يستمتع العديد من الناس بالمشروبات الكحولية باعتبارها وسيلة للراحة، أو لتخفيف توتر العلاقات الاجتماعية أحيانًا، أو لتهدئة التفكير المفرط. يصبح بعضهم بعد ذلك ثملًا قليلًا، وآخرون يفقدون الوعي بدرجة أكبر، وبعضهم يصبحون حزينين أو دراميين. في المقابل، يتفاعل استهلاك الكحول مع الغضب والحقد والعدوانية لدى بعض الأشخاص، إذ تؤثر عوامل متنوعة في إمكانية إثارة الغضب عند تناول الكحول.

عرض ريان مثالًا أكثر شدة لهذا النوع من التفاعل، ففي حالته، كان ميالًا لإثارة الغضب حتى قبل تناول مشروبه الأول، وعند سؤاله عما دفعه لطلب الاستشارة، قال: «ذهبت إلى الحانة مع بعض الأصدقاء، كنت أعرف ما الذي أفعله، شربت حتى الثمالة، وجمعت بعض الشبان، فقط بعض الصبية العشوائيين لأبدأ القتال معهم».

يقول البروفيسور برنارد غولدن مؤلف كتاب التغلب على الغضب المدمر: «لاحظت هذا النوع على مدى عقود عدة من مساعدة العملاء على السيطرة على الغضب. يعد هذا منطقيًا جدًا. الكحول -مثل التعب والأرق والتوتر وبعض العقاقير- يثبط نشاط القشرة الجبهية، هذا الجزء من دماغنا المسؤول عن حل المشاكل والمحاكمة العقلية ومراقبة المشاعر وتنظيمها. إزالة التثبيط من قبل الكحول يمهد الطريق للمشاعر للسيطرة على الأفكار والسلوك».

أعلنت منظمة الصحة العالمية أن استخدام الكحول مرتبط بالسلوك العدواني بدرجة أكبر من أي نوع آخر من المواد العقلية (Beck & Heinz, 2013). إضافةً إلى ذلك، أعلنت أن 30% من الوفيات الناتجة عن العنف تُعزى للكحول (WHO, 2009).

يمكن أن ينفع استهلاك الكحول في الإلهاء عن المشاعر السلبية متضمنة الغضب. وجميعها تعكس الإزاحة غالبًا، كما في حالة ريان، وذلك بتوجيه الغضب تجاه هدف ما لا يشكل مصدر الغضب الأصلي. تحت تأثير الكحول فإن هؤلاء الذين لديهم ميول مسبقة للغضب يوجهون غضبهم لهدف ما يمكن أن يشهد تهديدًا أقل من الهدف الأصلي.

تحديد هذه العوامل التي يمكن أن تساهم في زيادة الغضب عند استهلاك الكحول أمر مهم للأشخاص الذين لديهم مشاكل مرتبطة بالغضب وعالجوها، وتعرض الأبحاث إجابات لتحديد هذا التداخل.

الشخصية والميل للعدوانية عند الثمالة:

بحثت الدراسات في علاقة صفات شخصية محددة مع قابلية الغضب عند تناول الكحول. في إحدى الدراسات، طُلبَ من 15701 فردا ذكورًا وإناثًا تعبئة استبيان مرتبط بالصفات الشخصية والحقد والغضب وتناول الكحول والعنف (جونز وآخرون Jones et al 2020).

وجدت الدراسة أن الرضا يتناسب عكسيًا مع العنف لدى كلا الجنسين، ارتبط الكحول بنسبة 11% من التأثير لدى الرجال، بينما لا يوجد ارتباط بالنسبة للنساء. ارتبطت العدوانية الناتجة عن الغضب بالعنف بكلا الجنسين، ولكن الكحول ارتبط بصورة واضحة بتأثيره فقط على الرجال. تعلق الانخراط بالناس بالعنف واستخدام الكحول لدى كلا الجنسين. حقق تقليل استهلاك الكحول لدى الرجال الذين لديهم صفات غضب وحقد وعدم رضا، تأثيرًا صغيرًا ولكنه مهم في تقليل العنف.

كشفت دراسة أخرى عن العلاقة بين متلازمة ما بعد الصدمة (PTSD) واستخدام الكحول والعنف ( بلاكي وآخرون Blakey et al, 2018). كانت دراسة كبيرة مكونة من 33215 شخصًا ليس لديهم تاريخ قتال حربي. شكل ازدياد الغضب بعد الصدمة واستخدام الكحول للتغلب على أعراض متلازمة ما بعد الصدمة مؤشرات للعدوان الجسدي وممارسات العنف بصورة أقوى من التشخيص المزمن لمتلازمة ما بعد الصدمة من دون غضب.

وجدت دراسة أقدم أن الكحول -مبدئيًا- يولد عدوانية متزايدة بين الأشخاص الذين يميلون بصورة متزايدة لسلوكيات مماثلة (Eckhardt and crane, 2008). اختير 70 مشاركًا انقسموا إلى مجموعتين، إحداهما تستهلك الكحول والأخرى تستهلك دواءً وهميًا، ثم وُجهوا للانخراط في مهمة مع إمكانية إثارة العدوان اللفظي، وأظهر مستهلكو الكحول المزيد من السلوك العدواني بصورة ملحوظة.

وجدت دراسة أكثر حداثة مكونة من 249 ذكرًا وأنثى يشربون للكحول بكثرة ولديهم تاريخ من عنف الشريك الحميم قبل سنة، أن الثمالة الحادة تخفف أثر مشكلة الكحول المستخدم لإزاحة الانتباه باتجاه الغضب (Massa et al, 2019). فقد وجدت الدراسة أن شاربي الكحول الذين لديهم مشكلات، هم أكثر ميولًا لتجربة سلوكيات عديدة مثل العدوانية عند الثمالة.

وُجد أن الصلابة العقلية واستهلاك الكحول تُساهم في العنف المنزلي. في إحدى الدراسات المتضمنة 136 رجلًا لديهم تاريخ من عنف الشريك الحميم (IPV) (Estruch, 2017)، وجدت أن الأشخاص الذين يملكون صلابة عقلية أكثر لديهم تعاطف وإدراك أقل لخطورة عنف الشريك الحميم. إضافة إلى ذلك، أعلنت أنهم أكثر استخدامًا للكحول وأكثر تحيزًا جنسيًا من ذوي الصلابة العقلية المنخفضة.

دراسة أخرى مكونة من 249 شاربًا للكحول بإفراط، وجدت بصورة مشابهة أن الثمالة تولد مستويات أعلى من عنف الشريك الحميم لدى هؤلاء الذين أظهروا ليونة نفسية منخفضة (Grom et al, 2021).

أظهر بحث أن كبت الأفكار يمكن أن يساهم في العدوان المرتبط بالكحول، سجلت إحدى الدراسات الداعمة لتلك النتائج 245 رجلًا بقصة استخدام الكحول العرضي (Berke et al, 2020). أكملوا استبيانات لتقييم قبولهم للمعايير الذكورية التقليدية وكبت الأفكار والعدوان المتعلق بالكحول، ووجدت أن كبت الأفكار يتوسط العلاقة بين المعايير الذكورية المتينة والعدوان المرتبط بالكحول.

تأثير الغضب على تقلص الإدراك والتقييم:

بعض الدراسات تسلط الضوء على ضعف معالجة الوجوه التعبيرية الناتج عن استهلاك الكحول. تضمنت إحدى الدراسات عينة من 85 شاربًا للكحول وصفوا بأن لديهم مستوى عاليًا أو منخفضًا من الغضب بناءً على استجابتهم لتعابير الغضب المدرجة ضمن مخزون التعبير عن حالة الغضب (STAXI-2) (Eastood et al, 2020).

فقد شربوا الكحول أولًا، ثم طُلب منهم إدراك تعابير الوجوه المختلفة على اختبار حاسوبي. أظهرت الدراسة انخفاض القدرة على تحديد الحزن والخوف وضعف الميول لرؤية السعادة. رغم أن الدراسة لا تدعم الفرق الكبير بين المجموعات المرتفعة والمنخفضة في مستوى الغضب، إلا أن هذه النتائج تدعم فكرة أن ضعف إدراك التعابير يمكن أن يساهم في الاستجابة العدوانية.

كشفت دراسة أخرى عن تأثير استهلاك الكحول في إدراك التعابير، أن الأشخاص الذين لديهم اضطراب الكحول أظهروا انحيازًا للتحديد الخاطئ للتعابير الوجهية مثل العدائية والاشمئزاز (Freeman et al, 2018)، واللافت أن الموجودين في مجموعة المراقبة أظهروا ميلًا إلى الخطأ في تحديد التعابير مثل السعادة.

الفشل في تقدير العواقب المستقبلية وتأثيرها في العدوانية:

قيمت الأبحاث الفشل في تقدير العواقب المستقبلية بصفتها عامل خطر مهم للعدوانية (Bushman et al, 2012). في هذه الدراسة، نُقل 495 شخصًا لمجموعة تستهلك الكحول أو أخرى تستهلك الدواء الوهمي، ثم طُلبَ منهم الاستجابة لمقياس تقدير العواقب المستقبلية (CFC). وجدوا أن ذوي التصنيف المنخفض أصبحوا أكثر عدوانية من ذوي التصنيفات المرتفعة على المقياس. أكدت النتائج أن القلق تجاه المستقبل يتطلب مصادر قشرية جبهية كبيرة لتثبط التأثير المفرط للكحول.

مع الوقت، فهم ريان بصورة أفضل العوامل التي ساهمت في شربه الكحول، متضمنة الغضب والعدائية الزائدة عند الشرب. ساعده العلاج في إدراك كيفية تأثير جروح الماضي في قابليته لاستخدام الكحول والغضب. بعد المزيد من الإدراك انضم أخيرًا إلى برنامج علاج الكحول الذي ساعده على تضميد جراحه والسيطرة على غضبه.

برامج علاج الكحول والسيطرة على الغضب يجب أن تثقف المشاركين حول العلاقة بين الكحول والغضب. إنها بأهمية العلاج النفسي نفسه الذي يسلط الضوء على هذا التداخل لدى كل من المستهلكين للكحول والذين على علاقة معهم. إضافة إلى ذلك، يجب أن تُدرَّس هذه المعلومات في المدارس لتوسيع الفهم والأمل في تقليل انتشار العدوانية المرتبطة بالكحول.

اقرأ أيضًا:

هل يسبب شرب الكحول العنف؟

مخاطر تناول الكحول لتخفيف الألم

ترجمة: سلام يونس الونوس

تدقيق: نور عباس

ترجمة: حسين جرود

المصدر