كيف وصلنا إلى هنا؟ ليس البشر فقط الذين من يتحاربون حول نقطة زرقاء شاحبة تدور حول نجمٍ، متسارعين حول ثقب أسود ضخم، نندفع عبر العنقود المحلي. ولكن كيف وصلت كل هذه الأشياء إلى هنا؟

كيف وصل كل هذا الكون الضخم الذي لا يمكن تصوره إلى المكان الذي هو عليه الآن، قادمًا من فراغٍ لا يمكن تصوره قبل مليارات السنين؟

هذا السؤال أحد أهم الأسئلة المطروحة، ويحاول علماء الفلك مع أكبر مشروع من نوعه حتى الآن العثور على إجابات عن طريق إجراء محاكاة حاسوبية للكون بأكمله.

تُعرف هذه المحاكاة باسم محاكاة فلامينغو FLAMINGO وهي اختصار لـ (محاكاة هياكل بالحجم الكامل بتقنية الهيدرو الكاملة مع رسم خرائط لكامل السماء لتفسير مشاهدات الجيل القادمة)، وتُشغَّل على حاسوب فائق السرعة في منشأة DiRAC في المملكة المتحدة.

هذه المحاكاة مكثفة ومصممة لحساب تطور جميع المكونات المعروفة في الكون.

هذا يعني المادة العادية من بينها النجوم والمجرات وجميع الأشياء التي يمكن لمسها إضافةً إلى المادة المظلمة التي تخلق جاذبيةً إضافية غريبة؛ والطاقة المظلمة التي تسرع تمدد الكون.

أكبر هذه المحاكاة تحتوي على 300 مليار جسيم بكتلة المجرة الصغيرة في مكعب من الفضاء بحواف تبلغ 10 مليارات سنة ضوئية.

يوضح عالم الفلك ماثيو شالير من جامعة لايدن: «لجعل هذه المحاكاة ممكنة، طورنا رمزًا جديدًا يدعى SWIFT يوزع على نحو فعال العمل الحسابي على 30 ألف وحدة معالجة مركزية».

نُشِرَت النتائج الأولية في ثلاث أوراق بحثية: الأولى تصف الأساليب المستخدمة، والثانية تقديم للمحاكاة، والثالثة تحتوي على النتائج التي تصف الهيكل الكبير للكون في وجود المادة المظلمة الباردة.

على وجه الخصوص، سعت الورقة الثالثة إلى التعامل مع ما يُسمى بالتوتر سيغما 8 (S8). يستند هذا إلى قياس للكون يُسمى الخلفية المكروية الكونية، الإشعاع الميكروي الخافت الذي يملأ الكون منذ الفترة الزمنية الفاصلة بعد الانفجار الكبير. يشير تحليل هذه الأمواج إلى أن الكون يجب أن يكون قد تكتل بشكل أكبر بكثير من تكتله الحالي.

نظرًا لأن هذا التوتر يشكل تحديًا كبيرًا لنموذج المادة المظلمة للكون الذي يجب أن يحدث فيه التكتل، يأمل الباحثون أن يمكن لمحاكاة فلامينغو FLAMINGO توفير بعض الإجابات.

لم يتمكن العلماء حتى الآن من حل هذا التوتر وهذا سيكون خبرًا هائلًا لعلم الكونيات. ولكن لديهم شيء يتعلق بإجراء المحاكاة: حيث أن كل من المادة العادية والنيوترينو ضروريان للتنبؤات الدقيقة.

يقول رئيس البحث وعالم الفلك جوب شاي من جامعة لايدن: «مع أن المادة الداكنة تهيمن على الجاذبية، فإن مساهمة المادة العادية لا يمكن إهمالها بعد الآن، نظرًا لأن هذه المساهمة قد تكون مماثلة للاختلافات بين النماذج والمشاهدات».

المحاكاة التي تشمل المادة العادية أصعب في التشغيل. المادة المظلمة معروفة فقط بالتفاعل مع الكون بوساطة الجاذبية، أما المادة العادية فإنها تتفاعل أيضًا مع الضغط، مثل ضغط الإشعاع، والرياح المجرية، التي تكون غير قابلة للتنبؤ وصعبة النمذجة. يتطلب ذلك الكثير من القوة الحسابية لجعلها تعمل، لذا سيتعين علينا الانتظار فترة أطول للحصول على إجابات حول توتر S8 من محاكاة فلامينغو FLAMINGO.

ومع ذلك، أجرى الباحثون سلسلة من المحاكات التي تتبع تكون هيكل الكون عبر المادة المظلمة والمادة العادية والنيوترينو، مغيّرين المعايير الثلاثة لرؤية كيفية تأثير ذلك على النتيجة النهائية.

يشرح عالم الفلك روي كوغل من جامعة لايدن: «ضبطنا تأثير الرياح المجرية باستخدام التعلم الآلي، وعن طريق مقارنة تنبؤات العديد من تجارب المحاكاة المختلفة لحجم صغير نسبيًا مع الكتل الملاحظة للمجرات وتوزيع الغاز في تجمعات المجرات».

لم تتح بيانات محاكاة فلامينغو FLAMINGO للجمهور حتى الآن بسبب حجمها البالغ عدة بيتابايت. يُشجع أي شخص مهتم على تقديم استفسار مهذب إلى المؤلف.

نُشِرَ البحث في المجلة الشهرية للجمعية الملكية الفلكية.

اقرأ أيضًا:

محاكاة ثقب أسود في المختبر، فما الذي حدث؟

اختراع محاكاة جديدة باستخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بسلوك الشمس والأحداث الشمسية

ترجمة: محمد فواز السيد

تدقيق: باسل حميدي

المصدر