وفقًا لنظرية الانفجار العظيم، امتد الكون بأكمله قبل مليارات السنين على مساحة بحجم صفري وكثافة لا نهائية، ثم توسعت هذه المساحة وتضاعف حجمها مئات المرات في أقل من ثانية، امتلأ الكون بالطاقة في اللحظات الأولى وكانت معظمها حرارة شديدة، وتحولت بعض تلك الطاقة إلى مادة جرّاء نمو الكون وبروده.

عادةً، يكون التركيز على الذرات عند التحدث عن المكونات الأساسية للمادة. تتكون الذرات من نواة تحوي على الأقل جسيمًا كونيًا واحدًا إيجابي الشحنة يسمى بروتونًا، وقد تحوي أيضًا جسيمًا واحدًا أو أكثر معتدل الشحنة يسمى نيوترونًا، تحيط الجسيمات سالبة الشحنة -أي الإلكترونات- بالنواة وتتحرك حولها بسرعة ضمن حدود حقل الطاقة.

لم تستطع الذرات التشكل في المراحل الأولى من الانفجار العظيم بسبب سخونة وكثافة الكون الشديدتين، حتى البروتونات والنيوترونات لم تستطع التشكل في أول لحظات الثانية الأولى من الانفجار العظيم. يعتقد أصحاب نظرية الانفجار العظيم بأن الكون كان مليئًا بالجسيمات الكونية مثل النيوترونات، والجسيمات التي لا تملك كتلة وتسمى الكواركات، وهي عبارة عن جسيمات أولية ترتبط ببعضها لتشكل جسيمات أكبر مثل البروتونات أو النيوترونات.

يطلق العلماء على القوة التي تجمع الكواركات لتشكل جسيمات أكبر باسم القوة النووية الشديدة. هذه القوة شديدة لدرجة تجعلنا لا نلحظ وجود الكواركات على الإطلاق في الظروف الطبيعية، إذ أن الكواركات ترتبط مع بعضها بإحكام ولا نستطيع فصلها بسهولة. لعدة سنوات، كانت النماذج الرياضية لكيفية عمل الكون الدليل الوحيد على وجود الكواركات، تطلبت هذه النماذج وجود جسيمات مثل الكواركات لكي تبدو منطقية.

تمكن العلماء في الوقت الحاضر من أخذ جسيمات مثل البروتونات والنيوترونات وهدمها إلى كواركات وغلوونات، وهي جسيمات بلا كتلة تتوسط القوة بين الكواركات. تبقى الكواركات منفصلة عن الغلوونات لبضع أجزاء من الثانية فقط قبل أن تتحلل، لكنه وقت كافٍ حتى يراقبها العلماء باستخدام معدات قوية.

إن عالم دراسات الجسيمات الكونية متناقض. يستخدم العلماء أضخم الآلات في العالم لدراسة بعض الجسيمات الصغيرة التي نعرفها. تعتمد الأجهزة التي يستخدمونها على نهج يكاد يكون عنيفًا رغم شدة تعقيدها ودقتها. تُمكّن هذه الأجهزة والأساليب العلماء من إلقاء نظرة على شكل الكون الأوليّ.

ينظر العلماء إلى جسيمات المادة الدقيقة المكوِّنة للجسيمات الكونية مثل البروتونات والنيوترونات بطريقة رائعة وبدائية في الوقت ذاته، فالجسيمات الكونية تُسحق ببعضها بقوة شديدة وينظرون إلى القطع المتبقية، ويستخدمون آلات قوية تسمى مسرّعات الجسيمات للقيام بذلك.

تُطلق مسرّعات الجسيمات حزمًا متعارضة من الجسيمات الكونية مثل البروتونات. بعض المسرّعات دائري والبعض الآخر طولي، وقد تكون كبيرةً جدًا. قد يصل قطر المسرّعات الدائرية لعدة أميال. تستخدم المسرّعات بنوكًا من المغناطيس لتسريع حزم البروتونات في أثناء انتقالها عبر أنابيب دقيقة. يوجه المسرّع البروتونات نحو مسار تصادم ما أن تصل لسرعة معينة. تتفكك الجسيمات إلى الأجزاء المكونة لها -مثل الكواركات- عندما تصطدم ببعضها.

تتحلل هذه الجسيمات الكونية في أجزاء من الثانية، ولا أمل للعلماء برصد وجود كوارك إلا باستخدام حواسيب قوية. أفاد فريق علماء من جامعة ريفرسايد في كاليفورنيا عام 2006 رصده لكوارك قميّ هو الأضخم ضمن أنواع الكواركات الستة. استخدم الفريق مسرّع جسيمات لإحداث تصادم بين بروتون ومضاد بروتون. رصدوا وجود الكوارك بعد أن تحلل بالفعل وتركت عملية التحلل علامةً الكترونيةً يمكن التعرف عليها.

هل يعني ذلك أن العلماء يمكنهم إعادة تمثيل الانفجار العظيم ؟ ليس بالضبط. بدلًا من ذلك، يأمل العلماء أن يتمكنوا من محاكاة ظروف الكون الأولية، يشمل ذلك خلق منطقة ساخنة كثيفة من المادة والطاقة. قد يتمكن العلماء من تعلم المزيد عن كيفية تطور كوننا عبر دراسة هذه الظروف. لكنهم لا يستطيعون إعادة خلق مرحلة التوسع السريع التي تسمى بالانفجار العظيم، ليس الآن على الأقل.

اقرأ أيضًا:

حسابات جديدة قد تحل معضلة الفيزياء الكونية

علماء ينفذون محاكاة لمرحلة إعادة التسخين التي حركت الانفجار العظيم

نتائج جديدة من مصادم الهدرونات الكبير تتطلب فيزياء جديدة لتفسيرها

ترجمة: ربيع شحود

تدقيق: حسين جرود

مراجعة: مازن النفوري

المصدر