لا يُستهان بقدرة الثقوب السوداء على امتصاص المادة، فحتى الضوء لا يستطيع الإفلات منها، ومن هنا أتت تسميتها. فلماذا لا تستمر الثقوب السوداء بالتوسع والتوسع إلى أن تبتلع الكون ببساطة؟

قدم أحد كبار الفيزيائيين في العالم تفسيرًا مبهرًا عام 2018، وهو ليونارد سوسكيند الباحث وعالم الفيزياء في جامعة ستانفورد، المعروف أيضًا أنه أحد آباء نظرية الأوتار، ويمكن أن توحّد فكرته -بصورة ملائمة- بين أكبر نظريتين في الفيزياء.

فقد راهن في سلسلة من الأوراق البحثية على المفارقة التي تقترح –أساسًا- أن الثقوب السوداء تتسع بزيادة التعقيد في الداخل، وهي سمة لا نجدها مترابطة عندما نراقبها من بعيد. بعبارة أخرى، تتمدد إلى الداخل وليس إلى الخارج.

الأغرب من ذلك أنه قد يكون لهذه الفرضية شبيه فيما يتعلق بتوسع كوننا، والذي ينمو بطريقة عكسية. قال سوسكيند في مجلة ذا أتلانتيك: «أعتقد أنه سؤال مثير جدًا للاهتمام فيما إذا كان الاتساع الكوني مرتبطًا بتزايد نوع من التعقيد». وأضاف: «وسواء كانت الساعة الكونية أو تطور الكون مرتبطًا بازدياد التعقيد أم لا، فهذا ما لا أعرف جوابه».

ربما يخمن سوسكيند حول نشأة الكون، لكن تساؤلاته عن سبب اتساع الثقوب السوداء نحو الداخل أكثر من الخارج؛ تستحق البحث فيها. وهذا طبيعي، لأن هذا النوع من الأبحاث النظرية، لا يمكن التحقق منه بسهولة، أو دحضه من طريق مراجعة الأقران.

لكن هناك فكرة رائعة تستحق الإفصاح عنها، ولفعل ذلك نحتاج إلى العودة إلى الأساسيات، وهذا يحتاج تركيزًا.

تعد الثقوب السوداء ببساطة كتلًا كثيفة تشوه الفضاء، لدرجة أن الضوء يفتقر إلى السرعة اللازمة للهروب منها، وظهرت الأسس النظرية الصلبة لجسم كهذا بصورة طبيعية من رياضيات النظرية النسبية العامة لآينشتاين عام 2015، ومنذ ذلك الحين رُصدت الأجسام المادية المطابقة لهذه التوقعات، وغالبًا ما توجد حول مراكز المجرات.

ومن التشبيهات الشائعة، تصور أبعاد الفضاء إضافة إلى الزمن كصحيفة مطاطية سلسة، وبقدر ما يشوه الجسم الثقيل في الصحيفة، تشوه الكتلة هندسة الزمكان.

وتدل خصائص صحيفة الكون أنها يمكن أن تشكل قمع جاذبية عميق، يمتد إلى الأسفل ولا يمتد إلى الخارج كثيرًا.

تتوسع معظم الأجسام إلى الخارج وليس إلى الداخل عند إضافة مواد إليها، إذن كيف حتى سنتخيل ذلك؟ الصفائح المطاطية تشبيهات مفيدة، إنما إلى حد معين فقط.

لنفهم سلوك المادة في مواجهة خلفية فائقة الامتداد، علينا البحث في مكان آخر.

ولحسن الحظ تملك الفيزياء كتاب قواعد آخر حول كيفية عمل الكون، يسمى ميكانيكا الكم الذي يصف كيف تتفاعل الجسيمات وقواها، ولا تتفق دائمًا قوانين النسبية العامة وميكانيك الكم.

لكن الأشياء الصغيرة التي تُفسر من وجهة نظر النسبية العامة ليست منطقية، ولا ينتج عن تطبيق قوانين ميكانيكا الكم على الأشياء الكبيرة مثل الثقوب السوداء إلا الهراء. ما يعني أننا نغفل عن شيء مهم يمكن أن يساعدنا على تفسير خاصية انحناء الفضاء في النسبية العامة، من حيث الكتل المحدودة وجسيمات القوى الوسيطة.

وأحد الاحتمالات هو ما يسمى بمراسلات نظرية المجال الموافق/المضاد، أي اختصارًا Ads/CFT، وهي فكرة تقابل نظرية الأوتار بفضاء رباعي الأبعاد، وتهدف إلى الجمع بين أفضل قوانين نظريتي ميكانيكا الكم والنسبية العامة معًا. واستنادًا إلى إطار العمل، يتجلى التعقيد الكمي للثقب الأسود -أي عدد الخطوات اللازمة لإعادته إلى حالة ما قبل الثقب الأسود- في حجمه. ويكمن المنطق نفسه وراء فكرة مذهلة أخرى تسمى المبدأ الهولوغرافي (التصوير المجسم).

قد يبدو الأمر كتحميل الأفلام على كمبيوترك، لتجد أنها أكبر من الداخل، وبقدر ما يبدو ذلك سخيفًا، كلما زادت القوة الحسابية في البيئة المتطرفة للثقب الأسود، يزيد الحجم الداخلي، أو على الأقل ذلك ما تقترحه.

نظرية الأوتار -بحد ذاتها- واحدة من تلك الأفكار الظريفة التي تطمح إلى تحقيق فوز تجريبي، لذلك ما زلنا بعيدين عن الجمع بين ميكانيك الكم والنسبية العامة.

ويقترح سوسكيند أن التعقيد الكمي مسؤول أساسًا عن حجم الثقب الأسود، وذلك ما جعل الفيزيائيين يفكرون استنادًا إلى التداعيات أن الثقوب السوداء ليست مثل الفضاء العادي الذي نعرفه، لذلك لا يمكننا أن نتوقع تطبيق قواعد عادية.

اقرأ أيضًا:

كوكب الأرض قريب من الثقب الأسود أكثر مما توقعنا!

الثقب الأسود في مركز مجرتنا يصبح أكثر نشاطًا

ترجمة: حلا بوبو

تدقيق: حسين جرود

المصدر