تدور ضجة كبيرة حول العملات المشفرة في الوقت الحالي، تُعد العملة المشفرة نسخة القطاع الخاص الرقمية من المال، يحميها التشفير من أي محاولة سرقة وتُحصى عبر تقنية سلسلة الكتل التي تخلق العديد من سجلات حسابات «دفاتر الأستاذ» الموزعة على مجموعة من الحواسيب المتباعدة.

إلى جانب الاستخدام التقليدي لشراء البضائع، يبيع المستثمرون العملات المشفرة ويشترونها.

نمت السوق العالمية للعملات المشفرة إذ تخطت تريليوني دولار للمرة الأولى في التاريخ، مع احتلال عملة بيتكوين المرتبة الأولى بأكثر من 50% من سوق العملات المشفرة، وهي الأصول الرقمية الأكبر.

يساور العلماء وغيرهم القلق إزاء الخطر المحتمل الذي تشكله بيتكوين وغيرها من العملات المشفرة على الكوكب، ويرجع ذلك إلى أن سلاسل الكتل لتلك العملات تقتضي حل معادلات في خوارزمية معقدة بهدف توثيق المعاملات، وذلك عبر عملية التعدين، عملية يُتاح لممارسيها ربح البيتكوين مكافأةً.

المشكلة أن عملية حل معادلات التعدين تتطلب قدرًا عاليًا من الطاقة، وبالفعل يستهلك البيتكوين 149.63 تيرا واط في الساعة سنويًا، أكثر مما تستهلكه بعض الدول مثل ماليزيا والسويد، وفقًا لمؤشر كامبريدج لقياس استهلاك بيتكوين للكهرباء (CBE). يشير المؤسس المشارك لمايكروسوفت بيل جيتس إلى آثار البيتكوين قائلًا: «يستهلك البيتكوين في كل معاملة طاقة تفوق أي منتج آخر عرفته البشرية».

يصعب تحديد مقدار الكهرباء المولدة تمامًا عبر احتراق الفحم الحجري أو الغاز الطبيعي، التي تساهم انبعاثاتهما في التغير المناخي، لكن إذا علمنا أن ثلثي إنتاج الكهرباء يأتي من محطات تعمل على الوقود الأحفوري، يمكننا حينها تقدير كيف تساهم بعض العملات المشفرة على نحو متزايد في التغير المناخي.

توصلت دراسة نُشرت في 2018 في دورية Nature Climate إلى أن نمو البيتكوين سيؤدي إلى انبعاثات كفيلة بزيادة الاحترار العالمي بدرجتين مئويتين بحلول عام 2033، في حين يرجح باحثون آخرون أن الدراسة تبالغ في تقدير حجم المشكلة.

العملة المشفرة وُجدت لتبقى

في حين يثير ما سبق العديد من المخاوف، يؤكد الكاتب الرئيس للدراسة كاميلو مورا أمله في إمكانية حل المشكلة المتعلقة باستهلاك العملات المشفرة الطاقة قبل تفاقم الأوضاع.

يؤكد مورا أهمية العملات بقوله: «وُجدت العملات المشفرة لتبقى، تعم الفوائد العديدة للعملات المشفرة فضلًا عن رواجها الشعبي، يساورني –بوصفي عالمًا يدرس مخاطرها- القلق حيال التقنيات غير الجاهزة للطرح، مع ذلك ينتابني الأمل حيال وجود مجال للتغير الإيجابي». يشغل مورا منصب أستاذ مساعد في قسم الجغرافيا والبيئة بجامعة هاواي- مانوا.

يرى مورا أن العملات المشفرة -مثل التقنيات الأخرى- ستتطور، مثلًا لم تكن الهواتف النقالة سابقًا سوى خردوات سميكة غالية الأثمان قبل طرح أجهزة الهاتف بأسعار في متناول الأيدي وتنساب بيسر داخل جيوبنا، يشير مورا إلى أن عددًا من العملات المشفرة الناشئة مثل -كاردانو وريبل وستيلر وترون- يؤثر في البيئة على نحو أقل سوءًا من البيتكوين.

