لعل تعبير محاربة النار بالنار ترامى إلى سمعك من ألبوم فرقة ميتاليكا، أو من خطاب حماسي يلقيه مدرب كرة قدم بين الشوطين، وطبعًا لا تؤخذ هذه العبارة حرفيًا, فهي مجاز لمقابلة العنف بالعنف يعود إلى مسرحية شكسبير (الملك جون)، إذ قال: «كن نشيطًا كالزمن، والقَ النار بالنار، وهدد من يهددك، وتحدّى من يتشدق بالويل ويتوعد»، ولكن بعيدًا عن هذه الاستعارات، قد تحمل العبارة معناها الحرفي تمامًا في سياق مواجهة حرائق الغابات.

فعند مكافحة حرائق متأججة في أراضٍ خشبية لا يخطر لنا أن نبدأ بإضرام المزيد من النيران للوضع المتأزم هذا، لكن إن أمعنت النظر في هذا لحظة أخرى؛ فالحريق يحتاج إلى الأكسجين والوقود -كالأوراق والنباتات- ليستمر بالتأجج، وإن حرمت النار من أحد هذين المصدرين فستكبح التفاعل الكيميائي المسبب للحريق.

عند مكافحة حرائق آبار النفط يبدأ رجال الإطفاء بإقصاء الأكسجين من معادلة الحريق، وذلك بتفجير قطعة ديناميت صغيرة تفجيرًا صاعقًا، سيقضي التفجير على كل الأكسجين الموجود، فلا يخلف أي شيء يُبقي الحريق مستمرًا. أما عند احتراق غابة برمتها، يتبنى رجال الإطفاء تكتيكًا مختلفًا تمامًا، إذ يتخلص رجال الإطفاء من وقود الحريق، وهل من طريقة أفضل لاستئصال الشجيرات سريعًا غير إشعالها بحرص؟

عند التأمل مليًا في جوع الحريق الضاري ونموه يسهل علينا تخيل كائنات حية، وليكن غزوًا من الفئران، فإلى جانب السم، تحث المناطق المدنية الكبرى -مثل لندن- سكانَها على مكافحة غزو القوارض بحملات مكافحة القمامة، فإن كنت لا تريد الفئران في منزلك، كل ما عليك فعله هو عدم إلقاء مأدبة من بقايا الطعام السريع في الشوارع.

وتستطيع بالطريقة نفسها منع تفشي حرائق الغابات بالحد من وجود وقودها، فبالوسع تطبيق هذه الاستراتيجية حول المنزل بالتخلص من المزروعات التي قد تصبح وقودًا للحريق. أما إن كنت تدير مزرعة أو غابة أو أرضًا عشبية، فتعد الطريقة السديدة لمحاربة الحرائق المستقبلية بأن يندلع حريق خاضع للسيطرة، وفي هذا السيناريو، يضرم مديرو الحياة البرية حريقًا خاضعًا للسيطرة في مكان قد يشكل وقود حريق للغابات في المستقبل، يخلق هذا الحريق حاجزًا أو فجوة نارية مصطنعة في المواد القابلة للاشتعال، ما يساعد على احتواء انتشار حرائق الغابات.

قد تثير هذه الحرائق توتر أصحاب المنازل القريبة حتى إن كانت في أغلبها تحت السيطرة، وحتى إن كان السكان على دراية بأنهم يعيشون في منطقة حرائق، إذ لا تسير الحرائق المتعمدة في بعض الأحيان كما هو مخطط لها، كما كان الحال عندما أضرمت خدمة المتنزهات الوطنية حريقًا التهم 200 منزل بالقرب من لوس ألاموس في نيو مكسيكو عام 2000.

ومع ذلك، لا تقلق من احتراق المناطق الخضراء، لأن حرائق العشب والغابات ظاهرة طبيعية تمامًا، ففي عالم خالٍ من البشر، ستحدث أيضًا بفضل صواعق البرق وشرارات الصخور المتساقطة والنشاط البركاني والاحتراق التلقائي للمواد العضوية. وفي حين أن حريقًا عرضيًا قد يزعج السكان المحليين كثيرًا، فهو جزء من الدورة البيئية الطبيعية.

حتى أن بعض أنواع النباتات تعتمد فعليًا على النار بوصفها جزءًا من دورة تكاثرها، بينما تطورت أنواع أخرى منذ فترة طويلة لتتغلب على حرائق الغابات العادية، مثل بذور السكويا، التي تظل كامنة حتى تَكسِر النار الغلاف الخارجي للبذور، وبهذا، قد يساعد حريق محكم السيطرة البيئة بتحفيز الغطاء النباتي في هذا المكان، ويعد فقدان السيطرة على الحريق المتحكم فيه مأخذًا آخر على هذه الاستراتيجية.

وبالعودة إلى استعارة القوارض، سيكون التشبيه هذه المرة أقرب إلى قدوم جحافل قادمة من الفئران وإخفاء الطعام عنها، في هذه الاستراتيجية، يحاول رجال الإطفاء وقف زحف حرائق الغابات أو إعادة توجيهها بحرق الوقود في طريقها. وتوجد أدوات كثيرة ومختلفة تنشر الحرائق عادةً وتساعد رجال الإطفاء على النجاح في التخلص من الحرائق، متضمنةً مشاعل حرائق الغابات (التي تشبه مشاعل الطوارئ في الطريق)، ومصابيح البروبان، ومشاعل التنقيط.

اقرأ أيضًا:

حرائق الغابات بين الماضي والحاضر: ماذا تغير؟

كيف تنشأ حرائق الغابات ؟

ترجمة: مي مالك

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: حسين جرود

المصدر