوم تلقائيًا بجمع المعلومات الرقمية المتعلقة بالعلاقة وتخزينها، ما يجعل خيار حذفها أو حفظها أقل صعوبةً وأكثر سلاسةً. يرغبون أيضًا في ابتكار تقنيات جديدة تسهل التحكم في الانفعالات، مثل قفل صفحة فيسبوك لأحدهم، وبذلك يفرض فترةً من «التهدئة» وإعطاء الآخر فرصة التفكير قبل الوصول إليها، أو سلة مهملات رقمية تحتفظ بالذكريات لفترة معينة تعزز ثقة الشخص بخيار الحذف، تُناقَش أيضًا خيارات تسليم الوصول إلى حسابات الشريك السابق إلى أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء الموثوق بهم.

نهايةً، لا يمكن إنكار أن التكنولوجيا تفيد المجتمع أكثر من كونها مضرةً، إذ إنها تسهل الترابط الاجتماعي وتبادل الأفكار بطرق غير مشهودة سابقًا، وقد يكون ذلك مثمرًا بالنسبة للجميع، والأمر برمته مبني على حُسن الاستخدام وفهم الأبعاد النفسية، لذا يسعى الباحثون إلى دمج علم النفس في تصميم هذه المنتجات الرقمية، وتحقيق الفائدة العظمى بأدنى ضرر معنوي ومادي للمستخدمين.

اقرأ أيضًا:

هل مزاجك سيئ دومًا؟ علماء الأعصاب يجدون المنطقة الدماغية المسؤولة عن ذلك

إصابات فرط استخدام التكنولوجيا

ترجمة: لمك يوسف

تدقيق: يمنى عيسى

مراجعة: نغم رابي

المصدر