شهدت ثورة العصر الحجري الحديث -التي تُسمّى أيضًا الثورة الزراعية- تحولًا في تاريخ البشرية من مجموعات بدوية صغيرة من الصيادين وجامعي الثمار إلى مستوطنات زراعية أكبر وحضارة مبكرة.

بدأت ثورة العصر الحجري الحديث نحو عام 10000 قبل الميلاد في منطقة الهلال الخصيب، وهي منطقة في الشرق الأوسط على شكل هلال حيث بدأ الناس بالزراعة لأول مرة. ثم بدأ البشر بعد فترة قصيرة في العصر الحجري في مناطق أخرى بممارسة الزراعة.

نشأت الحضارات والمدن من ابتكارات ثورة العصر الحجري الحديث.

استخدمت شعوب هذا العصر أدوات حجرية مثل أسلافها السابقين الذين عاشوا حياة هامشية في مجموعات صغيرة من الصيادين وجامعي الثمار خلال العصر الجليدي المتأخر.

صاغ عالم الآثار الأسترالي في غوردن تشايلد مصطلح ثورة العصر الحجري الحديث عام 1935 لوصف فترة التغير المهمة والجذرية التي بدأ فيها البشر بزراعة النباتات وتربية الحيوانات من أجل الطعام وتشكيل مستوطنات دائمة.

أدى ظهور الزراعة إلى فصل شعوب العصر الحجري الحديث عن أسلافهم من العصر الحجري القديم.

يمكن تتبع العديد من جوانب الحضارة الحديثة إلى هذه اللحظة من التاريخ عندما بدأ الناس يعيشون معًا في مجتمعات.

أسباب ثورة العصر الحجري الحديث:

لم يكن هناك عامل واحد جعل البشر يبدأون بالزراعة منذ 12000 سنة، بل تنوعت أسباب ثورة العصر الحجري الحديث من منطقة إلى أخرى.

ازدادت حرارة الأرض منذ 14000 سنة في نهاية العصر الجليدي المتأخر. يعتقد بعض العلماء أن التغيرات المناخية أدت إلى الثورة الزراعية.

بدأ القمح البري والشعير في النمو عندما ازدادت حرارة الطقس في منطقة الهلال الخصيب التي تُحَد بالبحر المتوسط من الغرب وبالخليج العربي من الشرق.

بدأت شعوب ما قبل العصر الحجري الحديث الذين يدعون النطوفيّين، ببناء منازل دائمة في المنطقة.

يقترح علماء آخرون أن التقدم الفكري في الدماغ البشري جعل البشر يستقرون في مكان واحد.

اكتُشفت تحف دينية وصور فنية -مؤسسي الحضارة الإنسانية- في مستوطنات العصر الحجري الحديث الأولى.

بدأ العصر الحجري الحديث عندما تخلت بعض الجماعات البشرية بالكامل عن حياة الصيد وجمع الثمار لتبدأ بالزراعة.

ربما احتاج البشر مئات أو حتى آلاف السنين للانتقال من حياة الاعتماد على النباتات البرية إلى الحفاظ على حدائق صغيرة، ولاحقًا رعاية حقول محاصيل كبيرة.

الثورة الزراعية التي حصلت نحو 10 آلاف عام سابقًا في منطقة الهلال الخصيب حيث بدأ الناس بالزراعة لأول مرة - ثورة العصر الحجري الحديث

البشر في العصر الحجري الحديث:

يُعد موقع «تشاتال هويوك» الأثري في جنوب تركيا واحدًا من أفضل مستوطنات العصر الحجري الحديث المحفوظة على وضعها.

أعطت دراسة موقع «تشاتال هويوك» الباحثين فهمًا أفضل للانتقال الذي حصل من حياة الصيد وجمع الثمار إلى حياة الزراعة.

اكتشف العلماء أكثر من اثني عشر مسكنًا مبنيًا من الطين في موقع «تشاتال هويوك» الذي يبلغ عمره 9500 سنة، وقدر العلماء أن 8000 شخص سكنوا في هذا الموقع في نفس الوقت، وكانت المنازل متلاصقة بجانب بعضها، ما جعل الناس يدخلون إلى المنازل من فتحة في السقف.

