اقترب العلماء من الإنترنت الكمومي بواسطة إنشاء أول شبكة كمومية متعددة العقد في العالم، إذ نجح باحثون في مركز أبحاث كيوتك في هولندا بإنشاء نظام يتكون من ثلاث عقد كمومية متشابكة وفق القوانين الغريبة لميكانيكا الكم التي تحكم الجسيمات دون الذرية. وهي المرة الأولى التي يُربط فيها بين أكثر من بتين كموميين (أو كيوبت الذي يقوم بالحسابات في الحوسبة الكمومية) معًا بوصفها عُقدًا للشبكة.

يتوقع الباحثون أن تفتح الشبكات الكمومية الأولى الباب أمام كثير من تطبيقات الحوسبة التي لا يمكن أن تقوم بها الأجهزة الكلاسيكية الحالية مثل الحوسبة السريعة والتشفير المحسن.

قال ماثيو بومبيلي عضو فريق أبحاث كيوتك الذي أنشأ الشبكة في جامعة دلفت للتكنولوجيا في هولندا: «سيسمح لنا ذلك بتوصيل أجهزة الكمبيوتر الكمومية لزيادة القدرة الحاسوبية وإنشاء شبكات غير قابلة للاختراق وربط الساعات الذرية والتلسكوبات مع مستويات غير مسبوقة من التنسيق، يوجد أيضًا كثير من التطبيقات التي لا يمكننا التنبؤ بها حقًا، وقد يتمثل أحدها في وضع خوارزمية تدير الانتخابات بطريقة آمنة مثلًا».

بنفس الطريقة التي يكون بها البت Bit في الحاسوب التقليدي هي الوحدة الأساسية للمعلومات الرقمية، يكون الكيوبت هو الوحدة الأساسية لمعلومات الكم، فمثل البت قد يكون الكيوبت إما 1 أو 0، ما يمثل وضعين مختلفين في نظام الحالتين، ولكن هذا التشابه ينتهي هنا، فبفضل القوانين الغريبة لعالم الكم، قد يكون الكيوبت في تراكب لكل من الحالتين (1 و0) حتى لحظة قياسه إذ ينهار عندها عشوائيًا إما إلى 1 أو 0. وهذا السلوك الغريب هو أساس قوة الحوسبة الكمومية، إذ يسمح للكيوبت بإجراء حسابات متعددة في آن واحد.

والتحدي الأكبر في ربط تلك الكيوبتات معًا في شبكة كمومية يكمن في تحقيق عملية التشابك (التي سماها آينشتاين بالفعل المخيف عن بعد) والمحافظة عليها. ويُقصد بذلك أنه عندما يقترن كيوبتان ترتبط خصائصهما بطريقة تجعل أي تغيير في أحد الجسيمات يسبب تغييرًا في الآخر حتى لو كانا منفصلين بمسافات شاسعة.

يمكن ربط العقد الكمومية بطرق عديدة، لكن أكثرها شيوعًا طريقة تبدأ بتشابك الكيوبتات الثابتة (التي تشكل عقد الشبكة) مع الفوتونات، وذلك قبل إطلاق الفوتونات على بعضها، ثم عند التقاء الفوتونات ببعضها تصبح متشابكة أيضًا، ما يجعل الكيوبتات تتشابك، فهذا يربط العقدتين الثابتين التي تفصل بينهما مسافة، وأي تغيير يطرأ على أحدهما ينعكس حتمًا على الأخرى.

ويسمح هذا التشابك للعلماء بتغيير حالة الجسيم وتغيير حالة شريكه البعيد المرتبط به، ونقل المعلومات بفاعلية عبر فجوات كبيرة، ولكن الحفاظ على حالة التشابك مهمة صعبة لأن النظام المتشابك معرّض دائمًا لخطر التفاعل مع العالم الخارجي وتدميره بعملية تسمى عدم الترابط. وهذا يعني أنه يجب أولًا الاحتفاظ بالعقد الكمومية في درجات حرارة باردة كثيرًا داخل أجهزة تبريد مستقرة (cryostats) لتقليل فرص التداخل مع شيء خارج النظام. وثانيًا، لا يمكن للفوتونات المستخدمة في التشابك أن تسافر مسافات طويلة جدًا قبل أن تتبعثر أو تُمتَص، أي تدمير الإشارة التي يتم إرسالها بين عقدتين.

