بهدف استكشاف الجانب المظلم من الكون، انطلق تلسكوب إقليدس الفضائي الأوروبي في الأول من يوليو 2023 في أول مهمة على الإطلاق تهدف إلى إلقاء الضوء على اثنين من أعظم أسرار الكون، ألا وهما الطاقة المظلمة والمادة المظلمة.

أطلق التلسكوب على متن صاروخ فالكون 9 التابع لشركة سبيس إكس الأمريكية.

اضطرت وكالة الفضاء الأوروبية إلى اللجوء إلى شركة الملياردير إيلون ماسك المنافسة لإطلاق المهمة بعد أن سحبت روسيا صواريخ سويوز ردًا على العقوبات بسبب الحرب في أوكرانيا.

بعد رحلة استمرت شهرًا عبر الفضاء، انضم تلسكوب إقليدس إلى زميله التلسكوب الفضائي جيمس ويب، إذ سيَحوم في بقعة مستقرة على بعد 1.5 مليون كيلومتر من الأرض تسمى نقطة لاغرانج الثانية، وتُعرف نقاط لاغرانج بأنها مميزة في ميكانيكا الأجرام السماوية للكون وهي النقاط التي ينعدم عندها تأثير جاذبية جُرمين سماوين كبيرين في جسم ثالث في العادة أصغر حجمًا، ما يجعل حركته تتبع حركة الجسمين الكبيرين، إذ تقع نقطة لاغرانج الثانية على خط امتداد المسافة من الشمس إلى الأرض على الناحية البعيدة عن الشمس.

ومن هناك، يرسم إقليدس أكبر خريطة للكون على الإطلاق، تشمل ما يصل إلى ملياري مجرة عبر أكثر من ثلث السماء في الفضاء.

وبالتقاط الإشعاعات الضوئية التي استغرقت 10 مليارات سنة للوصول إلى الأرض، ستقدم هذه الخريطة أيضًا رؤية جديدة لتاريخ الكون البالغ من العمر 13.8 مليار عام.

يأمل العلماء في استخدام هذه المعلومات لمعرفة ما يسميه مدير مشروع إقليدس جوزيبي راكا بالحرج الكوني، وهو أن 95% من الكون ما يزال مجهولًا وغير متعارف عليه من قبل البشرية.

يظن العلماء أن نحو 70% منها طاقة مظلمة، وهو الاسم الذي يطلق على القوة المجهولة التي تتسبب في توسع الكون بمعدل متسارع. بينما 25% مادة مظلمة، يُظن أنها تربط مكونات الكون معًا وتشكل قرابة 80% من كتلته.

صرّحت عضو اتحاد مشروع إقليدس غوادالوبي كاناس في مؤتمر صحفي: «إن التلسكوب الفضائي الذي يبلغ وزنه طنين يعمل محققًا عن الظلام بمعنى أنه يمكنه كشف المزيد عن الطاقة المظلمة والمادة المظلمة».

يستخدم تلسكوب إقليدس، الذي يبلغ ارتفاعه 4.7 مترًا وعرضه 3.5 مترًا، أداتين مصممتين تصميمًا علميًا لرسم خريطة للسماء.

تسمح كاميرا الضوء المرئي في تلسكوب إقليدس بقياس أشكال المجرات، في حين أن مطياف الأشعة القريبة من الأشعة تحت الحمراء ومقياس الضوء يسمح له بقياس مدى بعدها.

فكيف يحاول إقليدس اكتشاف الأشياء التي لا تُرى؟

الجواب يكمن خلال البحث عن غيابهم.

يحمل الضوء القادم عبر مليارات السنين الضوئية بعض التشوهات في تراكيبه قليلًا بسبب كتلة المادة المرئية والمظلمة على طول الطريق، وهي ظاهرة تعرف باسم تأثير عدسة الجاذبية الضعيف، وهو أحد أنواع تأثيرات الكتلة في النسبية العامة لآينشتاين في مسار الضوء المار قربها.

صرّح جوزيبي راكا لوكالة الأنباء الفرنسية: «بوضع المادة المرئية خارج المعادلة، يمكننا حساب وجود المادة المظلمة التي تقع بينها».

في حين أن هذا الأمر قد لا يكشف عن الطبيعة الحقيقية للمادة المظلمة، يأمل العلماء أن يطرح أدلة جديدة من شأنها أن تساعد في تعقبها والكشف عن المزيد من الحقائق عنها في المستقبل.

بالنسبة للطاقة المظلمة، شبّه عالم الفيزياء الفلكية الفرنسي ديفيد إلباز توسع الكون بنفخ بالون بخطوط مرسومة عليه باستخدام الهواء غير المرئي وهو تشبيه للطاقة المظلمة، وعبر رؤية مدى سرعة تضخم الكون، يأمل العلماء في قياس الطاقة المظلمة التي تجعله يتمدد.

يتمثل الاختلاف الرئيسي بين تلسكوب إقليدس والتلسكوبات الفضائية الأخرى في مجال رؤيته الواسع الذي يأخذ مساحة تعادل حجم قمرين كاملين.

قال عالم المشروع رينيه لوريجس: «إن مجال الرؤية الواسع لتلسكوب إقليدس سيجعله قادرًا على تصفُّح السماء وفحصها والعثور على أشياء جديدة وغريبة كليًا في الكون مثل الثقوب السوداء التي رصدها تلسكوب جيمس ويب الفضائي وبعد ذلك تحقق فيها بمزيد من التفصيل».

أضاف يانيك ميلييه، رئيس اتحاد مشروع إقليدس: «بعيدًا عن الطاقة المظلمة والمادة، من المتوقع أن تكون خريطة إقليدس للكون منجم ذهب لمجال علم الفلك بأكمله».

يأمل العلماء أن تساعدهم بيانات التي سيرصدها تلسكوب إقليدس في معرفة المزيد عن التطورات التي تحدُث في المجرات والثقوب السوداء وغيرها.

ومن المتوقع أن تبدأ الصور الأولى فور بدء المهمات العلمية في أكتوبر، مع إعلان البيانات والمعلومات الرئيسية المرصودة المخطط لها في الأعوام 2025- 2027- 2030.

ومن المقرر أن تستمر هذه المهمة التي تبلغ تكلفتها 1.4 مليار يورو أي ما يعادل 1.5 مليار دولار أمريكي حتى عام 2029، لكنها قد تستمر فترةً أطول قليلًا إذا سارت الأمور على ما يرام.

تأتي عملية الإطلاق لتلسكوب إقليدس في الوقت الذي تجد فيه أوروبا نفسها أمام طرق قليلة لإرسال بعثاتها المستقلة إلى الفضاء، بسبب إنهاء روسيا للتعاون الدولي العام الماضي والتأخيرات الطويلة في الجيل التالي من صاروخ أريان 6، وهو نظام إطلاق صاروخي أوروبي قيد التطوير من قبل وكالة الفضاء الأوروبية، كان سيستخدم في نقل تلسكوب إقليدس إلى الفضاء.

اقرأ أيضًا:

اكتشافات مذهلة قادمة لتلسكوب جيمس ويب حول المادة المظلمة والكواكب الخارجية

وصف دقيق للطاقة المظلمة والمادة المظلمة التي تحكم الكون

ترجمة: خالد عامر

تدقيق: تسبيح علي

المصدر