في أواخر القرن الـثامن عشر كان “بنجامين فرانكلين” الشخصية الدبلوماسية ورجل الدولة والمخترع يقوم بإحدى تجاربه الشهيرة العروفه باسم “الطائرة والمفتاح” عام 1752.

فقد قام، قبيل اقتراب عاصفة رعدية، بإطلاق طائرة ورقية في الفضاء مصنوعة من الحرير ولها طرف معدني حتى تنجذب إليها الصواعق، وبلل الخيط الممسِك بها حتى يزيد من قدرته على توصيل الكهرباء، وبينما كان يقبض بإحدى يديه على الخيط ليمسك بالطائرة، أخذ يدلك الخيط بمفتاح حديدي كان يمسكه بيده الأخرى، وحدث ما كان يتوقعه.

فقد تطاير الشرر بين الخيط المبلل بالماء والمفتاح الحديدي ومن هنا أثبت أن هنالك علاقة بين الكهرباء والبرق.

 

ساعدت تجربة فرانكلين هذه في تأسيس علم جديد يسمى “كهرباء الاحتكاك”، وساعدت ملاحظات فرانكلين العلماء الذين أتوا لاحقاً أمثال مايكل فراداي، وجورج سيمون أوم صاحب قانون أوم الشهير، وألساندرو فولتا، وأندري ماري أمبير، وغيرهم من العلماء التي ساهمت إنجازاتهم في مستقبل العالم بشكل كبير.

وحتى ذلك الوقت كانت الكهرباء المعروفة هي تلك الناشئة عن الاحتكاك أو الفرك، وهو مايسمى بكهرباء الاحتكاك.

ولكن بعد ذلك انفجر عصر اكتشافات علم الكهرباء بشكل ملحوظ، في هذه الأوقات اكتشف العالم الإيطالي ألساندرو فولتا أنه يمكن باستخدام التفاعلات الكيميائية إنشاء “مصعد” موجب الشحنة و”مهبط” سالب الشحنة، وأنه عند وضع موصل ما بينهما ينشأ ما يعرف بـ”فرق الجهد الكهربائي” والذي بدوره يحرك تياراً بين طرفي الموصل.

لم يُعترف باكتشاف فولتا في ذلك الوقت، ولكن في عام 1767 قام العالم “يوهان جورج سولزر” بتجربة تقوم على اكتشاف فولتا، حيث وضع قرص صغير من الزنك تحت لسانه وآخر من النحاس فوقه، فأحس بطعم لازع متميز وفسر يوهان هذا الاكتشاف تفسيراً لم يلقَ أي اهتمام وقتها حيث فسره قائلاً:

عندما تتلامس المعادن معاً فإنها تؤدي إلى نوع من الارتعاش وهذا ما يؤثر على الأعصاب ويعطي ذلك الانطباع.

 

ولكن الحدث الأكبر هو في عام 1790 وبالصدفة، عندما كان البروفيسور الطبيب وعالم التشريح الإيطالي “لويجي جلفاني” يقوم بتجربة حول فعل الكهرباء على عضلات الضفادع، عندما قام بتلميس ساق من الحديد مع ساق من النحاس مع بعضهما، وأغلق الدائرة عن طريق عضل الضفدع (قام بغرسهما في عضل الضفدع)، تحول انتباهه إلى انكماش عضلة فخذ الضفدع فلاحظ حدوث تشنجات عندما أغلق الدائرة وبدون أي سبب جوهري وعدم وجود أي آلة كهربائية، سوى ساق الحديد وساق النحاس الموصولتين بعضلة الضفدع.

لتفسير هذه الظاهرة، افترض جلفاني وجود أنواع أخرى من الكهرباء موجودة في أعصاب وعضلات الضفادع. وقد نشر جلفاني نتائجه وملاحظاته والتي جذبت العديد من علماء الفيزياء في ذلك الوقت، ومن أبرزهم “فولتا” الذي اعتبر أن النتائج التي اكتشفها جلفاني كانت بسبب وجود معدني الحديد والنحاس، اللذين عملا كمحرك كهربائي وأن عضلات الضفدع عملت على استكمال وغلق تلك الدائرة مما أدي لحدوث تلك التشنجات، وبفضل هذا الاكتشاف استطاع الطبيب “جلفاني” اختراع مصدر للطاقة يعرف الآن بـ “خلية جلفاني”.

