مع حلول الشتاء واكتظاظ المستشفيات بحالات شديدة من إصابات كوفيد-19، يشكل قدوم موسم الإنفلونزا تهديدًا سيئًا للسنة القادمة. جاء هذا الإعلان من باحثين وخبراء في سياسات التلقيح وعمليات النمذجة الرياضية للأمراض الوبائية، وقد عملت مجموعتهم في مختبر ديناميكيات الصحة العامة في جامعة بيتسبرغ لأكثر من عشر سنوات على إعداد النماذج الرياضية لحالات الإنفلونزا.

كان أحد أفراد تلك المجموعة عضوًا في مراكز التحكم بالأمراض والوقاية منها، وعمل في اللجنة الاستشارية لممارسات التمنيع وشبكة فعالية لقاح الإنفلونزا التابعتين للمراكز.

أشارت عمليات النمذجة الأخيرة التي أجراها هؤلاء الخبراء إلى أن موسم الإنفلونزا الخفيف العام الماضي قد يؤدي إلى زيادة حالات الإنفلونزا في الموسم المقبل.

قللت سياسات الوقاية من كوفيد-19 من إصابات الإنفلونزا نتيجةً للسياسات المتبعة في عام 2020 لمنع انتشار كوفيد-19، بما في ذلك تقييد السفر وارتداء الأقنعة والتباعد الاجتماعي وإغلاق المدارس واستراتيجيات أخرى. شهدت الولايات المتحدة انخفاضًا واضحًا في أعداد الإصابات بالإنفلونزا والأمراض المعدية الأخرى.

انخفضت وفيات الأطفال الناتجة عن الإنفلونزا من 200 وفية في موسم 2019-2020 إلى وفية واحدة فقط مسجلة في موسم 2020-2021. الحصيلة حدوث أقل عدد من الإصابات في تاريخ الولايات المتحدة الحديث في موسم الإنفلونزا الماضي 2020-2021.

يُعد انخفاض الإنفلونزا مؤشرًا جيدًا، لكنه قد يعني أن الإنفلونزا ستضرب بقوة في الموسم القادم، السبب أن جزءًا كبيرًا من المناعة التي يكتسبها الأشخاص تأتي من الانتشار الواسع لأمراض كالإنفلونزا بين أفراد المجتمع.

لقد هبطت أعداد المصابين بفيروسات تنفسية أخرى في وباء كوفيد-19، من بينها فيروسات تأتي بين المواسم مثل الفيروس المخلوي البشري المسبب لذات الرئة، وقد حدث ارتفاع في أعداد الإصابات بعد إعادة افتتاح المدارس وإلغاء إجراءات السلامة.

فك شفرة الانتقال الفيروسي

تتضمن المناعة من الإنفلونزا عددًا من العوامل. تحدث الإنفلونزا نتيجة الإصابة بواحدة من سلالات عدة من الفيروسات الحاوية للحمض النووي الريبي RNA الذي تطرأ عليه طفرات بتواترات مختلفة كل عام بطريقة مشابهة للطفرات الطارئة على فيروس SARS-CoV2 المسبب لكوفيد-19.

تعتمد مناعة الفرد ضد السلالة السنوية للإنفلونزا على متغيرات عدة، التي تتضمن مدى تشابه السلالة الحالية للسلالة التي تعرض لها الفرد أول مرة في الطفولة، ومدى تشابه السلالات المنتشرة للسلالات الأقدم، ومنذ متى حدثت العدوى، إن حدثت.

لا شك أن التعاملات البشرية تؤدي دورًا كبيرًا أيضًا، مثل حشود الأطفال في الغرف الصفية أو حضور الناس في التجمعات الكبيرة، وكذلك استخدام الأدوات الواقية مثل قناع الوجه، كلها أمور تؤثر في انتقال الفيروس بين الناس.

هنالك أيضًا المتغيرات التي تتعلق باللقاحات. تعتمد مناعة السكان الآتية من التلقيح على نسبة الأشخاص الذين تلقوا لقاح الإنفلونزا في موسم معين، ومدى فعالية اللقاح ضد سلالات الإنفلونزا المنتشرة.

لم يسبق أن حدث وباءان مترافقان

نظرًا إلى الانتشار المحدود للإنفلونزا في عموم سكان الولايات المتحدة العام الماضي، يشير البحث إلى أن الولايات المتحدة قد تشهد تفشيًا كبيرًا للإنفلونزا هذا الموسم. وبالترافق مع التهديد الحالي لمتغير دلتا شديد العدوى قد يؤدي ذلك إلى مزيج خطير من الأمراض المعدية، هذا ما يُسمى: «ترافق وباءين».

تصدرت نماذج كوفيد-19 والأمراض المعدية التوقعات المطروحة عن مصير وباء كوفيد-19، وغالبًا ما أثبتت النماذج كفاءتها في توقع الحالات ووضع المستشفيات وأعداد المتوفين.