ويضيف: «يراودني شعور بأن العملات المشفرة ستتطور ذات يوم ليصبح لها بصمة بيئية ضئيلة جدًا».

تسعى بعض العملات المشفرة الجديدة إلى استهلاك أقل للطاقة عبر توظيف طرق بديلة مثل إثبات الحصة، ما يتيح للمعدنين توثيق المعاملات عبر سلسلة كتل تستند إلى عدد العملات التي يحملها الشخص المعدِّن، بدلًا من حل معادلة.

العملات المشفرة والطاقة البديلة

حل آخر مقترح هو تحويل شبكات العملات المشفرة بعيدًا عن مصادر الطاقة التي تساهم في تغير المناخ، إذ يشير مؤشر كامبريدج إلى أن مصادر الطاقة البديلة مثل الشمس والرياح توفر طاقة كافية لمد شبكة كاملة من البيتكوين بالكهرباء تسع مرات.

وقَّع 35 فردًا وشركة من العاملين في مجالات العملات المشفرة والتمويل والطاقة ومنظمات غير ربحية بارزة اتفاق المناخ المشفر، الذي يهدف إلى تحويل 100% من الطاقة المستهلكة في العملات المشفرة إلى طاقة متجددة بحلول 2025.

يوضح رئيس التسويق العالمي لشركة (Energy Web) المشاركة في الاتفاق، دوغ ميلر: «نتصدى للمشكلة بتطوير العديد من الحلول مفتوحة المصدر، بهدف تيسير عملية التعدين على المرافق والمستثمرين، فضلًا عن تيسير تداول العملات، حتى يمكن إنتاج طاقة متجددة تعادل تقريبًا الطاقة المهدرة في نشاطات متعلقة بالعملات المشفرة».

تُعد شركة (Energy Web) شركة عالمية غير ربحية تُطور وتوزع البرمجيات مفتوحة المصدر، مخصصة لشركات الطاقة التي تدعم استخدام الطاقة النظيفة وتتبع انبعاثات الكربون ودمج موارد الطاقة اللامركزية مثل ألواح الطاقة الشمسية على أسطح المنازل.

ثمة اختلاف في استهلاك الطاقة لمختلف أنواع أنظمة سلسل الكتل التابعة لمختلف العملات المشفرة، فليس جميعها بنفس شدة البيتكوين. يقول ميلر: «لن يدخل اتفاق المناخ المشفر في جدال قائم على الترويج لبروتوكول توافقي دون غيره، إذ نهدف إلى التخلص من أي انبعاثات كربونية في أقرب وقت ممكن. يركز الاتفاق على هدف رئيسي هو تحويل كل الطاقة المستهلكة في مجال العملات المشفّرة إلى مصدر طلب جديد على الطاقة المتجددة، حتى يمكننا ضخ الاستثمارات بسرعة متزايدة في مرافق إضافية للطاقة المتجددة. نرى في مجال العملات المشفرة فئة ناشئة مهمة مستهدفة لشراء الطاقة المتجددة».

«نطور أدوات تقنية جديدة تتسق مع أفضل الممارسات المتبعة للحصول على الطاقة المتجددة، بغية إضفاء المزيد من المصداقية على مزاعم المشاركين في سوق العملات المشفرة بأن 100% من الكهرباء المستهلكة في العمليات الخاصة بالعملات المشفرة مستمدة من الطاقة المتجددة».

«نخطط أن نجمع معلومات من أصحاب المصالح والباحثين للاسترشاد حيال وجوب تنفيذ إجراءات إضافية بهدف جعل القطاع بالكامل غير معتمد على الكربون، وكيفية عمل ذلك، مع توفير مثال يُحتذى من الصناعات الأخرى».

وقد صرح إيلون ماسك في 12 مايو 2021 أن شركته تيسلا لن تقبل البيتكوين إلا بعد التحقق من أن إنتاجيتها مستدامة تمامًا.

اقرأ أيضًا:

دوج كوين: كل ما عليك معرفته عن هذه العملة الرقمية

هل يمكن إيجاد عملة موحدة عالميًا؟

ترجمة: مي مالك

تدقيق: روان أحمد أبوزيد

المصدر