قبل عدة أشهر، بدأت أعتقد أنني أفقد صوابي. ففي كل مرة أستلقي فيها على السرير وأطفئ الأنوار، كنت أسمع صوت طنين خافت في أرجاء الشقة. كان هذا يحدث كل ليلة دون استثناء. وما إن أبدأ التركيز على مصدر الصوت، حتى أبدأ جولة تفتيش ليلية بين المقابس والأجهزة الكهربائية التي وصلتها، ومع ذلك لم تؤدِ أيّ من هذه الحملات إلى تحديد مصدر الصوت.
ما زاد من شعوري بالإحباط هو أن الصوت كان يظهر فقط ليلًا. في البداية، فسّرت ذلك بأن الطنين موجود طوال الوقت، لكن ضوضاء النهار مثل حركة المرور والأصوات المحيطة كانت تطغى عليه. استمرت هذه الظاهرة عدة أشهر، ثم توقفت فجأة، تزامنًا مع انتقال جاري من الشقة المجاورة.
لاحقًا، تبيّن أن ما كنت أسمعه هو صوت جهاز مولد الضوضاء البيضاء الذي كان جاري يستخدمه لمساعدة طفله الرضيع على النوم. كانت تجربة مزعجة ومربكة، لكنها في الوقت ذاته أثارت تساؤلًا أعمق: ما مصدر الأصوات التي تصدرها الأجهزة الكهربائية؟ فالكثيرون يعرفون تلك الأصوات، الطنين أو الهمهمة التي تأتي من مقابس بعض الأجهزة. مع أن هذه الأصوات ترتبط بالكهرباء التي تُشغِّل هذه الأجهزة، فإن ما نسمعه في الواقع ليس الكهرباء ذاتها.
الكهرباء لا تصدر صوتًا… ولكن!
الكهرباء بحد ذاتها لا تُنتج صوتًا مباشرًا. لكن قد تسبب حدوث أصوات غير مباشرة نتيجة تفاعل التيار الكهربائي مع المواد أو مكونات الأجهزة. هذا ما يؤدي إلى صدور الطنين أو الهمهمة. يعود السبب في ذلك إلى أن التيار الكهربائي المستخدم في المنازل مصدره محطات الطاقة التي تعتمد على التيار المتناوب، وهو تيار يعكس اتجاهه عشرات المرات في الثانية الواحدة، وتتغير شدته دوريًا.
عدد مرات تغير اتجاه التيار يختلف بين بلد وآخر، لكنه يتراوح غالبًا بين 50 و60 هرتز. والطنين الذي نسمعه عادةً يكون بتردد يساوي تقريبًا ضعف تردد التيار الكهربائي. في الولايات المتحدة مثلًا، حيث التردد 60 هرتز، يكون الطنين في حدود 120 هرتز، أما في أوروبا، حيث التردد 50 هرتز، فإن الطنين يكون أقرب إلى 100 هرتز.
السبب الخفي: المحولات والمغناطيسية
في معظم الحالات، يكون مصدر هذا الطنين هو العنصر المغناطيسي داخل الجهاز نفسه. حتى عندما تسمع طنينًا وأنت خارج المنزل بالقرب من خطوط الكهرباء، فإن مصدر الصوت غالبًا يكون المحولات الكهربائية. هذه المحولات مسؤولة عن تعديل مستوى التيار المتناوب، بحيث تقلل الجهد الكهربائي إلى مستوى آمن وفعّال للاستخدام المنزلي، دون أن تُحدث ضررًا للأجهزة الإلكترونية.
الظاهرة ذاتها تحدث داخل معظم الأجهزة الكهربائية، بدءًا من أجهزة التلفاز، والمحمصات، وصولًا إلى المصابيح. فعندما يمر التيار الكهربائي خلال المحوّل بمعدل 60 مرة في الثانية، تبدأ مكوناته بالاهتزاز، ما يؤدي إلى صدور الصوت الذي نسمعه.
متى يجب القلق؟
عمومًا، فإن صدور طنين خفيف من الأجهزة الكهربائية لا يدعو للقلق، بل هو أمر طبيعي في كثير من الأحيان. لكن إذا ظهر الصوت فجأة، أو أصبح عاليًا بشكل غير معتاد، أو اتخذ نغمة غريبة، فقد يكون ذلك مؤشرًا إلى وجود مشكلة خطيرة في الجهاز تستدعي الفحص.
اقرأ أيضًا:
هل يجب الحفاظ على جهاز اللابتوب موصولًا بالكهرباء دائمًا؟
بعد 2600 سنة، أخيرًا نعرف كيف تعمل الكهرباء الساكنة!
ترجمة: يوسف الشيخ
تدقيق: أكرم محيي الدين