الفضاء مليء بالأسرار، ولو سار كل شيء كما يخطط الجنرال جون هايتن نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة لنقص من هذا البحر قطرة، مع الكشف عن سلاح فضائي موجود بالفعل في مدار حول الأرض. وبحسب صحيفة بريكنج ديفينس، يأمل هايتن باستغلال فرصة مؤتمر ندوة الفضاء العالمي لعام 2021 للإفصاح عن برنامج سري للأسلحة الفضائية.

وقد تأخر الكشف الذي كان مخططًا أصلًا لندوة الفضاء في العام الماضي حتى ألغِيَ لأسباب تتعلق بالوباء، وهذه المرة بسبب النهاية المفاجئة للقتال المنسق ضد طالبان.

كان من المفترض رفع السرية عن السلاح باعتباره تتويجًا لإطلاق قوات الفضاء؛ لم يكن لدى البنتاغون فرع فحسب بل كان لدى هذا الفرع أسلحة في المدار أيضًا. ومع تأخر التوقيت الآن للمرة الثانية، تظل هنالك ثلاثة أسئلة كبيرة مشؤومة: لماذا قد ترغب المؤسسة العسكرية في استخدام سلاح مضاد للأقمار الصناعية ؟ ولماذا تضعه في المدار؟ وما هي مخاطر هذا السلاح؟

لماذا سلاح مضاد للأقمار الصناعية ؟

إن أول الأجسام بشرية الصنع التي عبرت خط كارمان (100 كم فوق سطح الأرض) ووصلت إلى الفضاء، هي صواريخ فاو-2 العسكرية. كانت هذه بداية النشاط البشري في الفضاء، وخاصة في المدار الأرضي، وقد بدأت بصفتها مشروعًا عسكريًا، فالصواريخ الباليستية العابرة للقارات (وهي أحفاد صواريخ الفاو-2 السابق ذكرها) مصممة لنقل حمولات نووية حرارية إلى الفضاء قبل أن تصطدم بالأرض مسببةً تأثيرًا كارثيًا.

الأقمار الصناعية هي الأداة العسكرية الرئيسية الأخرى في الفضاء، إذ تحمل الأقمار الصناعية المصطفة في المدار الأرضي أجهزة استشعار وترسل المعلومات إلى المضيفين من البشر على الأرض. وضعت الولايات المتحدة عام 1960 قمرًا اصطناعيًا في المدار بكاميرا من شأنها أن تقذف أشرطة أفلام مليئة بالمعلومات الحساسة إلى الأرض. وفي العام نفسه، أطلقت الولايات المتحدة قمرًا صناعيًا بمهمة سرية لتعقب إشارات الرادار من الاتحاد السوفيتي، و بعدها بقليل حذا الاتحاد السوفياتي حذوها، وظل سباق الأقمار الصناعية هذا يركز على المراقبة، إذ استخدمت كلتا هاتين القوتين العظمتين أجسامًا في المدار لمراقبة العسكريين على الأرض.

وعلى مدى عقود من الزمان ظل هذا الخط ضعيفًا، فالدول تبني الأسلحة وتنقلها على سطح الأرض وتضع أجهزة الاستشعار في المدار لتوفير الإنذار المبكر لكل شيء، من الغزو البري وصولًا إلى الضربات النووية.

وهذا الاعتماد على أجهزة الاستشعار في المدار يحمل في طياته قابلية التأثر، إذ يمكن تدمير قدرة أي دولة على إدراك أي هجوم وقت بدء حدوثه، إذا كان القمر الصناعي الذي يتتبع تلك التحركات عاجزًا أيضًا أو قضي عليه تمامًا، وقد أثبتت عدة دول قدرتها على تدمير الاقمار الصناعية بقذائف تطلق من الأرض، وهنالك أدوات أخرى قائمة على الأرض، مثل أجهزة التشويش المضادة للأقمار الصناعية، التي تعد أسلحة على نطاق أوسع.