لكن لا يتوفر لدينا أي مثال تاريخي من هذا النوع حدث فيه وباءان متزامنان. نتيجةً لما سبق، لن تقدم لنا علوم الأوبئة التقليدية والطرق الإحصائية توقعات يُعتمد عليها لمعرفة ما قد يحدث في هذا الفصل. لذا يُعتمد على النماذج الرياضية التي تضيف إلى المسألة الآليات التي يتبعها الفيروس للانتشار وتنتج بيانات تساعد الباحثين على توقع ما سيحدث.

يستخدم الباحثون طريقتين منفصلتين للتنبؤ بالنتيجة المحتملة من الانخفاض الحاصل في حالات الإنفلونزا العام القادم، لتوقع كيف ستكون الحالات في موسم الإنفلونزا 2021-2022.

في البحث الأخير الذي أخرجه الباحثون ولم يحصل بعد على مراجعة الزملاء، طبقوا نظامًا في النمذجة يحاكي تفاعلات السكان الفعلية في المنزل والعمل والمدرسة ومحيط الحي. يتوقع هذا النظام أن الولايات المتحدة ستشهد ارتفاعًا كبيرًا في حالات الإصابة بالإنفلونزا في الموسم القادم.

في دراسة تمهيدية أخرى استخدم باحثون أداة نمذجة لمرض معد تقليدي، تقسم هذه الأداة السكان إلى من هم عرضة للوباء ومن هم مصابون وأولئك الذين تحسنوا وشفوا والذين ماتوا أو دخلوا المستشفيات.

وفقًا للبحث، توقع الخبراء أن الولايات المتحدة ستحتوي على ما يقارب 102.000 حالة إضافية، وهذه الحالات سوف تدخل المستشفى، وذلك يضاف إلى مئات آلاف الحالات التي تدخل المستشفيات عادةً في موسم إنفلونزا.

يبدو الرقم اعتياديًا مقارنةً مع المواسم السابقة إن افترضنا أن عددًا من الناس سيتلقون لقاح الإنفلونزا وسيكون فعالًا في الخريف وحتى انتهاء الموسم.
يؤدي سلوك الأفراد وتلقيحهم دورًا في الأمر.

في موسم الإنفلونزا النموذجي تظهر الأعراض على 30 إلى 40 مليون فرد في الولايات المتحدة، يُضطر 400.000 إلى 800.000 منهم إلى دخول المستشفى، ويموت ما بين 20.000 إلى 50.000 منهم.

تترافق الأرقام المتعلقة بموسم الإنفلونزا مع المعركة الدائرة ضد كوفيد-19، ما يزيد احتمالية حدوث وباءين مترافقين، ومن ثم سيجهد جهاز الرعاية الصحية، وستمتلئ المستشفيات ووحدات العناية المركزة في بعض أجزاء البلاد بمرضى قد يكونون مصابين بكوفيد-19.

يركز بحثنا على الخطر المحدق بصغار السن، فهم لم يتعرضوا لكثير من مواسم الإنفلونزا السابقة، ولا يملكون مناعةً واسعة النطاق مقارنةً مع البالغين. إضافةً إلى عبء الإنفلونزا لدى الصغار، فإنها سبب مهم للإصابة بالإنفلونزا لدى كبار السن، فالأطفال ينقلون المرض إلى الأجداد وكبار السن الآخرين.

على أية حال، يوجد سبب لنبقى إيجابيين تجاه الوضع، فبإمكان سلوكيات الأفراد أن تقلب النتائج على نحو ملحوظ.

مثلًا، تضمنت دراسة المحاكاة التي أجراها الباحثون أشخاصًا من جميع الأعمار، ووجدوا أن زيادة التلقيح بين الأطفال يسبب خفض نسبة العدوى لديهم بمقدار النصف، ووجدوا أيضًا أنه إذا تلقح عدد أكبر من الناس بمقدار 25% أكثر ممن يتلقحون في العادة، فهذا كافٍ لتقليل حالات الإصابة بالإنفلونزا.

هنالك كثير من الاختلافات في نسب متلقي اللقاح ومن يحافظون على التباعد الاجتماعي ويرتدون القناع بين الولايات الأمريكية. لذا يبدو أن موسم الإنفلونزا سيختلف بين ولاية وأخرى، كما حدث في أثناء الجائحة.

تشير كل تلك البيانات إلى أن التلقيح ضد الإنفلونزا مهم كل عام، وهو أولوية هذه السنة؛ لمنع ارتفاع عدد حالات الإصابة بالإنفلونزا وإبقاء المستشفيات في حالة مستقرة.

اقرأ أيضًا:

لماذا يُعد أخذ لقاح الإنفلونزا مهمًا جدًا هذا العام؟

يمكن أن تصاب بالإنفلونزا وكوفيد-19 معًا: إليك ما يجب معرفته

ترجمة: ليلى حمدون

تدقيق: إيناس خير الدين

مراجعة: نغم رابي

المصدر