يعتبر العديد أن وجود ثقب أسود عملاق في مركز مجرتنا أمرًا مؤكدًا، لكننا لا نستطيع الذهاب إلى هناك والتأكد من ذلك يقينًا. لذا، يتساءل البعض عن إمكانية وجود شيءٍ آخر في تلك النقطة.

استنتج العلماء وجود الثقب الأسود العملاق (Sagittarius A) بسبب تأثير الجاذبية الذي يفرضه الأخير في الأجرام حوله، إذ تدور النجوم جميعها في مدارٍ ثابت حول مركز المجرة. ولكن، ماذا لو كنا مخطئين بشأن وجوده؟

تقترح دراسةٌ حديثة وجود نواة أو مركز للمادة المظلمة بدلًا من ثقب أسود، إذ يفسر هذا الاقتراح العديد من تحركات النجوم، خاصةً تلك التي تقع على الأطراف، حول المركز المجري.

تنبع هذه النظرية من التحرك المريب للنجم (S2). يمر الأخير في دورته السادسة عشرة حول المركز المجري. والجدير بالذكر أن هذه الدورة قد ساعدت العديد من العلماء في اختبار وتأكيد نظرية النسبية العامة للفيزيائي آينشتاين.

أكدت دراسة سابقة أن نظرية النسبية العامة تعمل في الزمكان للمركز المجري إضافةً إلى عملها في ثقب أسود عملاق تصل كتلته إلى 4 ملايين ضعف كتلة الشمس.

وفي دراسةٍ أخرى على جرمٍ يسمى (G2)، رُصِد مساره البيضاوي، واستنادًا إلى البيانات، تبين أن (G2) تحرك بطريقةٍ تخالف التوقعات عند اقترابه من نقطة الحضيض (النقطة الأقرب لمركز المجرة) عام 2014، إذ تمدد الجرم عند هذه النقطة ثم عاد إلى شكله وحجمه الطبيعيين بعد عبوره.

إضافةً إلى التمدد الغريب الذي قام به الجرم (G2)، فيبدو أنه يتعرض لقوة شدٍ ما بعد عبوره من نقطة الحضيض المجري. ووفقًا لفريق الباحثين بقيادة إدوار أنطونيو بيكيرا فيرغارا، فإن هذا التحرك وهذا الشد لا يتوافق مع نظرية وجود ثقب أسود في مركز مجرتنا.

تبعًا لذلك، أثبت الباحثون أن تحركات الجرمين (S2) و(G2) تتوافقان مع نظريةٍ أخرى تقترح وجود فرميونات المادة المظلمة التي تسمى بالداركيونات (Darkninos) في قلب المجرة. تقترح النظرية وجود هذه الجسيمات التي تتميز بكتلةٍ خفيفةٍ نسبيًا ما يساهم في عدم تكون ثقبٍ أسود عملاق.

وسيسمح ذلك لها بالبقاء بنفس الضخامة والكثافة في مركز مجرتنا، محاطة بالضباب المنتشر حتى حوافها وامتداد المجرة كذلك.

ومع وجود العديد من الأجرام التي تتخذ مسارًا حول المركز المجري، رصد الباحثون وراقبوا ما يزيد عن 17 جرمًا تتميز بخاصيات مختلفة. سميت هذه الأجرام (S-Stars)، إذ كانت نتائج وبيانات مراقبتها صادمة.

توافقت البيانات والتحليلات التي أُجريت مع نظرية وجود كميةٍ كثيفة من المادة المظلمة في قلب المجرة، حيث تضمحل هذه المادة على الأطراف وتقل نسبتها.

تعد المادة المظلمة كتلةً غامضة في الكون مسؤولةً عن التأثيرات الجاذبية المختلفة التي لا يمكن معرفة مصدرها، إذ يمكننا رصد هذه الآثار ولكن لا يمكن معرفة أصلها وسببها. هذه المادة هي إحدى الأسرار الغامضة في كوننا.

مثلًا: تدور المجرات بسرعةٍ عالية للغاية مقارنةً بالكتلة الموجودة فيها، لذا، لابد من وجود كتلة إضافية في هذه المجرات تساهم في زيادة سرعتها.

إضافةً لذلك، تعد عدسة الجاذبية، وهي ظاهرة في علم الفلك تعني انحناء الزمكان حول الأجرام الضخمة، أعلى مما يجب أن تكون عليه، ما يفرض أيضًا وجود كتلة إضافية في الكون.

ومهما كانت طبيعة هذه الكتلة الغامضة، فإننا لم نتمكن بعد من رصدها مباشرةً. ويكتفي العلماء حاليًا بدراسة تأثير المادة المظلمة في الأجرام من حولها. ويرى العديد تشابهًا بين تأثير هذه المادة وتأثير مركز المجرة، ما يرجح صحة نظرية إدوار وفريقه.

بعكس هذه النظرية التي تتوافق مع مجرة درب التبانة، تبدو نظرية الثقب الأسود أكثر توافقًا مع مجرة (M87) إذ يقترح العلماء وجود ثقبٍ أسود عملاق تتوافق البيانات مع تأثيراته.

يقترح العلماء نشوء ثقبٍ أسود في حال ازدادت كتلة تجمع المادة المظلمة. وقد تساعد هذه الأطروحة في تفسير عملية نشوء الثقوب السوداء الأولى وتحديد زمان نشأتها وازدياد حجمها غير المنطقي، إذ ما يزال العلماء في حيرةٍ حول هذه الأجرام ومميزاتها.

ختامًا، فإن ما يعادل 80% من المادة في الكون تعتبر مادةً مظلمة، لكن عدم وجود أعداد كبيرة من الثقوب السوداء تعادل هذه النسبة يجعل هذه إحدى معضلات كوننا. من جهةٍ أخرى، يؤكد إدوار وفريقه أن هناك عدة أطروحاتٍ إلى جانب المادة المظلمة تفسر وجود الثقوب السوداء.

ستساهم الدراسات المستقبلية بالتأكيد في الاقتراب من توافقٍ أو اختلافٍ مع بيانات الفريق. وفي كلتا الحالتين، سنقترب أكثر من حل هذه المعضلة الكونية.

اقرأ أيضًا:

استمرار البحث عن الثقوب السوداء البدائية لحل مشكلة المادة المظلمة

19 مجرة تخلو من المادة المظلمة.. والسبب غير معروف

ترجمة: محمد علي مسلماني

تدقيق: باسل حميدي

المصدر