وفي هذه الأوقات وبمساعدة اكتشاف الطبيب “جلفاني”، عمل فولتا على تدعيم وتقوية نظريته والتي هي بالأساس تطوير التفاعلات الكيميائية المؤسسة لفكرة البطارية، والتي كانت مُقدمة لجميع البطاريات الكيميائية لاحقاً، وكانت لها الجدارة لكونها الوسيلة التي يُمكن الحصول من خلالها على مصدر تيار كهربائي ولفترة طويلة ومستمرة.

وفي عام 1800 استطاع “فولتا” اختراع أول جهاز لإنتاج كمية كهربائية وسميَ بعد ذلك بالبطارية وحصل حينها على وسام جوقة الشرف والتي منحها له نابليون بونابارت.

 

 

وفي النصف الأول من القرن الـتاسع عشر ظهرت عدة إضافات مهمة إلى حد كبير في مجال الكهرباء والمغناطيسية، حيث اكتشف العالم الدنماركي “هانز كريستيان أورستد” في كوبنهاغن بالصدفة عندما يقوم بغلق دائرة كهربائية كان يقوم بإعدادها لاحظ انحراف للبوصلة بعد غلق الدائرة ومرور التيار.

أكد هذا الاكتشاف لأورستد وجود علاقة وثيقة بين الكهرباء والمغناطيسية واستنتج أنه عند مرور تيار كهربائي في موصل، فيتولد حوله مجال مغناطيسي، وهو ما يطلق عليه التأثير المغناطيسي للتيار الكهربائي.

وفي عام 1824 اكتشف العالم الفرنسي “فرانسوا أراغو” اكتشافه الهام عندما جعل قرص من النحاس يدور حول نفسه، وقام بتعليق إبرة ممغنطة حرة الحركة على محور القرص، وجد أن الإبرة تحركت ودارت مع القرص، وهذا ما عُرف بدوران “أراغو”.

حاول العلماء كثيراً تفسير تلك الظاهرة دون جدوى، ولكن التفسير الأفضل حُفظ لفراداي، اكتشف “فاراداي” إمكانية تولد تيار كهربائي في موصل عند تغير عدد خطوط الفيض المغناطيسي التي يقطعها هذا الموصل، وهو ما أطلق عليه الحث (التحريض) الكهرومغناطيسي.

تم اكتشاف الحث الكهرومغناطيسي مابين “فاراداي” و”جوزيف هنري” ولكن كل واحد على حِدة. كان لهنري الأسبقية في استخدام الحث في محولات كهربائية بسيطة عن طريق الحث الذاتي للملفات اللولبية عام 1835.

بدأ “فاراداي” عهدًا جديدًا في مجال الكهرباء والمغناطيسية بعدما رأس المؤسسة الملكية في لندن، وأخذت تجارب “فاراداي” منه وقت كبير حتى يقوم بتوظيفها ونقلها من النظري إلى العملي. التجربة التي قادت “فاراداي” لاكتشاف الحث الكهروستاتيكي هي ما يعرف بتجربة التحريض المتبادل بين ملفين، عن طريق ملف أولي وملف ثانوي. اكتشف “فاراداي” أنه عند وضع ملفين أولي وثانوي وإمرار تيار كهربائي في الملف الأولي فإنه ينشأ فرق جهد وتيار كهربائي لحظي في الملف الثانوي، وكانت هذه بداية لثورة ابتكارات الحث الكهرومغناطيسي الذي يعتمد عليه تشغيل الهواتف والدينامو وجميع الصناعات الكهربائية في العالم، بما فيها الإضاءة الكهربائية، والقطارات الكهربائية، والطلاء بالكهرباء، والطباعة الكهربائية وغيرها.

حاول “دافي” والعالم البريطاني “هيول ولستون” تصميم محرك كهربائي ولكنهما فشلا، فقام فاراداي بمناقشة المشكلة مع العالِمَين ثم حاول بناء جهاز بدائي، وهو ما يعرف الآن بالمحرك وكانت فكرة عمله هي ملف مستطيل الشكل من النحاس موضوع داخل مغناطيس وموصل بمصدر للتيار، فعندما يمر التيار في الملف المستطيل تتولد قوتين فيه متساويتان في المقدار ومتعاكستان في الاتجاه فيتولد ما يعرف بعزم الازدواج (عزم المزدوجة)، الذي بدوره يجعل الملف يدور حول محوره. هذه التجارب والاختراعات ساهمت كثيرًا في تأسيس تكنولوجيا الكهرومغناطيسية.

ومن ضمن الابتكارات التي لحقت هذا الاكتشاف هو ملف الحث الذي اخترعه “نيكولاس كالان” عام 1836. ونشر الفيزيائي الأمريكي “جوزيف هنري” تقريرًا مهما حول كيفية زيادة القوة المغناطيسية الناتجة عن مرور تيار كهربائي في ملف عن طريق وضع قالب من الحديد المطاوع داخل الملفات.

وعلى أثر هذه الاكتشافات والنتائج ابتكر صانع الآلات الألماني “هاينريش دانيال رومكورف” الملف المعروف بـ”ملف رومكورف” الذي يستخدم الآن في آلات الاحتراق الذاتي في الطائرات والسيارات حيث يقوم بتوليد شرارة كهربائية تُشعل الوقود، وحصل “رومكورف” على براءة اختراع عام 1851.

شرح مبسط لعملية الحث الكهرومغناطيسي: عندما يمر تيار متغير في ملف أو سلك ما ينشأ عن مرور الإلكترونات مجال مغناطيسي متغير، وعندما تلامس خطوط الفيض تلك أي سلك آخر أو تقطعه، تقوم بتحريك الالكترونات الحرة بين طرفي هذا السلك مما يتسبب في إنشاء قوة دافعة مستَحَثّة (متحرِّضة) لحظية وتيار مستَحَث لحظي.

وفي سنة 1866 تمكن “فارلي” من إحراز تقدم ملحوظ في صناعة المولّد الكهربائي. ثم اكتشف كل من الدكتور “تشارلز وليام سيمنز” و”تشارلز ويتستون” أنه عندما يدور ملف المولد الكهربائي بين قطبي مغناطيس يتولد تيار ضعيف.

وفي عام 1860 أحرز الدكتور “انطونيو باسينوتي” تقدماً مهماً عندما ابتكر أول آلة كهربائية، تلك الآلة هي أول محرك كهربائي تم استخدامه. ومن ثم تم استخدامه كمولد كهربائي وكانت أهم استخداماته هي الطلاء الكهربائي.

وفي عام 1887 انتشرت على نطاق واسع مولدات التيارات المترددة والتي تم تعديلها وأصبحت تيارات مستمرة، وابتكار المحولات الكهربائية التي ساعدت على توصيل الكهرباء لمسافات طويلة.

وفي يوم الجمعة 8 نوفمبر عام 1895 كان العالم “ويلهلم كونراد روتنجن” الفيزيائي و أحد أساتذة الفيزياء في جامعة ميونيخ يقوم بتجاربه المعتادة باستخدام أنبوبة “كروكس” موصولة من طرفيها بأقطاب موجبة وسالبة من مواد موصِلة.

وُصِلَت الأنبوبة بملف رومكورف الحثّي الذي يمد الأنبوبة بكمية يمكن التحكم بها من التيار الكهربائي، وعندما انخفض الضغط داخل الأنبوبة بواسطة مضخة يدوية، نشأ فراغاً داخل الأنبوبة، فمرر “روتنجن” التيار الكهربائي، حينها أخذ الشعاع ينتقل من المهبط إلى المصعد وظهر ضوء خافت يُمكن رؤيته.

 

 

كان روتنجن يحاول التأكد إذا كان أي ضوء من المهبط يهرب من الأنبوبة، لكنه لم يستطع فعل ذلك لأن الغرفة كانت مضاءة. أنزل الستائر وغطى الأنبوبة بغطاء أسود ثم كرر التجربة.

لاحظ “روتنجن” أمراً غير عادي: كانت هناك طاولة في جزء آخر من المعمل وكان عليها لوح مغطى بمركب “بلاتينوسيانيد الباريوم” وهو مادة فوسفورية كان يستخدمها في تجارب أخرى.

توهج اللوح المغطى بهذه المادة بوميض خافت وهو في الناحية البعيدة من المعمل. وبعد سنوات من ذلك سأل بعضهم “روتنجن” ما الذي كان يُفكر فيه في تلك اللحظة، فأجاب: “لم أكن أفكر، لقد كنت أفحص وأدرس” كرر “روتنجن” التجربة عدة مرات وحصل على النتيجة نفسها.

