حتى وإن استقر دخان حرائق 2018 في نهاية العام، فإنه يمثل تذكيرًا قاسيًا للحرائق الهائلة التي ابتليت بها كاليفورنيا وبقية غرب الولايات المتحدة، ووفقًا للمركز الوطني لمكافحة الحرائق فأكثر من 34600 كيلومتر مربع أُحرِقَت هذا العام، وقد أحرقت بشكل أسرع وأكثر سخونة من أي حرائق رآها الخبراء سابقًا.

ولكن كيف تبدأ حرائق الغابات أساسًا؟

تنشأ الحرائق من ثلاث مكونات: الوقود والحرارة والأكسجين. الأكسجين متوفر بسهولة في الهواء، فيتبقى لدينا إذن الوقود والحرارة، الوقود هو أي شيء يحترق بما في ذلك الأجمات والعشب والأشجار وحتى المنازل، وكلما كان الوقود جافًا أكثر كان احتراقه أسهل، والمكون الأخير للحريق هو الحرارة التي تحرق الوقود وتجفف المنطقة المحيطة بينما تنتشر النيران.

وبعبارة أخرى، تقول لينيا كوين دافيدسون Lenya Quinn-Davidson محللة إطفاء الحرائق في البرنامج التعاوني للغابات التابع لجامعة كاليفورنيا في شمالي الولاية: «يجب أن يلتقي مصدر الحرارة مع وقود جاف بدرجة كافية لكي يشتعل»، وفي الظروف المناسبة فإن هذه العوامل الثلاثة هي كل ما يتطلبه الأمر لكي تشتعل النار ويبدأ الحريق.

نحن نتحدث هنا عن الكوارث الطبيعية، ومع ذلك، فغالبًا ما يكون لها بدايات غير طبيعية.

وفقًا لدراسة أجريت في عام 2017 نشرت في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم Proceedings of the National Academy of sciences فإن 84% من أصل 1.5 مليون من حرائق الغابات التي أُبلِغَ عنها في الولايات المتحدة في الفترة بين عامي 1992-2012 كانت من صنع الإنسان، في حين أن 16% فقط أُشعلت من قبل الصواعق.

فهناك على سبيل المثال شرارة أشعلت حريقًا في ريدنغ في كاليفورنيا بسبب كشط حافة أحد الإطارات على الأسفلت، وكانت هنالك تحقيقات حول حرائق منطقة (كامب فاير-Camp Fire) التي حدثت في في الشهر الماضي، ويشتبه في أن السبب هو خطوط الكهرباء المعطوبة.

ومع ذلك، فإن الاشتعال هو مجرد البداية، وقالت ديفيدسون لمجلة لايف ساينسLive Science: «يجب أن يكون هناك مزيج مثالي من العوامل، مثل الظروف الجافة والرياح القوية لدرجة كافية لكي تنمو شرارة بسيطة إلى حريق غابات هائل».

وبسبب تغير المناخ، فإن الظروف الجافة تستمر لفترة أطول وتؤدي بدورها إلى مواسم حرائق أطول، وقالت ديفيدسون أيضًا: «منذ خمسين عامًا مضت، كان منتصف نوفمبر رطبًا، وربما كان لدينا رياحٌ أقوى ولكن كان الوقود رطبًا لدرجة لا تسمح باشتعال الحريق».

لكن منتصف نوفمبر في عام 2018 كان جافًا بما يكفي لإدامة أكثر النيران دموية وتدميرًا في تاريخ الولاية الذهبية.

على الرغم من أنه كان عامًا قياسيًا على كاليفورنيا إلا أن حرائق الغابات ليست جديدة، ففي الواقع تعد حرائق الغابات جزءًا طبيعيًا وضروريًا في العديد من الأنظمة البيئية، بما في ذلك غابات كاليفورنيا، ولكن حرائق الغابات التي نراها اليوم تختلف عن تلك الحرائق الطبيعية، فهي تستعر بشكل أسرع وأكثر سخونة.

وقالت ديفيدسون: «من الناحية التاريخية، احترقت كاليفورنيا في الماضي أكثر من الآن، ولكن بشكل أبطأ وأقل كثافة».

وتابعت قائلة: «الآن نشهد حرائق غير عادية، مثل حريق”Camp Fire”الذي أحرق في وقت سابق حوالي 280 كيلومتر مربع في يوم واحد. لم نشهد ذلك من قبل».

إن التغير في مناخنا بسبب الغازات الدفيئة التي يطلقها الإنسان في الجو، تزيد من نافذة موسم الحرائق السنوية، لكن حرائق الغابات تشتعل بشكل أكبر وأسرع لأن أمامها الكثير من الوقود الذي تحرقه أيضًا.

ووجدت دراسة عام 2017 نشرت في مجلة Nature Climate Change أنه على سبيل المثال، قد شهدت الغابات الشمالية في كندا وألاسكا عددًا متزايدًا من حرائق الغابات منذ عام 1975، ويعود ذلك على الأرجح إلى ذوبان الثلوج في وقت سابق وإلى جفاف الوقود بسبب الاحتباس الحراري.

وقالت ديفيدسون أن هناك حربًا لمكافحة النيران على مدار المائة عام الماضية أو نحو ذلك، ومن المفارقة أن ذلك زاد من خطر الحرائق الكبيرة.

اليوم يدرك العلماء وحماة البيئة أن الحرائق عامل مهم في صحة النظم البيئية، لكن هذا لم يكن هو الحال دائمًا، منع الحرائق الصغيرة من النشوب على طول القرن تقريبًا سمح للوقود أن يتراكم، فالغابات التي كانت ذات يوم تشبه الحديقة (غابات مفتوحة مع أشجار كبيرة) أصبحت اليوم كثيفة مع أشجار أصغر وأجمات، وهذا هو الوقود المثالي للحرائق الهائلة.

ومع تكدس الوقود، اقترب البشر من المناطق البرية. فوفقًا لدراسة عام 2018 في مجلة Proceedings of the National Academy of sciences وجدت أن إنشاء مجتمعات أقل من الاستراتيجية على حافة الغابات الكثيفة قد أدى إلى تعريض المزيد من الأرواح والمنازل للخطر.

واستنادًا إلى التقييم الرابع للمناخ الوطني الذي اكتمل في الشهر الماضي، ستستمر حرائق الغابات في التفاقم مع تغير المناخ، بل وربما ستصبح مشكلة في مناطق أخرى من الولايات المتحدة وليس في كالفورنيا فقط، ولذلك تحتاج المجتمعات إلى التركيز على أن تصبح أكثر مرونة تجاه هذه الكوارث الطبيعية وذلك على حد قول كوين ديفيدسون، لكنها أضافت أنها متفائلة لأن العديد من المجتمعات تتخذ بالفعل خطوات جدية وتضع إجراءات استباقية.

وقالت: «هناك الكثير من المجتمعات التي تعمل بشكل جاد على أن تصبح قادرة على التكيف مع الحرائق وتعلم كيفية التعايش معها وتصميم مجتمعات محصنة وغير ضعيفة».


  • ترجمة: محمد رشود
  • تدقيق: أنس حاج حسن
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر