إذا سبق لك مشاهدة فيلم لورانس العرب، وهو فيلم سينمائي من إنتاج هوليوود صدر عام 1962 يحكي قصة حياة ملازم بريطاني، فقد تستحضر المشاهد التي يسافر فيها بطل القصة لأيام عبر الصحاري الواسعة، ولا يعلم إذا كان سيصل لوجهته أم أنه سيضل طريقه في تلك الصحاري التي تبدو بلا نهاية. خلال رحلاته عبر مساحات شاسعة من الصحراء القاحلة، غالبًا ما كان يستريح ليلاً مغطًى ببطانية تحت السماء المضاءة بالنجوم. بينما كنت أشاهد هذا المشهد في الفيلم، لم يسعني إلا أن أتساءل: لماذا يحمل معه بطانية؟ ألا يفترض أن تكون الصحاري شديدة الحرارة ؟

في الوقت الذي تشتهر فيه الصحاري بشدة حرارتها نهارًا، لا يدرك الكثير من الناس بأنها تصبح على نحو غير متوقع، شديدة البرودة ليلًا. لكن لماذا يحدث هذا؟

الرمال تُسخِن الهواء المار فوقها

الرمال مادة مثيرة للاهتمام، جافة ولكن زلقة، وجزيئاتها أكبر من جزيئات أنواع التربة الأخرى، وهذا هو السبب الأول في كونها لا تمتص الماء جيدًا.

لا تمتص الرمال الحرارة جيدًا أيضًا، ما يجعل الصحراء ساخنة للغاية خلال النهار.

عندما تُسخِن الشمس الرمال في الصحاري، فإن الرمال لا تمتص الحرارة. بل بدلًا من ذلك تتصرف وكأنها مرآة تعكس الإشعاع وتُسَّخن الهواء فوقها.

أما أنواع التضاريس الأخرى (مثل الغابات والشواطئ والسهول والجبال) ليست حارة مثل الصحاري لأنها لا تشع كل حرارتها في الهواء فوق سطحها، في حين أن الصحاري تفعل ذلك.

إذن، الآن فهمنا سبب ارتفاع درجات الحرارة في الصحاري خلال النهار، لكن ماذا عن الظروف الباردة فيها ليلًا؟

هواء الصحراء والرطوبة

كما تعلمون، لدى الماء قابلية جيدة جدًا لامتصاص الحرارة والاحتفاظ بها.

عندما تُسخِن الشمس الأرض في التضاريس الاعتيادية، تمتص الأرض الكثير من الحرارة.

وفي الليل عندما تختفي الشمس، تمتص جزيئات الماء الموجودة في الهواء المار فوق هذه التضاريس (لأن هواء هذه التضاريس عادة يكون رطبًا) الحرارة المشعة من الأرض بعد انعكاسها عنها.

لكن الموضوع يختلف تمامًا عندما يتعلق الأمر بالصحراء، فعندما تغيب الشمس وتخسر الأرض حرارتها بفعل الإشعاع، لا يتمكن الهواء فوق هذا النوع من الأراضي من الاحتفاظ بهذه الحرارة لافتقاده الرطوبة.

لهذا السبب تزول تلك الحرارة بسرعة في الصحاري مسببة انخفاض درجات الحرارة بشدة خلال الليل.

إضافةً إلى أن الصحاري لا تمتلك غطاءً سحابيًا، ما يجعل عملية الاحتفاظ بحرارة الأرض أكثر صعوبة، لذلك تزول حرارة الأرض ليلًا تاركة خلفها بردًا قارسًا.

لا تبرد كل الصحاري ليلًا

يتعلق انخفاض درجات الحرارة في الصحاري ليلًا بالرطوبة والغيوم وحتى الرياح، لكن على عكس الاعتقاد الشائع، لا تفتقر كل الصحاري للرطوبة.

إذ إن انخفاض الرطوبة في هواء الصحاري لا يعد أمرًا مسلمًا به.

إذ تعد الأماكن مثل الكويت والإمارات العربية المتحدة أكثر رطوبة من الصحاري الأخرى (بعض أجزاء الصحراء الكبرى على سبيل المثال).

لذلك، لا تبرد هذه الصحاري ليلًا لأن هواءها الرطب يحتفظ ببعض الحرارة التي تشعها الأرض.

ليست كل الصحاري ساخنة

عندما تفكر في كلمة (صحراء)، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن غالبًا هو الأرض الواسعة الممتدة المغطاة بالرمال، ولكن ماذا لو أخبرتك أن المكان في الصورة أدناه يعد صحراء أيضًا؟

مع أن البطاريق لا تمت بصلة للصحراء، فالمكان أعلاه يمثل صحراء القطب الشمالي.

إذ إن قلة هطول الأمطار أو غيرها من أشكال التساقط (مثل الثلج والصقيع) هو ما يميز الصحراء. لذلك، من خلال هذا التعريف فإن القارة القطبية الجنوبية، المغطاة بالجليد ودرجات الحرارة الدنيا فيها أقل من -75 درجة مئوية، هي من الناحية الفنية صحراء. إذ تتساقط فيها ثلوج وأمطار قليلة جدًا على مدار العام، ما يجعلها واحدة من أكبر الصحاري وأكثرها جفافًا على هذا الكوكب.

فإذا كنت تخطط للتخييم في الصحراء، ابحث مسبقًا فيما يتعلق بملف الطقس في المنطقة، فأنت لا تريد أن تحزم أمتعتك وتحمل بطانية دافئة، فقط لتدرك أن الصحراء التي تخيم فيها لا تبرد في الليل.

اقرأ أيضًا:

الصحراء الكبرى: أكبر صحراء حارة على وجه الأرض، الجغرافيا، المناخ، والتنوع الحيوي فيها

علماء يبتكرون جهازًا يمكنه إنتاج الماء من هواء الصحراء

ترجمة: رياض شهاب

تدقيق: مازن النفوري

مراجعة: تسنيم المنجد

المصدر