في 2 سبتمبر عام 2023، نجحت الهند في تحقيق إنجاز فضائي مهم بإطلاق مرصد الشمس أديتيا-ل1 (Aditya-L1) بنجاح في تمام الساعة 2:20 صباحًا بتوقيت شرق الولايات المتحدة. وصُمم هذا المرصد لدراسة الفيزياء الشمسية، ومن المتوقع أن يصل إلى وجهته الأولى بين الأرض والشمس في يناير عام 2024.

قبل هذا الإنجاز، في 23 أغسطس عام 2023، نفذت منظمة البحوث الفضائية الهندية (ISRO) مهمة تشاندريان 3 3 Chandrayaan بنجاح، حيث هبطت المركبة فيكرام Vikram ومسبار براغيان Pragyan بنجاح بالقرب من القطب الجنوبي للقمر.

بهذا الإنجاز، أصبحت الهند الدولة الرابعة التي تهبط على سطح القمر بعد روسيا والولايات المتحدة والصين، وأول دولة تهبط في منطقة القطب الجنوبي للقمر، حيث اكتشف مسبار Pragyan بالفعل وجود الكبريت والأكسجين في تربة القمر، ما يقدم رؤىً قيّمة في مجال استكشاف القمر.

بعد هذا النجاح على سطح القمر، انتقلت منظمة ISRO بسرعة إلى مهمتها الطَموحة التالية، وهي مركبة Aditya-L1. إذ جُهزت هذه المركبة بمجموعة من الأجهزة الحساسة والمخصصة لدراسة الظواهر الشمسية.

كان من المقرر أن تنطلق نحو الساعة 2 صباحًا بتوقيت شرق الولايات المتحدة في 2 سبتمبر عام 2023. وأُطلقت المركبة على متن صاروخ PSLV-C57 من مركز ساتيش دهاوان للفضاء في سريهاريكوتا في جنوب شرق الهند. وتمثل هذه المهمة التزام الهند بتطوير فهمنا للشمس وللفيزياء الشمسية.

سيبدأ مرصد Aditya-L1 رحلة تستمر أربعة أشهر إلى نقطة خاصة في الفضاء تبعد نحو 932 ألف ميل عن الأرض، وهي نقطة L1 لاجرانجيان بين الشمس والأرض. وفي هذا المكان، تتعادل قوى الجاذبية بين الأرض والشمس، ما يسمح للمرصد بالدخول في مدار حول هذه النقطة، إضافةً إلى الحفاظ على موقع ثابت نسبيًا بالنسبة للأرض في أثناء دورانه حول الشمس.

إن هذه الاستراتيجية مشتركة مع مرصد SOHO التابع لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا والوكالة الفضائية الأوروبية ESA، التي تعمل في مجال مراقبة الشمس منذ عام 1996.

في حال وصول مرصد Aditya-L1 إلى مدار L1، فسوف ينضم إلى مرصد SOHO، ومرصد باركر الشمسي التابع لوكالة ناسا، ومرصد الشمس الأوروبي التابع للوكالة الفضائية الأوروبية، وعدد قليل من المركبات الفضائية الأخرى المخصصة لدراسة أقرب نجم إلى الأرض.

تقول ماريا ويبر؛ عالمة في مجال الفيزياء الشمسية في جامعة دلتا ستيت في ميسيسيبي، وتدير أيضًا مركز الفلك الوحيد في الولاية: «هذه المهمة مزودة بأجهزة قياس تلتقط معلومات متنوعة تشبه إلى حد كبير ما قامت به جميع هذه المهمات بالفعل، لكن هذا لا يعني أننا سنكرر البحث العلمي. فنحن نحصل على مزيد من المعلومات والبيانات الآن في وقت آخر؛ هو وقت جديد في دورة الشمس الشمسية، لم تكن المهمات السابقة قادرة على تسجيلها لنا».

تخضع الشمس لأنماط دورية تستمر نحو 11 عامًا من النشاط المغناطيسي المتزايد والمتناقص، ومن المتوقع أن تصل الدورة الشمسية الحالية إلى ذروتها في عام 2025، الأمر الذي يتوافق مع زيادة في البقع والانفجارات الشمسية.

سيحمل مرصد Aditya-L1 سبعة معدّات علمية، بما في ذلك أربعة أجهزة استشعار عن بُعد:

  •  جهاز تصوير الهالة الشمسية الذي يخلق خسوفًا صناعيًا، من أجل دراسة الهالة الشمسية دراسةً أفضل.
  •  تلسكوب الأشعة فوق البنفسجية.
  •  أجهزة طَيفية للأشعة السينية العالية والمنخفضة، التي قد تساعد على دراسة تغيرات درجة الحرارة في أجزاء من الشمس.

يقول ديل غاري؛ عالم في مجال فيزياء الشمس الراديوية في جامعة روتجرز: «أنا متحمس لشيء واحد؛ وهو المكون ذو الطاقة العالية. وسوف تتمكن Aditya-L1 من دراسة أشعة إكس عالية الطاقة تلك المرتبطة بالانفجارات الشمسية والنشاط الشمسي الآخر، بطرق لا يمكن لمرصد SOHO القيام بها».

يضيف غاري: «إن موقع L1 مناسب لهذا النوع من الدراسة؛ نظرًا إلى وجود خلفية أكثر استقرارًا من الإشعاع الذي يمكن استخدامه لقياس أشعة إكس الشمسية. فقد كانت القياسات السابقة التي أُجريت في مدار الأرض تتعامل مع حزم الإشعاع فان آلن. وسيكون مقراب الأشعة فوق البنفسجية لمرصد Aditya-L1 فريدًا أيضًا».

يقيس المرصد الأشعة فوق البنفسجية التي لها أطوال موجية أقصر من الضوء المرئي؛ وذلك لأن الضوء فوق البنفسجي الأقصر أو فوق البنفسجي المتطرف، القريب من الطيف الإشعاعي السيني، قِيس بالفعل من مرصد SOHO، لكن سيقوم مرصد Aditya بالتقاط الأمواج فوق البنفسجية الأطول.

يصرح غاري: «يمكن لذلك أن يسمح لمرصد Aditya-L1 بدراسة أجزاء من الغلاف الجوي للشمس رُصدت إلى حد ما»، مثل المنطقة الانتقالية بين الكروموسفير التي تبعد نحو 250 ميلًا عن سطح الشمس، والهالة والطبقة الخارجية للشمس التي تبدأ على بعد نحو 1300 ميلًا فوق سطح الشمس وتمتد امتدادًا خفيفًا خارج النظام الشمسي.

على الرغم من أن المقارب الأرضية قد تقوم ببعض القياسات المماثلة لتلك التي يقوم بها مرصد Aditya، فإن المركبة مزودة أيضًا بأجهزة (in situ) التي تقوم بقياس خصائص الشمس التي يمكن رصدها فقط في أثناء وجود المرصد في الفضاء.

تقيس هذه الأجهزة الحقول المغناطيسية في المكان الذي يوجد فيه المرصد، وتقيس أيضًا جزيئات الرياح الشمسية، وفقًا لحديث ماريا ويبر.

مثل جميع المهام المخصصة لفهم الفيزياء الشمسية، سوف يحقق مرصد Aditya-L1 بالضرورة غرضين رئيسيين؛ الأول: فهم كيفية عمل الشمس، والنجوم الأخرى أيضًا. أما الثاني: المساعدة في التنبؤ بسلوك الشمس، وبخاصة فيما يتعلق بانفجارات الشمس واندفاعات الهالة.

قد تؤثر هذه الانفجارات التي تحمل جسيمات مشحونة وحقولًا مغناطيسية في الغلاف الجوي للأرض، وتشكل مخاطر على الأقمار الصناعية ورواد الفضاء.

في مارس عام 2022، تسببت عاصفة مغناطيسية أُثيرت بالإشعاع الشمسي في انتفاخ الغلاف الجوي للأرض، ما أدى إلى سقوط 40 قمرًا صناعيًا من نوع SpaceX Starling، الذي أُطلق حديثًا في مداره.

تقول ماريا ويبر: «نحن نعيش مع هذا النجم، لذا نرغب في النهاية في امتلاك القدرة على التنبؤ بسلوكه. ونحن نتحسن في ذلك باستمرار، لكن الطريقة الوحيدة التي يمكننا بها التنبؤ بسلوكه هي أن نتعلم أكثر وأكثر عنه».

إضافةً إلى المهمة العلمية لمرصد Aditya-L1، التي سيمثل نجاحها إنجازًا آخر لمنظمة ISRO، وخطوة أخرى في العمل الجاد الذي تبذله وكالة الفضاء الهندية لتحقيق مكانة بارزة في مجال الفضاء، وذلك وفقًا لتصريح ويندي ويتمان كوب؛ خبيرة في سياسة الفضاء ومحاضرة في مدرسة الدراسات المتقدمة في القوات الجوية الأمريكية -وهي تعلق على نفسها لا نيابةً عن الحكومة الأمريكية- وتقول: «للهند خطط طموحة منذ عقدين تقريبًا»، وتضيف: «تقول الكثير من الدول إنها ستفعل شيئًا ما، لكن أعتقد أن الهند هي مثال نادر للدولة التي سوف تنجز ذلك فعلًا».

إن الفضاء بالتأكيد أمر صعب، فمحاولة الهبوط الأولى للهند على القمر في مهمة Chandrayaan-2 عام 2019 كانت فاشلة، وليس هناك ضمان بأن مركبة Aditya-L1 ستصل إلى L1.

يقول غاري: «إنه إنجاز تقني أن تدخل في المدار الصحيح عند الوصول إلى هناك. فهناك منحنىً، لذا سيكون نجاحهم في تحقيق أهدافهم تشغيل كل شيء جيدًا أمرًا مثيرًا جدًا».

اقرأ أيضًا:

خسارة فادحة لبرنامج الفضاء الروسي بعد تحطم المركبة لونا 25 على سطح القمر 22

لماذا يُعد الهبوط على سطح القمر أمرًا بالغ الصعوبة؟

ترجمة: حمداش رانية

تدقيق: منال توفيق الضللي

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر