التقط مرصد جديد للموجات الثقالية إشارتين غريبتين خلال 153 يومًا من بداية عمله، وهو مصمم ليحيط بقطعة من معدن الكوارتز. ماهية هذه الإشارات غير واضحة تمامًا، فقد تكون بسبب عدة ظواهر، إحداها ما صُمم الجهاز لالتقاطه: موجات ثقالية عالية التردد لم تُسجل من قبل.

سيسهم التشغيل التالي للمرصد في تضييق الاحتمالات للوقوف على تفسير منطقي لهذه الظاهرة، ومعرفة سبب اهتزاز الكوارتز.

يقول عالم الفيزياء ميشال توبار من جامعة ويسترن أستراليا: «يُظهر هذا الحدث المشوق حساسية المرصد الجديد وقدرته على تحقيق النتائج، لكن يبقى علينا تحديد معنى هذه النتائج. بهذا العمل أثبتنا للمرة الأولى إمكانية استخدام هذه الأجهزة بوصفها مراصد عالية الحساسية للأمواج الثقالية».

رُصدت هذه الموجات أول مرة سنة 2015، ومنذ ذلك الحين بدأ مرصدا LIGO و Virgo بمحاولة الكشف عن وجود تموجات في الكون تصدر بسبب ظواهر كبرى مثل تصادم النجوم النيوترونية والثقوب السوداء.

هذه المراصد ضخمة جدًا، إذ تمتد أذرعها بطول نحو 4 كيلومترات مع أشعة ليزر تمر خلالها. يؤدي وجود الموجات الثقالية إلى التأثير في الليزر ما ينتج أنماط تداخل في الضوء، وبتحليل التداخل تمكن معرفة طبيعة الحدث الذي سبب هذه الموجات.

كان التركيز على تحسين هذه التقنية لالتقاط الموجات الثقالية منخفضة التردد، أما عالية التردد فرصدها أصعب بكثير، لكنه يستحق الجهد. من المعروف أن طول الموجة يرتبط بعمر الكون، فالموجات الطويلة أحدث نسبيًا، أما الموجات القصيرة عالية التردد فيعود أصلها إلى بدايات الكون، وقد تكشف معلومات عن الانفجار العظيم والكون عند بداية الزمن.

قد تشمل مصادر الموجات الثقالية في الماضي القريب أشياء افتراضية، مثل نجوم البوزون والثقوب السوداء البدائية، وقد تصدر عن سُحُب المادة المظلمة. لهذا يهتم علماء الفلك باكتشاف هذه الإشارات.

سنة 2014 صمم توبار مع زميله ماكسيم كورياشيف عالم الفيزياء بجامعة ويسترن أستراليا مرصدًا للأمواج الثقالية عالية التردد. حاليًا، يعمل الباحثان بمساعدة فريق دولي على تشغيله ومراقبة النتائج.

يتكون المرصد من قرص من بلورة كوارتز، يُسمى مرنان الأمواج الصوتية الكبيرة (BAW resonator)، وله جهة مُحدبة قليلًا. نظريًا، تؤدي الموجات الثقالية عالية التردد إلى إنتاج موجات صوتية في القرص، تُحتجز في صورة فوتونات على الجانب المحدب.

القرص مبرد للحد من الضوضاء الحرارية، وتلتقط الألواح الموصلة بجواره إشارات الكهرباء الانضغاطية الناتجة من الاهتزازات الصوتية. هذه الإشارات دقيقة جدًا، لهذا يُستخدم جهاز تداخل كمي فائق التوصيل SQUID)) لتضخيم الإشارة.

يوضع المرصد في حجرة معزولة عن الإشعاعات للحد من التداخل. أجرى الفريق عمليتي مراقبة باستعمال هذا المرصد: الأولى في 12 مايو 2019، والثانية في 27 نوفمبر 2019.

اقترح الباحثون عدة تفسيرات، منها انخفاض الضغط الميكانيكي داخل قرص الكوارتز، أو حدث إشعاعي داخل المرصد سببه إشعاع مؤين خارجي، مع أن الفريق لا يعلم أي حدث قد يسبب ذلك، إذ إن الغرفة المعزولة التي وُضع فيها المرصد مصممة لمنع التداخل.

اقتُرح أيضًا احتمالية تأثر المرصد بالأشعة الكونية أو القذائف النيزكية، إذ تصدر موجات صوتية.

توجد تفسيرات أكثر تشويقًا فيزيائيًا، منها خلل في طوبولجيا المادة المظلمة، أو جسيمات المادة المظلمة الضخمة.

أما التفسير الأهم، فهو الموجات الثقالية عالية التردد، لكن هذا يتطلب مزيد من الدراسات، إذ لا يتناسب نمط الإشارة مع النمط الصادر عن تصادمات كونية ضخمة.

في الدراسة القادمة، سيضيف الفريق بلورة كوارتز ثانية، ومقياس مغناطيسي حساس خاص بها، مع مرصد للميونات لاستبعاد تأثير الأشعة الكونية. ستسمح هذه الإضافات بتضييق نطاق مسببات الإشارة.

يقول توبار: «تلك إحدى دراستين فقط حول العالم تركزان على الأمواج الثقالية عالية التردد، ونخطط للوصول إلى ترددات أعلى لم تبحثها التجارب السابقة. قد يوفر تطوير هذه التقنية أول رصد للموجات الثقالية عالية التردد، ما سيفتح مجالات جديدة في دراسات الموجات الثقالية الكونية. في النسخة التالية من التجربة سنضع مرصدًا آخر مع مرصد ميونات حساس للجسيمات الكونية، وإذا اكتشف المرصدان الموجات الثقالية، سيكون ذلك مشوقًا جدًا».

اقرأ أيضًا:

هل اندماج الثقوب السوداء وحده هو ما ينتج الموجات الثقالية ؟

الثقوب السوداء أم النجوم البوزونية ؟ الكشف عن مصدر أكبر موجة ثقالية رصدت حتى اليوم

ترجمة: محمد علي مسلماني

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر