في عام 2020، حقق كاشف المادة المظلمة الأكثر حساسية في العالم (XENON1T) كشفًا مهمًا لا يتعلق بالمادة المظلمة بل بشيء آخر، قد يكون النيوترينوات أو الأكسيونات الشمسية أو تلوثًا إشعاعيًا في الكاشف. ومؤخرًا، توصل فريق آخر من الفيزيائيين إلى إجابة مختلفة، إذ قالوا إن الإشارة قد تكون متسقة مع الطاقة المظلمة لا مع المادة المظلمة. وإذا كان هذا صحيحًا، فإنه يمثل علامة فارقة مهمة في البحث عن هذه القوة الغامضة.

الطاقة المظلمة مجهولة بالنسبة لنا، حالها حال المادة المظلمة، التي نسمي بها الكتلة التي لا نستطيع الكشف عنها مباشرةً، ونستدل على وجودها بملاحظة قوة كبيرة جدًا من الجاذبية في الكون أكثر مما نحسبه من المواد المرئية، فما يقارب 5% من الكون مادة طبيعية، مثل النجوم والثقوب السوداء والكواكب، بينما تشكل المادة المظلمة نحو 21%.

أما النسبة المتبقية التي تمثل 74% تقريبًا فهي الطاقة المظلمة، التي لم نتمكن من اكتشافها مباشرةً أيضًا، ولكننا استنتجنا وجودها من التوسع المتسارع للكون، إذ يوجد شيء ما يجعل الكون ينتشر بسرعة أكبر مما يمكن حسابه أو إحصاؤه أو تفسيره، ونطلق عليها اسم الطاقة المظلمة.

يقول عالم الكونيات سني فاغنوزي من معهد كافلي لعلم الكونيات بجامعة كامبريدج البريطانية: «إن كلا المكونين غير مرئيين، لكننا نعرف أكثر عن المادة المظلمة، إذ اقتُرِح وجودها في بداية عشرينيات القرن الماضي، بينما لم تُكتَشف الطاقة المظلمة حتى عام 1998. صُممت تجارب واسعة النطاق -مثل XENON1T- للكشف المباشر عن المادة المظلمة، وذلك بالبحث عن علامات على اصطدام المادة المظلمة بالمادة العادية، لكن الطاقة المظلمة أصعب منالًا».

عمليًا، XENON1T هو خزان يملؤه 3.2 طن متري من سائل الزينون فائق النقاء، ومزود بأعمدة من أنابيب المضاعفة الضوئية، وهذا الخزان مغلق تمامًا ومظلم تمامًا، ما يسمح للباحثين باكتشاف وميض اللمعان الضوئي الكهربائي الناتج عن تفاعل الجسيمات، ما ينتج عنه وابل ضئيل من الإلكترونات من ذرات الزينون فيما يعرف بالارتداد الإلكتروني.

ولأن غالبيتها تنتج عن تفاعلات الجسيمات المعروفة، فإن لدينا فكرة واضحة تقريبًا عن عدد أحداث الارتداد الالكتروني المتوقعة بصفتها جزءًا من ضجيج عام، ويبلغ هذا العدد نحو 232 ± 15 في السنة، لكن XENON1T اكتشف 285 حدثًا من فبراير 2017 إلى فبراير 2018.

وجد العلماء أن التفسير الأرجح كان نوعًا من الجسيمات الافتراضية تسمى بالمحاور الشمسية، ذُكرت أول مرة في السبعينيات لحل مسألة تتعلق بتتبع القوى الذرية لما يسمى تناظر تكافؤ الشحنة السوية، بينما تقول معظم النماذج إنها لا تحتاج إلى ذلك.

لكن توجد مشكلة، فإذا كانت الشمس قادرة على إنتاج هذه المحاور، فيجب على كل النجوم أن تنتجها كذلك، ومع ذلك، فإن فقدان الحرارة المرصود في النجوم شديدة الحرارة يضع قيودًا صارمة على تفاعلات المحاور مع الجسيمات دون الذرية.

لذلك، شرع فاغنوزي وفريقه في اختبار احتمال أن تكون الطاقة المظلمة هي المسؤولة عن الزيادة، وقد تكون الطاقة المظلمة لغزًا، لكن معظم النماذج الفيزيائية للطاقة المظلمة تؤدي إلى قوة خامسة غير معروفة للطبيعة، تتجاوز الكهرومغناطيسية والجاذبية وقوتي التفاعلين النوويين.

نظرًا إلى أن التمدد المتسارع للكون لا يمكن اكتشافه إلا على نطاقات وقياسات كبيرة جدًا بينما تعمل الجاذبية على المقاييس المحلية، فإن أي نموذج للمادة المظلمة يشير إلى قوة خامسة سيحتاج أيضًا إلى توضيح سبب عدم وضوح هذه القوة في جوارنا الفلكي.

طور فاغنوزي وفريقه منهجية تستند إلى آلية تسمى (فحص الحرباء)، التي تتجنب فوضى تفسير سبب عدم رؤيتنا للقوة الخامسة من طريق افتراض أنها قصيرة المدى كثيرًا في بيئات كثيفة مثل بيئاتنا، وقال فاغنوزي: «إن فحص الحرباء لدينا يوقف إنتاج جسيمات الطاقة المظلمة في الأجسام شديدة الكثافة، ما يُجنّبنا المشكلات التي تواجهها المحاور الشمسية، ويسمح لنا أيضًا بفصل ما يحدث في الكون المحلي شديد الكثافة عما يحدث على المقاييس الأكبر، حيث تكون الكثافة منخفضة للغاية».

وأظهرت نتائجهم أن جسيمات الطاقة المظلمة من منطقة خط السرعة (أو تاكوكلاين، وهي منطقة مغناطيسية قوية في الشمس بين المنطقة الإشعاعية الداخلية ومنطقة الحِمل الحرارية الخارجية) قد تُنتج الإشارة التي لوحظت في بيانات XENON1T، ويُفضل هذا التفسير على الضجيج العام بثقة تبلغ 2.5 سيغما.

وما زال الأمر ليس بقوة تفسير المحاور الشمسية، التي تبلغ مستوى ثقة 3.5 سيغما، أو حتى النيوترينوات أو التلوث الإشعاعي، اللذين كان لديهما مستوى ثقة قدره 3.2 سيغما.

إنه يقدم حلًا بديلًا خاليًا من المشكلات الشائكة المرتبطة بالآخرين، وكتب الباحثون: «يثير هذا الاحتمالية المحيرة بأن XENON1T قد يكون أول ما يحقق اكتشافًا مباشرًا للطاقة المظلمة».

هذا بالطبع إذا كانت الإشارة حقيقية، ونحتاج إلى اكتشاف آخر قبل التأكد من ذلك، ومع خضوع XENON1T للتحسينات حاليًا، لدينا بعض الوقت للانتظار. وحتى إذا لم تظهر الإشارة في دورة الرصد التالية، فإن البحث قد وضع الأساس للتفكير خارج الصندوق عند تأكيد الاكتشاف في النهاية.

قال فاغنوزي: «كان من المدهش حقًا أن يكون هذا الفائض ناتجًا عن الطاقة المظلمة، بدلًا من المادة المظلمة. عندما تعمل الأشياء معًا بهذه الطريقة، يكون الأمر مميزًا حقًا».

اقرأ أيضًا:

الطاقة المظلمة

تجربة جديدة تضع ضوابطًا رئيسية لتفسير قوة الطاقة المظلمة

ترجمة: أحمد عبدالرحمن عديلة

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: حسين جرود

المصدر