لا يؤثر اكتئاب ما بعد الولادة في الأمهات فقط، إذ قد يعاني الآباء معدلات اكتئاب مماثلة بعد ولادة أطفالهم، مع أن البحث والوعي حول هذه المسألة لا يزال في بدايته.

تشير دراسة جديدة في علم النفس بين الآباء ذوي الدخل المنخفض من خلفيات عرقية مختلفة إلى أن الآباء الأكثر مشاركة في العام الأول من حياة أطفالهم يظهرون نتائج صحة عقلية أفضل عمومًا.

إن الآباء الذين كانوا أكثر ثقةً في قدراتهم الأبوية، وأمضوا وقتًا أطول مع أطفالهم حديثي الولادة وقدموا المزيد من الدعم المادي، مثل الحفاضات والألعاب والملابس والطعام، قد أظهروا أعراض اكتئاب أقل بعد عام.

ظل هذا صحيحًا حتى بعد أخذ التركيبات السكانية المختلفة في الحسبان، مثل العمر والعرق والتعليم والوضع الوظيفي، وهل الوالدان يعيشان معًا أو متزوجان أم لا.

صرح عالم النفس أولاجيد باميشيغبين من جامعة كاليفورنيا: «إن الآباء مهمون في الأسرة، مع ذلك لم يُدرسوا كفاية في مجالنا، لا سيما الآباء من الأقليات العرقية».

نصيحة إلى الأب: اعتن بمولودك الجديد لتتمتع بصحة نفسية أفضل! - الآباء الأكثر مشاركة في العام الأول من حياة أطفالهم لديهم صحة عقلية أفضل

وفقًا للباحثين، فهذا هو أول بحث يقيّم علاقة الأبوة بأعراض الاكتئاب بمرور الوقت في هذه المجموعة التي لم تُدرس سابقًا، ومع أن النتائج قد لا تصمد في الأوساط الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية الأخرى، فإن حجم العينة كبير نسبيًا وقد يسمح بتعميم النتائج.

تتطابق النتائج إلى حد بعيد مع الأدبيات الأخرى عن هذا الموضوع، ما يشير إلى أنه عندما يكون الآباء أكثر مشاركةً في تربية أطفالهم، يستفيد الطفل وكلا الوالدين.

شملت الدراسة 881 أبًا من خمس مناطق في الولايات المتحدة، قوبلوا للمرة الأولى بعد شهر واحد من ولادة طفلهم، ومرة أخرى بعد ستة أشهر، ثم بعد سنة.

في كل مرحلة، طُلِب من الآباء ملء مقياس لاكتئاب ما بعد الولادة، مع الكشف عن مدى شعورهم بالثقة بوصفهم آباء، وعدد المرات التي قدموا فيها الدعم المادي، والوقت الذي شاركوه مع أطفالهم، سواء بمفردهم أو مع آخرين.

تشير النتائج إلى أن مشاركة الأب مؤشر مهم لصحته العقلية مع التحول إلى الأبوة، مع أن عددًا كبيرًا ممن شملتهم المقابلة لم يكونوا متزوجين ولم يعيشوا مع أم طفلهم.

صرح باميشيغبين: «أرى نتيجتين أساسيتين. أولًا، التعامل مع طفلك ليس أفضل للطفل فقط، بل للأب أيضًا. لذا، انخرطوا أيها الآباء مع أطفالكم مبكرًا وكثيرًا! ثانيًا، من المهم أن يفهم الجميع أن الاكتئاب الأبوي قضية خطيرة تتطلب الاهتمام. إنه يؤثر في الآباء ومن ثم في الأسرة بأكملها، لذا يجب أن نأخذ الأمر بجدية».

نحتاج إلى مزيد من البحث لفهم هذا الارتباط، مع ذلك طرح الباحثون بعض التفسيرات. أظهرت الدراسات السابقة أن زيادة ثقة الأب بنفسه بشأن قدرته على الأبوة ترتبط بارتياح أكبر، ما يرتبط بأعراض اكتئاب أقل.

تؤدي الفكرة الثقافية والجندرية للأب بوصفه مسؤولًا عن الأسرة دورًا في شعور الآباء بالرضى تجاه أنفسهم عندما يستطيعون منح أطفالهم الأساسيات التي يحتاجون إليها للنمو.

أشار الباحثون: «قد يكون الآباء الذين يشعرون بالكفاءة أكثر رضى عن أدوارهم، ومن ثم يكون لديهم أعراض اكتئاب أقل». إذا كان هذا صحيحًا، فإن ضمان استعداد الآباء للأبوة أمر أساسي لصحتهم وصحة أطفالهم.

يقر الباحثون بوجود صفوف وبرامج تعليم الأبوة للآباء، لكن مثل هذه الفرص قد لا تكون متاحة لمن ينتمون إلى خلفيات عرقية أو اجتماعية أو اقتصادية مختلفة.

تظهر لنا الدراسة الارتباطات فقط، ويتطلب الأمر المزيد من البحث لتحليل الروابط المعقدة بين الثقة بوصفك والدًا والوقت الذي تقضيه مع أطفالك وصحتك العقلية. فمثلًا قد يكون الآباء الأقل اكتئابًا عمومًا هم ببساطة أكثر عرضةً للشعور بالثقة بوصفهم آباء.

لم يُفحَص المشاركون فيما يتعلق بتاريخ الاكتئاب أو صحتهم العقلية خلال فترة الحمل، ما يعني احتمال أن بعض الآباء كانوا مكتئبين بالفعل قبل ولادة طفلهم، ما يؤدي إلى اندماج أقل في حياتهم.

مع ذلك، فمن المثير للاهتمام أن الدراسات تظهر ارتباط أعراض الاكتئاب المنخفضة بالتغيرات في الهرمونات مثل الأوكسيتوسين، إذ يزداد هذا الهرمون لدى الآباء عندما يتفاعلون إيجابيًا مع أطفالهم.

لم يدرس البحث الحالي كيفية علاقة الأب بطفله، لكن ربما يمثل قضاء وقت أطول مع الأطفال حمايةً من أعراض الاكتئاب المستقبلية، نتيجةً لتغيرات في الهرمونات أو الوظائف العصبية.

إذا كان هذا صحيحًا، فمن الضروري أن تجد سياسات الصحة العامة طريقة للآباء لقضاء المزيد من الوقت مع أطفالهم، خاصةً أن هذا قد يؤثر في أطفالهم وفي الصحة العقلية للأمهات.

في الحقيقة، تكشف الأبحاث التي أُجريت على الآباء في البلدان التي تمنح إجازة مدفوعة الأجر للآباء أنهم يقضون وقتًا أطول بكثير مع أطفالهم، حتى بعد انتهاء الإجازة.

استنتج الباحثون: «تشير هذه الدراسة إلى أن العوامل المرتبطة بالاكتئاب يمكن معالجتها بزيادة مهارات الأبوة، وتحسين طرق قضاء الآباء الوقت مع أطفالهم، وكذلك تمكين الآباء من تقديم الدعم المادي لأطفالهم. ويجب على الباحثين المستقبليين التفكير في تصميم التداخلات واختبارها لتقييم تأثير إجازة الأبوة المدفوعة وزيادة مهارات الكفاءة الأبوية في الاكتئاب الأبوي لدى مجموعات سكانية متنوعة عرقيًا».

اقرأ أيضًا:

كيف يؤثر المولود الجديد على خلايا أبيه الدماغية؟

جيل الألفية: مشاكل العمل والزواج والصحة النفسية

ترجمة: وائل المشنتف

تدقيق: لبنى حمزة

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر