من الصعب تصور ما حدث قبل 13.7 مليار عام، عندما بدأ الكون بوصفه مُفردة. وفقًا لنظرية الانفجار العظيم، إحدى أقوى النظريات المطروحة لشرح كيف بدأ الكون، فإن كل المادة في الكون، أو بالأحرى الفضاء ذاته، وُجد في نقطة تفرد متناهية الصغر، لم يبلغها حجمها حجم الجسيمات دون الذرية. حين تفكر في ذلك، يتجلى أمامك السؤال الأصعب: ماذا وُجد قبل الانفجار العظيم مباشرةً؟

ذلك السؤال ليس بجديد، بل سبق علم الكونيات الحديث بنحو 1600 سنة. في القرن الرابع الميلادي، جادل القديس اللاهوتي أوغستين حول ماهية الوجود قبل أن يخلق الله الكون، واستنتج أن العبارات التوراتية «في البداية» تتضمن أن الله لم يخلق أي شيء قبل خلق الكون. رأى أوغستين أن الله لم يخلق الكون في وقت معين، بل أن الوقت نفسه خُلق مع الكون.

لاحقًا، توصل أينشتاين إلى النتيجة ذاتها من خلال نظريته النسبية العامة، إذ أخذ في الاعتبار تأثير الكتلة في الزمن.

تمكن مقارنة تأثير الوقت بين سكان كوكب الأرض كبير الكتلة وبين مجموعة من رواد الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية، سنجد أن كتلة الأرض الضخمة تشوه الزمان، فتجعله أبطأ قليلًا لسكان الأرض مقارنةً برواد المحطة. مع أن الفارق الزمني صغير جدًا ليُلاحظ، فإنه يخبرنا أن الوقت يمر أبطأ، لشخص قرب كتلة ضخمة مقارنةً بشخص في الفضاء.

مستندًا إلى عمل أينشتاين، نشر عالم الكونيات البلجيكي جورج لوميتر ورقته التي اقترح فيها أن الكون بدأ مُفردةً، وأن الانفجار العظيم قاده إلى التوسع.

وفقًا لأينشتاين، بدأ الوقت عندما توسعت تلك المُفردة إلى حجمها وشكلها الحاليين، لتصبح كوننا.

الآن لنعد إلى سؤالنا الأساسي. مع إرساء قواعد فيزياء الكم والعديد من النظريات الجديدة الأخرى أثير السؤال مجددًا: «ماذا قبل الانفجار العظيم ؟».

من الأفكار المقترحة للإجابة عن السؤال: ماذا لو أن كوننا قد بزغ من كون آخر سابق؟ يظن بعض علماء الفيزياء الفلكية أن ذلك يمكن استنتاجه من بقايا إشعاع الانفجار العظيم: إشعاع الخلفية الكونية.

رصد العلماء إشعاع الخلفية الكونية أول مرة سنة 1965، ما تعارض مع نظرية الانفجار العظيم، وعولج ذلك لاحقًا بطرح نظرية التضخم. تفترض تلك النظرية تضخم الكون بقدر كبير جدًا في فترة وجيزة أعقبت وجوده، تفسر تلك النظرية أيضًا وجود تقلبات في درجات حرارة إشعاع الخلفية الكونية الميكروية وكثافته، وافترضت أن تلك التقلبات يجب أن تكون متجانسة.

لكن الأمر في الواقع لم يكن كذلك. أظهرت خرائطنا الحديثة للسماء أن الكون غير متجانس، إذ توجد تقلبات في مناطق أكثر من سواها. رأى بعض علماء الكونيات مثل أدريان إيريكيك من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، أن هذا سببه أن كوننا ربما نشأ من كون آخر.

في نظرية التضخم الفوضوي، يصبح هذا المفهوم أعمق، إذ يطرح تطورًا لا نهائي للأكوان من أكوان أخرى، كفُقاعات تبزغ منها فقاعات أخرى في سلسلة لا نهائية من الأكوان المتعددة.

تعتمد بعض النماذج على نشأة المُفردة قبل الانفجار العظيم. إن الثقوب السوداء ليست مجرد مكانس كونية، بل إنها تُعد مرشحًا أوليًا للمتفردة الكثيفة في الكون البدائي، إذ قد يكون كوننا -نظريًا- ثقب أبيض خرج من ثقب أسود وُجِد في كون آخر.

الثقوب البيضاء هي المقابل الافتراضي للثقوب السوداء، إذ تخرج منها المواد والطاقة بدلًا من امتصاصها. أشار العلماء إلى أن كوننا قد يكون نتاج ثقب أسود، وكل ثقب أسود في الكون قد يكون منشأ لكونٍ آخر.

طرح علماء آخرون فكرة أن الكون نشأ من ارتداد عظيم، بدلًا من انفجار عظيم.

الارتداد العظيم

اعتقد الفلاسفة المتدينون في الهند قديمًا أن الكون يمر بسلسلة لا نهائية من النشوء والتدمير، إذ يتطور من كتلة غير مميزة إلى العالم المعقد الذي نراه، ثم يدمر نفسه ويبدأ من جديد.

توصل بعض العلماء المعاصرين إلى نظير مدهش للفكرة السابقة. إذ طرحوا أنه عوضًا عن الانفجار العظيم، فإن الكون يتمدد، ثم يعود وينضغط كلما بلغ حجمًا معينًا، في نظرية تسمى الارتداد العظيم. في بداية كل دورة يكون الكون صغيرًا وسلسًا للغاية، لكنه ليس بحجم المُفردة. ثم يتمدد تدريجيًا ويتكتل بمرور الوقت ليصبح أكثر تشوهًا، ليصل في النهاية إلى نقطة ينهار فيها ليعود إلى نقطة البداية، ثم تبدأ الدورة مجددًا.

لكن يظل نجاح تلك الفكرة مرتبطًا بالتخلص من فكرة المفردة النظرية، التي طورها الفيزيائيان البريطانيان روجر بنروز وستيفن هوكينج، التي أشارت إلى أن الكون المضغوط يتحول إلى مُفردة بالطريقة ذاتها التي يتحول بها نجم ضخم إلى ثقب أسود في نهاية حياته، لذلك اعتمدت نماذج نظرية الارتداد العظيم على فكرة الطاقة السالبة التي تعمل عكس الجاذبية وتبطل الانهيار، إذ يتمدد الزمكان مرارًا وتكرارًا. تُكرر دورات الانضغاط والتوسع تلك نفسها مرة كل تريليون عام.

لكن سواء كان سبب نشأة الكون انفجار عظيم أو ارتداد عظيم، يبقى السؤال مطروحًا: ماذا وُجد قبل نشأة الكون؟ ربما لا شيء، ربما كون آخر، أو ربما إصدار قديم من كوننا الحالي، ربما بحر من الأكوان لكل منها قانونه الخاص.

اقرأ أيضًا:

انفجار عظيم في مركز مجرتنا حدث منذ 3.5 مليون سنة

هل يستطيع العلماء صناعة الانفجار العظيم في المختبر؟

المترجم: آية قاسم

تدقيق: آلاء رضا

المصدر