هذا ما وصل إليه الباحثون بعد تحليل الصخور التي جلبتها مركبة الفضاء الصينية تشانغ-5 من القمر، وأرسلتها إلى الأرض في أواخر سنة 2020. تُعد هذه الصخور أول عينات قمرية نحصل عليها منذ بعثات أبولو سنة 1976، ولكنها تدحض النتائج المستخلصة من تحليلات تلك العينات. فقد بينت صخور أبولو، إلى جانب بعض العينات المتحصل عليها من بعثة لونا 24 التابعة للاتحاد السوفيتي، أن القمر قد برد وتوقفت براكينه عن الانفجار منذ نحو 3 مليارات سنة.

وقد أفاد عالم الكواكب في جامعة سانت لويس في واشنطن برادلي جوليف، الذي شارك في البحث، بأن الافتراض العام كان يعد القمر جسمًا صغيرًا مقارنةً بالأرض والمريخ مثلًا، وذلك يفسر سبب برودته بنحو أسرع وتوقفه عن إنتاج البراكين.

لكن يبلغ عمر الصخور التي جلبتها بعثة تشانغ-5 نحو 2 مليار سنة، وهي صخور بركانية، ما يعني أن تدفقات الحمم من الممكن أن تكون قد انسابت في المنطقة التي رست فيها المركبة الفضائية بعد مدة قُدرت بمليار سنة تقريبًا مما كان يعتقده العلماء.

نُشرت تلك النتيجة المفاجئة في أكتوبر 2021 في مجلة ساينس، ثم دُونت دراسة جديدة لعينات تشانغ-5 نشرت في مجلة ناتشر، مؤكدة أن تلك العينات الصخرية يبلغ عمرها 2 مليار سنة.

وأكثر من ذلك، أظهرت دراستان مصاحبتان أن عينات القمر الجديدة ذات نسبة مياه وعناصر مشعة منخفضة، وكلاهما يجعل الانفجارات البركانية أسهل، إذ يخفض الماء درجة انصهار الصخور، ويوفر البوتاسيوم المشع واليورانيوم والثوريوم الحرارة المذيبة للماغما، وكلاهما موجودان بتركيزات أعلى في عينات البعثتين أبولو ولونا.

وإجمالًا، تطرح الدراسات الجديدة «لغزًا حقيقيًا»، وفقًا لما ذكره كينغ زهو يين، عالم كيمياء جيوكيميائية في جامعة كاليفورنيا، ديفيس، وهو غير مشارك في البحث. وقد ذكر يين في مجلة ساينس أن هذه الدراسات تثير أسئلة حول كيفية تحمل جسم صغير مثل القمر للانفجارات البركانية في مرحلة متأخرة من حياته.

وما يثير الحيرة في تلك النتائج يكمن في أن القمر لا يمتلك غلافًا جويًّا أو مجالًا مغناطيسيًّا للاحتفاظ بالحرارة اللازمة للنشاط البركاني، ولكن هنالك أفكار عدة تتداول حول كيفية احتفاظ القمر بالحرارة داخله طوال الوقت.

السبب الأول يتمثل في أن تربة القمر ربما كانت سميكة بما يكفي للإبقاء على الحرارة لمليارات السنوات بنحو أطول مما كان يعتقده العلماء في البداية، والسبب الآخر يتمثل في أن القمر ربما تكون قد سخنته قوى المد والجزر من الأرض، إذ إن الجاذبية الأرضية يمكن أن تكون امتدت واستقرت داخل القمر في أثناء دورانه.

ويوجد تفسير ثالث ممكن يتمثل في مخلفات ارتطام كويكب أو مذنب كبير، لأنه بإمكانه في بعض الحالات أن يسبب ثورانًا بركانيًّا.

عينات القمر حاسمة لفك رموز التاريخ القمري

انطلقت تشانغ-5 إلى القمر في نوفمبر 2020، وهبطت بالقرب من بركان غير نشط في منطقة تسمى Oceanus Procellarum، وهي معبدة بنوع من الصخور البركانية السوداء التي تسمى بازلت، ثم جُمع أكثر من كيلوغرامين من الصخور القمرية، بعضها من السطح وبعضها الآخر من عمق 1.83 من القشرة القمرية.

ثم عبأ تشانغ-5 العينات داخل كبسولة وأطلقها مرةً أخرى إلى الأرض، وسقطت الكبسولة في منغوليا في ديسمبر.

وبما أن المهمات الماضية قد حصدت صخورًا قليلة جدًا من القمر، يتوقع العلماء أن يتعلموا أكثر من ذلك بكثير من العينات المستقبلية على غرار صخور تشانغ-5، وتهدف مهمة الصين القمرية التالية، تشانغ إي-6، إلى تزويدنا بالمزيد من العينات من الجانب البعيد من القمر سنة 2024.

وأضاف جوليف: «إذا كان القمر بحجم قارة، فإن عينات أبولو ولونا ستكون مثل أخذ عينات منطقة واحدة فقط. تخيل إذا كان هذا كل ما نعرفه عن قارة بأكملها».

اقرأ أيضًا:

وجدت العربة القمرية الصينية صخورًا غريبة على الجانب الآخر من القمر

عينات الصخور الصخور القمرية تلقي الضوء على حدث نيزكي مدهش

ترجمة: فاطمة البجاوي

تدقيق: حسام التهامي

مراجعة: حسين جرود

المصدر