هيمن محرك بحث جوجل لسنين على أقرانه، وأصبح يُعد محرك البحث الأساسي لدى الجميع، في حين كان يُنظر إلى محرك البحث بينغ من إنتاج شركة مايكروسوفت على أنه أضحوكة، لكن يبدو الآن أن أيام جوجل باتت معدودة.

لم يخطر لأحد أن محرك بحث بينغ قد يُشكل يومًا ما تهديدًا لجوجل، ذلك فقط منذ أشهر قليلة. مع أن بينغ يوضع جزءًا من نظام تشغيل مايكروسوفت 11 ويُستخدم بوصفه محرك البحث الأساسي داخل متصفح مايكروسوفت إيدج، ظل بالكاد يُستخدم، وتبين مجددًا أن هيمنة جوجل على السوق لا تُمكن زعزعتها.

تغيرت الأمور كليًا بعد إطلاق بوت شات جي بي تي -البوت ذو الإمكانيات اللامحدودة- لشركة مايكروسوفت، التي سرعان ما أدركت إمكانيات الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي هذه، وتجدر الإشارة أن مايكروسوفت والشركة المطورة لنماذج اللغة المستخدمة في جي بي تي، وهي (OpenAI)، هما شريكان.

أسرعت مايكروسوفت بدمج التقنية الجديدة الخاصة بشات جي بي تي في محرك بحثها بينغ، كانت النتيجة إتاحة المجال للمستخدمين في البحث على الويب وطرح أسئلة متنوعة وتقديم طلبات عبر الدردشة مع بينغ على نحو مشابه لمحادثة يومية تجري بين شخصين.

نجحت تجربة مايكروسوفت في جذب الانتباه وتوجيه المستخدمين لمحرك بحث بينغ، مع وجود بعض المشكلات المستعصية التي لا تزال قيد المعالجة.

أيضًا، نجحت التجربة في مضايقة جوجل، ما أجبرها على تقديم نسختها الخاصة من بوت الدردشة المبني على الذكاء الصناعي، نعني بذلك «بارد».

يتمتع بارد بمزايا واعدة، لكن يبدو أن ذلك لم يكن كافيًا لجذب انتباه المستخدمين، على عكس ما فعلته مايكروسوفت وOpenAI.

يبدو أن جوجل الآن في حالة ذعر بسبب وجود منافسين عديدين يعملون على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم، بحسب تقرير نُشر في نيويورك تايمز.

التغيرات في القطاع التقني:

يُشير تقرير صحيفة نيويورك تايمز إلى رسائل مصدرها العاملين داخل الشركة، مفادها وجود مخاوف حول تنامي الوعي لدى بينغ نظرًا إلى ميزات الذكاء الاصطناعي التي أُضيفت إليه، في حين أن شركة سامسونغ باتت تفكر بالاستعاضة عن محرك بحث جوجل بمحرك بحث بينغ، واعتماده على نحو أساسي في أجهزة الهواتف الذكية لديها، وفي أجهزة أخرى.

ستوجه الخسارة الناتجة عن ابتعاد سامسونغ عن جوجل ضربة قوية للشركة، فذلك سيؤدي إلى خسارة جوجل نحو 3 مليارات دولار من العوائد المالية سنويًا، وقد يدفع الملايين من زبائن سامسونغ إلى الابتعاد عن محرك البحث في حياتهم اليومية.

ستكون الخسارة على هذا المستوى مقلقة لجوجل، فالشركة لديها صفقة مشابهة مع شركة آبل التي ستدخل معها في مفاوضات في وقت لاحق من هذا العام، وتصل قيمة الأرباح من هذه الصفقة إلى 20 مليار دولار.

نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن العديد من العاملين لدى جوجل أن الاعتقاد السائد كان استمرار سامسونغ في اعتماد محرك بحث جوجل كالمعتاد في هواتفها الذكية التي تعمل بنظام تشغيل آندرويد، لذلك صُدم العديدون عندما طُرحت فكرة لجوء سامسونغ لمحرك بحث بينغ.

سيكون التغيير مفاجئًا، فجوجل جزء لا يتجزأ من نظام أندرويد، وسيؤدي تغيير محرك البحث الأساسي إلى إزعاج عدد كبير من زبائن سامسونغ، هذا بجانب ضعف شعبية محرك بحث بينغ حتى بعد الانتصارات المؤخرة التي حققها على صعيد العلاقات العامة.

في الوقت ذاته، فإن حدوث تطور من هذا النوع ليس بالمستحيل أيضًا، فقد تؤدي قدرات بينغ إلى تغيير رأي سامسونغ، خاصةً إذا ساعد محرك البحث الشركة على تسويق هواتفها، معلنًا أنها ذات مزايا ذكاء اصطناعي، ما قد يُصبح نقطة بيع رئيسية في المستقبل.

لدى شركتي مايكروسوفت وسامسونغ علاقة عمل تمتد عقودًا طويلة. مثلًا، يسمح تطبيق «فون لينك» الشهير الخاص بنظام تشغيل ويندوز 11 بالتحكم في الهواتف الذكية بواسطة الحاسب العادي أو الشخصي، وتوجد ميزات حصرية لمالكي هواتف سامسونغ.

في كل الأحوال، تزداد المخاوف لدى جوجل من خسارة سامسونغ أمام مايكروسوفت، ما دفع الشركة المسؤولة عن محرك البحث العملاق إلى تكثيف جهودها في تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها.