لماذا في المدار؟

وضع سلاح مضاد للأقمار الاصطناعية في المدار فكرة قديمة. في السبعينيات، أرفق الاتحاد السوفيتي مدفعًا كبيرًا في محطة فضائية وأطلقها في المدار على سبيل التجربة، وفي العقد نفسه، بدأت الولايات المتحدة ابحاثًا عن سلاح مخصص مضاد للأقمار الصناعية.

هنالك سبب وجيه جدًا لرغبة جيش في إخفاء سلاح في قمر صناعي، وهو أن يكون السلاح هناك بالفعل وجزءًا من القمر الصناعي، إذا ما احتاج الجيش لاستخدامه.

وبعض الأقمار الصناعية مثل هذه موجودة بالفعل؛ القمر الصيني شيجان-17 من نوع الروبوت المفتش الذي يمكن أن يتحرك في المدار لإصلاح وتغيير مسارات الأقمار الصناعية الأخرى، ويمكن أيضًا استخدام أداة مستقبلية تعمل على إزالة الحطام، على شكل ذراع روبوتية ليضرب ويلحق الضرر بأقمار صناعية أخرى.

ما هي المخاطر؟

هنالك خطر حقيقي في وضع الأسلحة في المدار لا سيما إذا كانت الدول الأخرى على علم بها. في الوقت الحاضر، يخدم المدار كل دولة بأقمار صناعية بالسماح لتلك الأقمار برصد الأرض دون قيود. وبدلًا من ذلك، إذا كان كل قمر صناعي سلاحًا محتملًا، قد يدفع هذا الدول إلى مهاجمة أقمار بعضها بعضًا، خوفًا من فقدان أي عتاد موجود بالفعل في الفضاء.

العنف في المدار خطر يحمل في طياته تأثيرًا متسلسلًا من الأضرار؛ إذ تنتج الاقمار الصناعية المتحطمة حطامًا مداريًا يمكن أن يتسارع ويخترق الأقمار الأخرى بقوة أكبر بكثير من قوة الرصاصة وإذا اصطدم حطام أحد الأقمار الصناعية المدمرة بقمر آخر، فإن الخطر على كل جسم آخر في الفضاء يرتفع ارتفاعًا متزايدًا، مع تنامي سحابة الحطام وانهيار المزيد من الأقمار الصناعية، ما يحوّل -في نهاية المطاف- الجزء الذي كان يُعد مفيدًا في الفضاء إلى مدار محروق.

لا يحمل الأمر في طياته حربًا فضائية فحسب؛ بل يتعدى ليزيد من صعوبة فهم الدول للهجمات النووية وتوقعها، وإذا ما قررت الدول أن الاقمار الصناعية مهيّأة لتخوض هجمات عسكرية، فمن المرجح أن يفيد ذلك كل من يهاجم أولًا، حتى وإن كانت تخاطر بسوء تقدير نووي على الأرض. والكشف عن سلاح في المدار لا يعد اعلانًا للدول الأخرى أن البلد يعتقد أن الاقمار الصناعية أهداف عسكرية فحسب، بل إن الحرب الهجومية ضدها حرب يمكن الانتصار فيها.

أيًا كان سلاح الفضاء الذي تملكه الولايات المتحدة الذي يتوق هايتن للكشف عنه، فإن التكهن بالأمر دون البوح به يعد الأخطر بين الحالتين. إذا ظل السلاح سريًا، فإنه لن يغير إلا الحسابات الاستراتيجية للبلدان الأخرى التي يمكن أن تكتشف وجوده، وإذا كانت هذه الأسلحة علنية فقد يكون لها أثر رادع ضد أسلحة فضائية أخرى؛ إذ إن الدول لديها تهديد مباشر بالانتقام لتقلق بشأنه، وبالتصريح الجزئي عن السلاح يصعّب على الدول أن تكيّف استجابتها على أساس الواقع، ما يشكل احتمالية حصول أخطاء، وبالتالي وقوع مأساة.

اقرأ أيضًا:

ما سبب صعوبة الهبوط على سطح القمر ؟

لماذا نريد العودة إلى القمر ؟

ترجمة: أحمد أبو شماله

تدقيق: دوري شديد

مراجعة: حسين جرود

المصدر