يقول بومبيلي مشيرًا لفيزياء نظرية عدم الاستنساخ: «المشكلة هي أنه لا يمكن تضخيم الإشارات الكمومية بعكس الشبكات الكلاسيكية، فإذا حاولت نسخ الكيوبت، ستقوم بتدمير النسخة الأصلية».

إذ تنص النظرية أساسًا على استحالة إنشاء نسخة متطابقة من حالة كمومية غير معروفة، ويتابع: «يحد هذا من المسافات التي يمكننا بمجالها إرسال إشارات الكمومية إلى بضع آلاف الكيلومترات، وإن كنت تريد إقامة اتصالات كمومية مع شخص آخر على الجانب الآخر من العالم، ستحتاج إلى عقد نقل».

لحل المشكلة، أنشأ الفريق شبكة من ثلاث عقد، تمرر فيها الفوتونات بالأساس التشابك من كيوبت في واحدة من العقد الخارجية إلى واحد في العقدة الوسطى، وفي العقدة الوسطى كيوبت للحصول على حالة متشابكة وكيوبت آخر لتخزينها، وفور تخزين التشابك الذي تحقق بين عقدة خارجية والعقدة الوسطى، تُشابك العقدة الوسطى العقدة الخارجية الأخرى مع الكيوبت الاحتياطي، وبتحقيق هذا، تحقق العقدة الوسطى التشابك بين الكيوبتين ما يسبب تشابك العقد الخارجية.

اقرأ أيضًا: مفتاح جديد يقربنا خطوة مهمة نحو بناء الإنترنت الكمومي

ولكن تصميم هذا الدوران الميكانيكي الكمومي الغريب على طريقة لغز (عبور النهر) الكلاسيكية كان أقل مشكلات الباحثين، فمع أنه غريب بالتأكيد فهو ليس فكرة صعبة جدًا، التحدي الحقيقي كان في جعل الفوتونات تتشابك وتتجه إلى العقد بالطريقة الصحيحة، إذ يجب على الباحثين استخدام نظام معقد من المرايا وضوء الليزر، والجزء الصعب حقًا كان التحدي التكنولوجي للحد من الضوضاء المزعجة في النظام، فضلًا عن التأكد من أن جميع أجهزة الليزر المستخدمة لإنتاج الفوتونات متزامنة تمامًا.

قال بومبيلي: «إننا نتحدث عن وجود ثلاثة إلى أربعة أجهزة ليزر لكل عقدة، ما يعني تزامن عمل 10 أجهزة ليزر وثلاثة أجهزة تبريد مستقرة إضافةً إلى الإلكترونيات».

نظام العقد الثلاث مفيد خصوصًا، إذ سيسمح كيوبت الذاكرة للباحثين بإقامة التشابك في الشبكة عبر عقدة تلو الأخرى، وذلك بدلًا من الشرط الأكثر صعوبة في آن واحد، وفور تحقيق هذا يمكن ربط المعلومات عبر الشبكة.

من الخطوات التالية للباحثين مع شبكتهم الجديدة تحسين المكونات الأساسية لقدرات الشبكة في مجال الحوسبة ليتمكنوا من العمل كما تفعل شبكات الكمبيوتر العادية، وكل هذه الأشياء سوف تحدد المقياس الذي يمكن لشبكة الكم الجديدة الوصول إليه.

ويريد الباحثون أيضًا أن يروا إن كان نظامهم سيسمح لهم بإقامة تشابك بين دلفت ولاهاي، وهما مدينتان هولنديتان تفصلهما مسافة نحو 10 كيلومترات تقريبًا.

قال بومبيلي: «تبعد عقدنا الآن عن بعضها بحدود 10 إلى 20 مترًا، وإذا كنت تريد شيئًا مفيدًا، عليك أن تذهب إلى أبعد من ذلك، وستكون هذه المرة الأولى التي نقوم فيها بإنشاء ربط بين المسافات الطويلة».

اقرأ أيضًا:

وداعًا للهاكرز! الإنترنت الكمومي سيجعل الاختراق شيئًا من الماضي

نموذج مبدئي قادر نظريًا على نقل البيانات بسرعة 10 تيرابيت بالثانية

نحن نقترب أكثر نحو الإنترنت الكمومي ، لكن ما هو؟

ترجمة: عمرو أحمد حمدان

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر