نجحت منظمة البحوث الفضائية الهندية (ISRO) في الثالث والعشرين من أغسطس، في الهبوط بنجاح على سطح القمر ضمن مهمة تشاندرايان-3. أصبحت الهند الآن الدولة الرابعة التي نجحت في وضع مسبار على سطح القمر، والأولى التي تهبط على القطب الجنوبي للقمر.

هبطت في المهمات السابقة المركبات الفضائية على خط استواء القمر. يأمل العلماء الآن في نشر مركبة جوالة لإرسال الصور والبيانات إلى الأرض.

قال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي: «المهمة الناجحة للهند على القمر ليست مهمة الهند فحسب». وأضاف أن هذه المهمة تعتمد على نهج متمحور حول الإنسان، وأن نجاحها يعود للبشرية جمعاء.

حدث أول هبوط للسوفييت والأمريكيين على سطح القمر في ستينيات القرن الماضي، وذلك عندما بدأ سباق الفضاء. ولكن من الصعب جدًا وضع مسبار على سطح القمر، منذ تلك النجاحات الأولى، أصبحت الصين الدولة الوحيدة التي انضمت إلى روسيا والولايات المتحدة في هذا الإنجاز.

يقول ديف ويليامز وهو عالم كواكب يؤرشف بيانات القمر في مركز غودارد للرحلات الفضائية التابع لوكالة ناسا: «عدد قليل من الدول هبطت على أي مكان. إنها مهمة صعبة حقًا، ويجب أن يعمل كل شيء على نحو مثالي تقريبًا».

تمثل الرحلات الفضائية تحديًا هندسيًا ضخمًا، والقمر هدف صعب. على عكس الأرض أو المريخ، ليس لقمرنا غلاف جوي، لذلك لا يوجد شيء طبيعي يبطئ حركة المركبة الفضائية ولا يوجد هواء لاستخدام المظلات الهوائية. السبيل الوحيد للوصول إلى السطح دون التحطم هو الهبوط المتحكم فيه، إذ تخفض الصواريخ المسبار إلى الأسفل كل الطريق. إضافةً إلى ذلك، يجب أن تُطفئ محركات الصواريخ في لحظة دقيقة حتى لا ترتد الكبسولة مرة أخرى عن سطح القمر.

ومع عدم وجود محيطات أو مدن على سطح القمر، يوجد كثير من المخاطر، خصوصًا الصخور والحفر. إذ يجب على المركبات الفضائية أن تتنقل في هذه التضاريس.

القمر بعيد عن مراكز القيادة على الأرض، لذا يجب أن يُبرمج المسبار مسبقًا للقيام بما يلزم للهبوط بأمان.

هذه ليست زيارة الهند الأولى إلى القمر. بدأ برنامج الهند القمري عام 2008، مع مركبة مدارية ومركبة ارتطام على سطح القمر في مهمة تشاندرايان-1.

قال عالم الفلك في جامعة فلوريدا، براناف ساتيش: «لعبت تشاندرايان-1 دورًا حيويًا في زيادة الوعي بعلوم الفضاء بين عامة الناس. وإلهام العديد من الطلاب، بمن فيهم أنا، لمتابعة مسارات مهنية في علوم الفضاء والفلك بعد شهادة نجاح برامج الهيئة الهندية لأبحاث الفضاء».

أجرت الهند أول محاولة للهبوط السلس مع مهمة تشاندرايان-2 عام 2019. للأسف، فشل ذلك المسبار، الذي أُطلق عليه اسم فيكرام تيمنًا بعالم الفيزياء الرائد فيكرام سارابهاي، في المراحل الأخيرة جدًا من هبوطه، إذ تحطم على سطح القمر. في وقت لاحق، رصدت مركبة الاستطلاع القمرية لناسا حطامًا من فيكرام على شكل قطع من المعدن متناثرة عبر المناظر الطبيعية على سطح القمر. ظلت المركبة المدارية تشاندرايان-2 عاملةً وما تزال تجمع البيانات في دعم محاولة الهبوط الحالية على سطح القمر.