أزاح اللوح بعيداً وأداره إلى الناحية الأخرى بعيداً عن الأنبوبة، وعندما مرر تيار كهربائي كانت النتيجة نفسها في انتظاره.

كان المعمل مظلماً، أي أن الضوء المرئي لم يكن هو الذي أثار اللوح، وكانت الأنبوبة معزولة بحاجز حتى لا تهرب منها الأشعة.

ومع ذلك فقد اخترقت الأشعة هذا الحاجز وانتلقت عبر الهواء وأثارت اللوح. أدرك “روتنجن” أنه قد اكتشف نوعاً جديداً من الأشعة، وقد أطلق عليها “الأشعة المجهولة”، “اشعة اكس”.

منع “روتنجن” الزائرين عن معمله.

وعمل جاهداً باستمرار على مدى ثمانية أسابيع في سرية تامة. فكان يأكل وينام بشكل متقطع. كرر التجارب مرات ومرات لمحاولة أن يجعل الأشعة تحيد أو تُحجب بوضع يده بين الأنبوب واللوح، فرأى صورة لهيكله العظمي على اللوح.

قام بعد ذلك بوضع الخشب والورق والقصدير والمطاط ومواد أخرى كثيرة في الوضع نفسه. وبذلك يستوضح البنية الداخلية لهذه الأشياء في صورة بأشعة “روتنجن” (صورة بالظل) كما كانت تسمى فيما بعد.

وسريعاً ما وجد اكتشاف “روتنجن” تطبيقاته في الطب، حيث زُوِّد الأطباء بطريقة ثمينة للنظر داخل الجسم البشري. استبدل “روتنجن” اللوح بألواح فوتوغرافية للحصول على صورة دائمة لداخل الأشياء، فكان يُسجل وجود نقود داخل صناديق خشب على سبيل المثال، وأخيرًا أعلن “روتنجن” اكتشافه لزوجته “بيرثا” وطلب منها أن تحضر لمعمله، وأخبرها أن تضع يدها على اللوح الفوتوغرافي بينما قام هو بتوجيه الأشعة السينية عليها لمدة خمسة عشر دقيقة.

تم تسجيل عظام يد مدام بيرثا.

وبعد أسبوعين نشرت جريدة في فيينا “داي بريس” صورة ليد بيرثا وحينها أصبحت تقريباً أشهر صورة في العالم.

وفي عام 1901 حصل “روتنجن” على جائزة نوبل في الفيزياء، ورغم أنه كان رجلا فقيراً، تبرع بما يساوي سبعين ألف فرنك ذهبياً للأعمال الخيرية، ورفض تسجيل اكتشافه كبراءة اختراع.

كل الذي تم عرضة في هذا المقال هو تأكيداً على أن البحث العلمي كان ومازال مستقبل العالم، لو لم يقم “فرانكلين” بتجربته “الطائرة والمفتاح” لما كنا نشهد على وجود أنواع أخرى من الكهرباء، ولو أن الطبيب “جلفاني” لم يُشرح هذا الضفدع في هذا اليوم ولم تحدث رعشة لعظام فخذ الضفدع، لما اخترع ما نعرفه الآن بـ “الخلايا الجلفانية” التي هي مصدر للطاقة التي تُستخدم في الكثير من الأعمال الكيميائية، وبدون مساعدة نتائج الطبيب “جلفاني” لما كان يستطيع “ألساندرو فولتا” اختراع البطارية، لو لم يكتشف العالم “هانز كريستيان أورستد” أن هناك علاقة بين المجال المغناطيسي والتيار الكهربائي بفضل بوصلة كانت بالصدفة معه بين أدواته، لما استطاع “فاراداي” ابتكار فكرة المحرك الكهربائي ولما استطاع “هنري” اختراع المحول ولما استطاع “رومكورف” اختراع ملفه الشهير الذي استخدمه “روتنجن” في اكتشاف أشعة أكس، ولما كنا نستطيع الآن مشاهدة التلفزيون، ولا عمل مكالمة هاتفية ولا الاستماع إلى الراديو…وبالتأكيد لن أستطيع حصر الإنجازات العلمية المُعتمدة على كل هذه السنين من البحوث والاكتشافات.