يبدو أن سكان الموقع قدّروا الفن والقيم الروحية، فقد دفنوا أمواتهم تحت أرضية منازلهم، وغطوا جدران منازلهم بجداريات لرجال يصطادون وقطعان من الماشية وآلهة إناث.

تأتي بعض الدلائل على الزراعة من موقع تل أبي هريرة الأثري، وهو قرية صغيرة بجانب نهر الفرات في سورية، سُكِنت منذ 11500 إلى 7500 قبل الميلاد.

اصطاد سكان تل أبي هريرة بدايةً الغزلان وحيوانات أخرى. بدأوا بحصاد الحبوب البرية نحو عام 9500 قبل الميلاد، ووُجدت عدة أدوات حجرية كبيرة لطحن الحبوب في الموقع الأثري.

الاختراعات الزراعية:

تدجين النباتات:

التدجين هو عملية يختار فيها المزارعون الصفات المرغوبة من خلال تربية أجيال متعاقبة من النباتات أو الحيوانات. بعد مرور الوقت سوف تصبح الأصناف المدجنة مختلفة عن أقربائها البرية.

كانت الحبوب مثل القمح ثنائي الحبة والقمح أحادي الحبة والشعير من بين المحاصيل الأولى التي دجنتها مجتمعات العصر الحجري الحديث الزراعية في الهلال الخصيب. ودجن هؤلاء المزارعون أيضًا العدس والحمص والبازلاء والكتان.

اختار مزارعو العصر الحجري الحديث المحاصيل التي تُحصد بسهولة. على سبيل المثال، تسقط حبوب القمح البري على الأرض عندما تنضح وتتحطم، فأنتج البشر الأوائل عن طريق التدجين القمح الذي يبقى على الساق من أجل سهولة الحصاد.

في نفس الوقت الذي بدأ فيه المزارعون بزراعة القمح في الهلال الخصيب، بدأ البشر في آسيا بزراعة الأرز والذرة البيضاء.

اكتشف علماء الآثار حقول أرز من العصر الحجري في مستنقعات صينية تعود إلى 7700 عام على الأقل.

بدأت زراعة القرع في المكسيك منذ 10000 سنة، بينما ظهرت محاصيل تشبه الذرة قبل 3000 عام.

تدجين الماشية:

دُجنت المواشي الأولى من الحيوانات التي اصطادها إنسان العصر الحجري الحديث من أجل لحمها. على سبيل المثال وُلدت الخنازير المدجنة من الخنازير البرية بينما جاء الماعز من الوعل الفارسي.

سهلت الحيوانات المدجنة أعمال الزراعة الجسدية المجهدة وأضاف لحمها وحليبها تنوعًا إلى النظام الغذائي البشري.

حملت هذه الحيوانات أمراضًا معدية مثل الجدري والإنفلونزا والحصبة وانتشرت هذه الأمراض بين البشر بعدما انتقلت إليهم من الحيوانات.

ضمت حيوانات المزارع الأغنام والبقر، نشأت هذه الحيوانات في بلاد ما بين النهرين بين 10000 و13000 سنة مضت.

دُجن جاموس الماء وثور التبت بعد ذلك بفترة قصيرة في الهند والصين والتبت.

ظهرت حيوانات الجر مثل الثيران والحمير والجمال بعد ذلك بكثير، قرابة عام 4000 قبل الميلاد عندما طور البشر طرق التجارة من أجل نقل البضائع.

آثار ثورة العصر الحجري الحديث:

أدت ثورة العصر الحجري الحديث إلى قيام جماعات بشرية بإنشاء مستوطنات دائمة قائمة على الزراعة.

مهدت ثورة العصر الحجري الحديث الطريق أمام ابتكارات العصر البرونزي والحديدي اللاحقين، عندما اجتاح العالم التقدم في صناعة أدوات الزراعة والحروب والفن، وجمعت الحضارات مع بعضها من خلال التجارة والغزو.

اقرأ أيضًا:

متحف اللوفر: تاريخ موجز

تاريخ القنبلة الذرية

ترجمة: بديع عيسى

تدقيق: عبد الرحمن داده

المصدر