مشروع «ماجي»:

كشفت مستندات أشارت إليها «نيويورك تايمز» أن غوغل تُسرع لتطبيق مزايا الذكاء الاصطناعي الجديد لديها في محرك بحث لم يظهر بعد، وسُمي المشروع الهادف إلى تغيير آلية عمل محرك البحث جذريًا بين العاملين لدى جوجل باسم «ماجي».

يبذل المصممون والمهندسون والمديرون التنفيذيون جهدًا كبيرًا لإصدار نسخة من جوجل وصفتها صحيفة نيويورك تايمز بأنها: «ستمنح المستخدمين تجربةً خاصة أكثر مما هو متوفر الآن، ويهدف المشروع الجديد إلى توقع احتياجات المستخدمين».

ليس من المفاجئ رؤية جوجل تعمل على تحسين محرك البحث لديها، ويعلم الجميع مدى اهتمامها بالاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي، المتمثل ليس فقط في إطلاق بارد، وإنما أيضًا عبر سنوات عديدة من تأديتها دورًا في تطوير هذا النوع من التقنيات ، بالعمل على مخبر DeepMin. مع ذلك، تعبر الصورة التي تنقلها صحيفة نيويورك تايمز عن الفزع عمومًا.

لم يسبق أن رأى أحد جوجل في هذه الحالة، ومع أن مشروع ماجي قد يُغير طريقة بحث المستخدمين على الإنترنت، فإن التعجل في إطلاق مزايا ذكاء اصطناعي جديدة لن تكون فكرة سديدة.

لم ينجح بارد تمامًا عند إطلاقه، وذلك بسبب إجابته على نحو خاطئ على بعض الأسئلة، ووجود ميزات غير مكتملة. تعود هذه المشكلات إلى إطلاق مستعجل للبوت قبل العمل عليه كما يجب، إذ أملت جوجل أن عقد حدث إطلاق البوت قبل يوم واحد سيجعلها تتفوق على مايكروسوفت.

يجب على جوجل التمهل قبل إطلاق أي شيء جديد، فلا تزال الشركة تمتلك أكثر محرك بحث استخدامًا في العالم دون منازع، ويدعم ذلك جميع الأدوات المبنية على الذكاء الاصطناعي التي قد تُصدرها الشركة، إذ يُمكن تدريبها على كم هائل جدًا من البيانات.

تُظهر أدلة جديدة أن جوجل قررت اتباع نهج حذر عند التعامل مع الذكاء الاصطناعي، ذلك ما كشفته مقابلة جرت مع برنامج «60 دقيقة»، إذ تحدث المراسل سكوت بيلي مع عدة موظفين لدى جوجل يعملون على مشروعات الذكاء الاصطناعي في مقر الشركة الجديدة في كاليفورنيا، مونتن فيو.

نقلت شبكة سي بي إس أن الرئيس التنفيذي لجوجل سوندار بيتشاي أخبر بيلي أن جوجل تتمهل في إصدار نُسخ متطورة من بارد، قادرة على التفكير والتخطيط والاتصال بالشبكة لإجراء البحث دون تلقي أوامر، ويرجع ذلك إلى رغبة الشركة في إجراء المزيد من الاختبارات وأخذ آراء المستخدمين في الحسبان، وتطوير إجراءات أمان أقوى.

يُمكن القول إن تطور الذكاء الاصطناعي خلال الأشهر القليلة الفائتة كان مدهشًا، لكن من الضروري وجود ضوابط تضمن عدم تحول الاندفاع وراء الذكاء الاصطناعي إلى أمر مؤذ. من الجيد رؤية شركة مؤثرة مثل جوجل تعي ذلك.

طرح بيتشاي التساؤل التالي خلال المقابلة: «كيف تُطور أنظمة ذكاء اصطناعي بالتناغم مع القيم الإنسانية والأخلاق؟ أعتقد أن عملية التطوير يجب أن تشمل ليس فقط مشاركة المهندسين، وإنما علماء المجتمع والأخلاق والفلاسفة وسواهم».

تفكير جوجل وحذرهم مثير للإعجاب، لكن تظل الأولوية في العمل، وتُبين لنا هذه التطورات الأخيرة عدم جدية الناس في الالتزام باستعمال محرك بحث واحد دون سواه، فالأغلبية العظمى تريد محرك بحث يُقدم لها نتائج مفيدة وعملية فحسب. إذن ليس من الغريب أن تُزحزح جوجل عن عرشها في السوق حال ظهور منافس يُقدم محرك بحث له مزايا أفضل.

مع أن تأخر جوجل بعض الشيء قد تضعهم في موقف حرج، فإن تعاملهم مع الموقف على نحو هادئ ومدروس يبقى النهج الأفضل.

عادةً ما تؤدي المنافسة إلى ابتكارات أفضل، وقد يُجبر نجاح محرك بحث بينغ شركة جوجل على الخروج عن المألوف وإيجاد طرق أفضل تدفع الناس إلى الاستمرار في استخدام محرك بحثها، بدلًا من أن يكونوا مجبرين على ذلك بوصفه محرك البحث الأساسي.

ربما يكون تطور محرك بحث بينغ أفضل شيء حدث لجوجل منذ زمن طويل.

اقرأ أيضًا:

تجربة جديدة كليًا لخرائط جوجل المدعومة بالذكاء الاصطناعي!

قصة نجاح شركة جوجل

ترجمة: طاهر قوجة

تدقيق: دوري شديد

المصدر