تسير رحلة تشاندرايان-3 حتى الآن على مسارها الصحيح. يقول براتيك غاندي، عالم الفلك في جامعة كاليفورنيا: «إن الحماس حول هذه المهمة ملموس بالتأكيد في وسائل الإعلام الهندية، ودردشات واتساب، وحتى في المحادثات اليومية لكثير من الناس هناك».

دخل المسبار المدار القمري في 5 أغسطس، وانفصل عن نظامه الدافع في 17 أغسطس، والتقط بعض الصور التشويقية للقمر في 18 أغسطس. وكانت أخطر لحظة ربما هي الخطوة النهائية للهبوط: مرحلة الكبح.

يشرح الصحفي العلمي جاتان ميهتا: «يجب على المسبار أن يتوقف عن سرعته بالكامل ويدخل حالة تحليق على ارتفاع كيلومتر واحد تقريبًا فوق سطح القمر، وفي هذه اللحظة يجب أن يقرر أيضًا في 12 ثانية ما إذا كان فوق منطقة الهبوط المطلوبة أم لا ويواصل الهبوط بناءً على ذلك».

من ناحية أخرى، فشل مسبار لونا 25 الروسي في وقت سابق خلال رحلته، وهذا قد يكون علامة على جودة تصنيع سيئة أو نقص في الاختبارات.

عندما هبط المسبار الهندي، كان يجب أن يكون متحركًا بسرعة تبلغ حوالي 4 أميال في الساعة فقط. لكن الانحرافات البسيطة فقط تفصل بين هبوط محطم وهبوط مسيطر عليه.

يقول ويليامز: « مع أن جاذبية القمر تمثل حوالي السدس من جاذبية الأرض، فهي ما تزال كافية لتدمير المركبة الفضائية إذا لم تُبطأ».

بعض التحقيقات العلمية المثيرة تنتظر الآن المسبار. على عكس أي مسبار سابق، تستهدف تشاندرايان-3 القطب الجنوبي للقمر، إذ يعتقد العلماء أنه يوجد فيه ترسبات مائية. الماء مصدر حيوي لاستكشاف الفضاء لفترات أطول في المستقبل، سواء لشرب رواد الفضاء أو لاستخدامه وقودًا للصواريخ.

يحمل المسبار تشاندرايان-3، المسمى أيضًا فيكرام، مركبة جوالة صغيرة تسمى براجيان. تزن براجيان نحو 23 كيلوغرامًا فقط وستتجول على سطح القمر مدة أسبوعين تقريبًا، وهي مجهزة بمقياسين طيفيين يمكنهما قياس تركيبة الصخور والتربة، ما يوفر للعلماء معلومات حاسمة حول هذه المنطقة غير المستكشفة من القمر.

المناطق الجنوبية للقمر هدف رئيسي أيضًا للدفعات المستقبلية في برنامج أرتيمس التابع لناسا، ما يمهد الطريق لاستيطان بشري شبه دائم على أقرب جار سماوي لنا.

في يونيو 2023، وقعت الهند على اتفاق أرتيمس، وهو اتفاق للتعاون بين الدول في استكشاف الفضاء. اليابان، الدولة الموقعة على الاتفاق أيضًا، لديها عربة جوالة تعمل مع الهند، بهدف الحفر في القطب الجنوبي للقمر بحثًا عن الماء. جميع هذه الخطط ستكون لديها فرصة أفضل بفضل نجاح الهند في الهبوط بنجاح على سطح القمر.

يقول ميهتا: «إن الهند واحدة من الدول القليلة التي تستطيع بناء مسبارات قمرية، ما يعني أن نجاح مهمة تشاندرايان-3 سيكون جزءًا حاسمًا من قدرتنا في الحفاظ على الزخم العالمي الحالي للعودة إلى القمر».

مع محاولة مزيد من الدول الهبوط على سطح القمر، يجب أن تساهم الدروس المستفادة من النجاح والفشل في تحسين كل محاولة مقبلة.

اقرأ أيضًا:

ما سبب صعوبة الهبوط على سطح القمر ؟

ناسا تتجهز لإطلاق مهمة أرتميس 1 التي ستمهد لعودة البشر إلى سطح القمر

ترجمة : حمداش رانية

تدقيق: باسل حميدي

المصدر