لن تخطئ بطات المسك الأسترالية إن رأيت إحداها، ويأتي الاسم من رائحة المسك التي تنطلق حولها خلال موسم التكاثر، وللذكور شحمة سوداء كبيرة أسفل منقارها. ولكن، إذا كانت بطة المسك التي صادفتها من النوع الشاتم، فإن الدليل الواضح الآخر هو الشتائم التي تطلقها، وبكلمات بشرية.

بالنسبة إلى الباحثين في مجال الحيوانات، يعد هذا اكتشافًا مثيرًا، وقد تناول بحث جديد كيفية وصول عدد قليل من هذه الأنواع المعينة من البط إلى هذه السمة.

فقد كتب عالما السلوك كارل تين كيت من جامعة لايدن وبيتر فولاغار في ورقتهما البحثية الجديدة: «إن اكتساب النطق بتعلمه من أفراد آخرين ميزة موجودة فقط عند عدد محدود من مجموعات الحيوانات، وهنا نقدم دليلًا على التعلم الصوتي في أحد أعضاء المجموعة القاعدية من سلالة الطيور، وهي بطة المسك الأسترالية (بيزيورا لوباتا)».

تربّت بطة من النوع الشاتم في محمية تيدبينبيلا الطبيعية جنوب غرب العاصمة الأسترالية كانبيرا في الثمانينيات، ولوحظ تعلمها كيفية تقليد صوت باب يغلق وصوتًا يشبه كثيرًا عبارة”you bloody fool” ، أي «أيها الأحمق».

لا يعرف الباحثان كيف انتهى الأمر بتعلم الطائر الشاتم هذه العبارة الأسترالية بالتحديد، مع أنهم يعتقدان أنها كانت على الأرجح شيئًا يقوله القائم على رعايته وتعلم الطائر تكراره، وكتب الباحثان في ورقتهما البحثية:

«نشأ الشاتم من بيضة حية مصدرها شرق جيبسلاند من فيكتوريا في أستراليا في سبتمبر 1983، وكانت بطة المسك الوحيدة الموجودة آنذاك. لسوء الحظ، فقدت جميع الوثائق من تيدبينبيلا في حرائق الغابات التي اجتاحت المحمية في يناير 2003، ما جعل تحديد كل التفاصيل الدقيقة أمرًا صعبًا».

بعد خمسة عشر عامًا، عاش ذكر بط ثانٍ في تيدبينبيلا، ولكن ربته أنثى في الأسر بدل بشري يقوم على رعايته، وفي يونيو 2000 سُجل صوته ليبدو وكأنه بط مختلف تمامًا (بط المحيط الهادئ الأسود، المسمى أناس سوبركيليوزا). للأسف، فُقدت أيضًا الكثير من المعلومات حول هذا البط في الحريق نفسه.

ومع ذلك، نعلم أن كلاهما كانا يستخدمان هذه الأصوات المقلدة في أثناء عروض التزاوج، هل تتخيل مزيج الضوضاء ورائحة المسك؟

حدثت هذه الأحداث الرائعة منذ فترة طويلة، لكن قدم الباحثون هذه الحالة الآن بوصفها جزءًا من عدد خاص من مجلة(Philosophical Transactions of the Royal Society of London B) مع التركيز على التعلم الصوتي في الحيوانات والبشر، وكتب الباحثان:

«وُصفت هذه الأصوات من قبل، ولكن أحدًا لم يحللها بأي نوع من التفصيل، وذهبت دون أن يلاحظها أحد من الباحثين في التعلم الصوتي، حتى الآن. وإلى جانب الملاحظات السابقة للاختلافات الصوتية بين الجماعات والأصوات المنحرفة إحصائيًا (الخارجة عن المألوف) لدى الطيور التي تربّت في الأسر، أظهرت نتائج المراقبة وجود تعلم صوتي متقدم على مستوى مماثل لمستوى الطيور المغردة والببغاوات».

لاحظ عالما السلوك أيضًا عددًا من بطات المسك الذكور الأخرى غير المسجلة في المملكة المتحدة، تقلد السعال البشري، وشخير المهر، وصرير الباب الدوار.
سبب اهتمام الباحثَين الآن هو أن قلة قليلة من الحيوانات بوسعها تقليد الأصوات مثل تقليد بط المسك لها، وبط المسك هو الفرد الحي الوحيد من جنسه البيولوجي، ويعد ارتباطه بالطيور الأخرى التي تستطيع تقليد الأصوات، مثل الطيور الغنائية والببغاوات، بعيدًا جدًا.

فلماذا تستطيع بطة المسك التقليد؟ من المثير للاهتمام، أن جزء الدماغ المرتبط بالتعلم الصوتي في الطيور المغردة والببغاوات (الدماغ الانتهائي أو المخ) هو أيضًا أكبر نسبيًا عند الطيور المائية مقارنةً بمجموعات الطيور الأخرى.

مع إن الباحثَين ليسا متأكدين تمامًا، فهم يشكون بأن بطة المسك قد طورت قدرتها على التقليد بطريقة مختلفة عن أنواع التقليد الأخرى، لأن هذا النوع قريب من جذع شجرة تطور الطيور، ما يعني أنه لو تطورت قدرة التقليد لديهم مرة واحدة في وقت مبكر، سيقتضي ذلك أنها فُقدت عدة مرات منذ ذلك الحين، فلذلك سيكون أكثر منطقية أنه تطور عدة مرات باستقلال، وكتب الباحثان:

«تمثل عملية التعلم الصوتي في بطة المسك حالة من التطور المستقل، ما يثير كثيرًا من الأسئلة حول الآليات العصبية والسلوكية المشاركة في التطور والتكيف الحاصل في هذه العملية عند هذا النوع. لذلك، فإن حالات التقليد المبلّغ عنها تستدعي توثيقًا وتحليلًا أكثر شمولًا».

أكد الباحثان على ضرورة إجراء كثير من الأبحاث، وأوضحا بأننا لا نعرف حتى أي من الأنواع الحية هي الأقرب إلى بطة المسك، مع أننا نعلم أنه لا توجد بطة أو طير آخر أظهر قدرة مماثلة.

وإلى أن نكتشف المزيد عن هذه الأنواع المدهشة، فنحن حمقى على حد تعبير البط الشاتم.

اقرأ أيضًا:

لسنا النوع الوحيد الذي طور اضطرابات النطق

لماذا لا تستطيع الحيوانات التكلّم كالبشر؟

ترجمة: عمار يوسف

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: حسين جرود

المصدر