حريق الرايخستاغ هجوم متعمد عنيف وقع في 27 فبراير 1933، أدى إلى إحراق المبنى الذي كان مقرًا للرايخستاغ، أي البرلمان الألماني، في برلين. استخدم مستشار الرايخ المعين حديثًا أدولف هتلر الحادثة ذريعةً للاستيلاء على السلطة المطلقة في ألمانيا، مدعيًا أن الحريق كان جزءًا من محاولة شيوعية للإطاحة بالحكومة، ما مهد الطريق لصعود نظامه النازي.

صعود هتلر

في أواخر عشرينيات القرن الماضي، اكتسب أدولف هتلر وحزب العمال الألماني الاشتراكي القومي -الحزب النازي- نفوذًا بسبب الاستياء الشعبي المتزايد من جمهورية فايمار الحاكمة.

وفي أوائل الثلاثينيات زادت المشكلات الاقتصادية وضع الحكومة سوءًا، إذ اضطر الرئيس بول فون هيندنبورغ لاستبدال العديد من المستشارين في غضون فترة زمنية قصيرة. وفي يناير 1933، على أمل إقامة تحالف مع الحزب النازي ضد المعارضين اليساريين، كلف هيندنبورغ هتلر بمنصب المستشار.

تحدد موعد الانتخابات في مارس، لكن النازيين قرروا تصفية خصومهم السياسيين. في 4 فبراير، أصدر مجلس الوزراء برئاسة هتلر المرسوم المؤقت لحماية الشعب الألماني، الذي قيّد الصحافة الألمانية وسمح للشرطة بحظر الاجتماعات السياسية والمسيرات.

وأمر وزير الداخلية هيرمان غورينغ بشن غارة على مقر الحزب في برلين في 42 فبراير مستهدفًا الشيوعيين تحديدًا. ومع أن السلطات لم تجد شيئًا يُذكر، فقد زعمت الكشف عن معدات تحريضية، منها منشورات تشجع على القيام بثورة مسلحة.

حريق الرايخستاغ - إحراق المبنى الذي كان مقرًا للبرلمان الألماني في برلين - المحاولات الشيوعية للإطاحة بالحكومة النازية في ألمانيا

ليلة حريق الرايخستاغ

ليلة 27 فبراير، سمع المارة صوت تكسر زجاج من الرايخستاغ، ثم اندلعت النيران في المبنى في وقت وجيز. أتت النيران على قبة المبنى المطلية بالذهب والقاعة الرئيسية، ما سبب أضرارًا قدرت بنحو مليون دولار، قبل أن يتمكن رجال الإطفاء من إخمادها.

ألقت الشرطة القبض على مارينوس فان دير لوبي في موقع الحادث، وهو عامل هولندي عمره 24 عامًا، عاطل عن العمل ومتعاطف مع الشيوعيين. قيل إن فان دير لوبي اعترف بإشعال الحريق لتحريض انتفاضة العمال ضد الدولة الألمانية.

حوكم لاحقًا في لايبزيغ، إضافةً إلى ثلاثة من الشيوعيين البلغاريين وأحد قادة الشيوعيين الألمان. لكن صدر الحكم بإدانة فان دير لوبي وحده، وأعدم في يناير 1934.

نتائج الحريق

بعد ساعات قليلة من الحريق، ومع تزايد الدعاية النازية التي تحذر من قيام ثورة شيوعية، أقنع هتلر الرئيس هيندنبورغ بالاستناد إلى المادة 48 من دستور فايمار، التي تمنح الرئيس سلطات مطلقة، وتسمح له بسن قوانين لجميع الولايات الإقليمية لألمانيا.

ثم أصدر هتلر مرسومًا أكثر استدامة وتوسعًا لحماية الشعب والدولة، عُرف باسم مرسوم حريق الرايخستاغ، الذي عطل الحق في التجمع وحرية الصحافة وغير ذلك من أشكال الحماية الدستورية داخل ألمانيا.

ألغى المرسوم جميع القيود المفروضة على تحقيقات الشرطة، ما سمح للنازيين باعتقال خصومهم السياسيين دون تمييز. في تلك الليلة، اعتقلت الشرطة نحو 4000 شخص، تعرض العديد منهم للتعذيب والسجن.

عزز هذا الرد السريع القاسي على حريق الرايخستاغ صورة هتلر بوصفه منقذ ألمانيا القوي من البلشفية المخيفة.

وفي 23 مارس، أقر البرلمان قانون التمكين الذي منح هتلر صلاحيات مطلقة. مع أن هذا الاجتماع كان من المفترض أن يشهد تحالف الاشتراكية القومية مع هيندنبورغ والمؤسسة الألمانية، فقد أدى إلى تسليم السلطة للنازيين أساسًا.

وبحلول نهاية العام، لم تعد جميع الأحزاب السياسية -غير النازية- والنقابات العمالية وغيرها من المنظمات موجودة. وبعد وفاة هنيدنبورغ سنة 1934، أقر الجيش قرار هتلر بالجمع بين منصبي الرئيس والمستشار، ليدعم سلطته المطلقة في ألمانيا.

من أشعل النار في الرايخستاغ؟

ظلت هذه المسألة محل جدل ونقاش دائم حتى اليوم.

حتى في ذلك الوقت، عارض العديد من المراقبين مزاعم النازيين بأن الحريق كان مؤامرة شيوعية. افترض بعض الدبلوماسيين والصحفيين الأجانب والليبراليين داخل ألمانيا أن النازيين أشعلوا النار بأنفسهم ليتخذوا ذلك ذريعةً للاستيلاء على السلطة المطلقة.

وقاد الشيوعي الألماني ويلي ميونزينبرغ تحقيقًا أنتج «الكتاب البني حول حريق الرايخستاغ وإرهاب هتلر». وهو الكتاب الأكثر مبيعًا في سنة 1933 ونُشر في باريس، ويُشير إلى أن فان دير لوبي كان بيدقًا نازيًا.

مع هذا يفترض أكثر المؤرخين أن فان دير لوبي هو المسؤول الوحيد عن الحريق، استنادًا إلى اعترافه. لكن ظل الجدل قائمًا، ففي كتابه الصادر سنة 2013 بعنوان حرق الرايخستاغ، زعم المؤرخ بنيامين هيت أن الأدلة تثبت أن الهولندي لم يكن يعمل بمفرده، نظرًا إلى ضخامة الحريق والوقت الذي قضاه داخل مبنى الرايخستاغ.

لم تظهر العديد من الوثائق السرية إلا بعد انتهاء الحرب الباردة، وجادل هيت بأن النازيين الذين تحدثوا إلى مؤرخي ما بعد الحرب بشأن الحريق قد أخفوا مدى تورط الحزب النازي.

حريق الرايخستاغ استعارةً

قد لا يهم من بدأ حريق الرايخستاغ، لكن تبرز أهميته الواضحة في مساعدة هتلر وصعود الحزب النازي إلى السلطة المطلقة في ألمانيا. في الواقع، أصبحت عبارة حريق الرايخستاغ استعارة قوية في سياسات العصر الحديث. إذ يستخدمها السياسيون والخبراء لوصف أزمة يفتعلها السياسي أو الحكومة لزرع الخوف في نفوس الناس بهدف الحصول على المزيد من السلطات أو تحقيق غايات سياسية.

اقرأ أيضا:

جمهورية فايمار

كل ما تود معرفته عن جدار برلين

ترجمة: مها ديماسي

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: تسنيم المنجد

المصدر