قد يكون للدقة تكلفة! فما ثمن الساعات الدقيقة؟ الإنتروبيا.. وفقًا لدراسة جديدة. تنشأ الإنتروبيا -الاضطراب- في كل مرة تدق فيها الساعة. أثبت العلماء بواسطة ساعات دقيقة وجود علاقة بسيطة: كلما زادت دقة الساعة، يزداد الاضطراب المتولد. قالت المؤلفة المشاركة في الدراسة، عالمة الفيزياء في جامعة أوكسفورد ناتاليا آريس: «إذا أردت أن تعمل ساعتك بدقة أكبر، عليك دفع ثمن ذلك. في كل مرة نقيس الوقت، نزيد اضطراب الكون».

ينص القانون الثاني للديناميكا الحرارية على أن الإنتروبيا -اضطراب النظام- تزداد مع تقدم الزمن. إذ تُعرف الإنتروبيا بأنها «سهم الوقت»، وهي واحدة من الكميات الفيزيائية القليلة التي تحدد اتجاه الوقت، من الماضي حين يكون الاضطراب ضعيفًا، إلى المستقبل حين يزداد الاضطراب.

يفسر هذا الميل للاضطراب عدة أمور في الكون ، مثل لماذا خلط المكونات معًا أسهل من فصلها، أو لماذا تتشابك أسلاك سماعات الرأس معًا بطريقة معقدة في جيوبنا.

ترتبط الإنتروبيا ارتباطًا وثيقًا بإحساسنا بالزمن، ويوضح مقطع شهير في رواية «سلوترهاوس فايف» لكورت فونيغوت، كيف تغير الإنتروبيا اتجاه الوقت، فتجري الحرب العالمية الثانية في الاتجاه المعاكس، إذ تخرج طلقات الرصاص من الجرحى وتنكمش الانفجارات وتتجمع القذائف في صفوف مرتبة، فيُبطل سهم الزمن المعكوس الفوضى والدمار الناتجين من الحرب.

الساعات الأدق ربما تضيف المزيد من الفوضى (الإنتروبيا) - ما أهمية الساعات الكمية - الساعات الأدق في الكون - كيف يزيد اضطراب الكون في كل مرة نقيس الوقت؟

أدهشت هذه الصلة الوثيقة بين الزمن والإنتروبيا العلماء لعقود.

تنتج الآلات -مثل الساعات- الإنتروبيا في صورة حرارة تنتشر في الوسط المحيط بها. تمكن العلماء من إثبات أن ساعة كمية صغيرة -نوع من الساعات الذرية تستخدم ذرات مبردة بالليزر تقفز على فترات منتظمة للغاية- تخلق المزيد من الفوضى كلما زادت دقة قياس الوقت، لكن حتى الآن كان من الصعب جدًا إثبات أن الساعات الأكبر والأعقد ميكانيكيًا تخلق المزيد من الإنتروبيا كلما كانت أدق، وإن بدت الفكرة مقبولة نظريًا.

قالت آريس: «تشبه الساعات بطريقة ما المحركات البخارية، إذ يجب أن تعمل من أجل قياس الوقت، ويتمثل العمل في نقل الطاقة اللازمة لجعل الأجهزة الميكانيكية تعمل، أي إن عليك تشغيل الآلة للحصول على دقات الساعة المنتظمة، ما يعني أنك تستثمر في إنتاج الإنتروبيا».

لاختبار الفكرة، صمم الباحثون ساعة مبسطة مكونة من غشاء بثخانة 50 نانومتر وطول 1.5 ملليمتر، بين عمودين صغيرين، يهتزان بنبضات كهربائية. بواسطة عد كل انحراف صعودًا أو نزولًا مثل دقات الساعة، أظهر الفريق أن الإشارات الكهربية الأقوى تجعل دقات الساعة أكثر انتظامًا ودقة، لكن على حساب إضافة المزيد من الحرارة، ومن ثم المزيد من الإنتروبيا، إلى النظام.

ملاحظة وجود علاقة بين الإنتروبيا والدقة في جهاز أكبر بكثير من الساعة الكمية أعطت الباحثين الثقة في أن نتائجهم التي توصلوا إليها قد تكون شاملة. إذا لم تنتج الساعات أي إنتروبيا فقد تسير للوراء كما تفعل للأمام، وكلما زاد توليد الإنتروبيا، تزيد حمايتها من التقلبات المتقطعة والعكسية.

قالت آريس: «لسنا متيقنين حتى الآن، لكن ما وجدناه سواء في ساعاتنا أو الساعات الكمية هو وجود علاقة تناسب بين الدقة والإنتروبيا، ربما لا تكون دائمًا علاقة خطية في الساعات الأخرى، لكن يبدو أن الدقة محددة بقوانين الديناميكا الحرارية».

إضافةً إلى كونها مفيدة في تصميم الساعات وأجهزة أخرى في المستقبل، ينظر الباحثون إلى نتائجهم كحجر أساس لمزيد من البحث عن كيفية تطبيق قوانين الديناميكا الحرارية واسعة النطاق على الأجهزة النانوية الصغيرة.

«توصلنا إلى مستوى عال من التحكم في هذه الأجهزة الصغيرة جدًا، ويمكن قياسها بدقة كبيرة، حتى أننا نعيد اكتشاف الديناميكا الحرارية على نطاق جديد تمامًا، إنها مثل ثورة صناعية على نطاق النانو».

اقرأ أيضًا:

الحياة فوضوية: ما هي الانتروبيا ( مقياس الفوضى ) ؟

الإنتروبيا – ما هو التعريف العلمي للإنتروبيا؟

ترجمة: حلا بوبو

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر