قد يبدو التخلي عن النوم وتخطي القيلولة أعلى مراتب الإنتاجية؛ إنه نمط حياة، نربطه بأصحاب الثروة والسلطة في العالم، فضلًا عن خبراء التكنولوجيا، لا سيما في المجتمعات المهووسة بزيادة الأداء والإنتاجية. وهذا ليس جديدًا، فالمخترع الشهير توماس أديسون كان يحاول دائمًا اختصار ساعات نومه. إذن، هل النوم مدة تقل عن 8 ساعات في اليوم يحقق مردودًا وإنتاجية أكثر؟

في الواقع، ليس الأمر بهذه البساطة، ولا يعد صحيًا أيضًا.

تقول سيوبان بانكس الباحثة في اضطرابات النوم من جامعة الجنوب الأسترالي: «أظهرت الدراسات في السنوات العشر الماضية، أن عمليات الأيض وعمليات الجهاز المناعي للجسم يتأثران تمامًا بالحرمان من النوم».

«وتتأثر أيضًا القدرة على استقلاب الأطعمة ومقاومة العدوى، إضافةً إلى العديد من العمليات الفيزيولوجية في الجسم. ويكون الأشخاص الذين ينامون قليلًا منذ مدة طويلة أكثر عرضةً للسمنة والسكري من النمط الثاني وبعض السرطانات».

ويجب ألا ننسى السلبيات على المدى القريب، ومنها مشكلات الذاكرة وضعف رد الفعل والتعب، التي كثيرًا ما نعاني منها بعد ليلة لم نحظ فيها بنومٍ كاف.

ولكن للتقليل من حرمان النوم، هنالك طرائق أخرى غير النوم مدة 8 ساعات متواصلة.

القوة الكامنة للقيلولة:

تجرب النخبة التي لا تنام أن تتبع طرقًا مختلفة لتخطي النوم وتقليله إلى الحد الأدنى، وبسبب ذلك ينتهي بهم الأمر إلى اتباع أنظمة نوم غريبة، بعضها قد يكون أفضل من الآخر.

مثلًا، وفي عام 1943 اقترح (ريتشارد فوللر) في مقال نشر في مجلة التايم طريقةً للنوم، ينام فيها الشخص ما مجموعه ساعتين يوميًا فقط!.

تقسم هاتين الساعتين إلى فترات، كل منها 30 دقيقة، ولكنه لم يستمر على نظام النوم هذا بسبب استياء زملائه منه.

تتحرى الباحثة بانكس -بصفتها مختصة في دراسة الحرمان من النوم- حالات النوم عند الكثير من الأشخاص، وتعمل على تقليل مشكلات النوم الناشئة في بيئة عمل المناوبات أو التي تتضمن قدرًا قليلًا من النوم.

هنالك العديد من جداول النوم متعدد الأطوار كما هو الحال عند (فوللر)، وجميعها تتمحور حول فكرة نوم أقل، ولكن على جرعات وبتكرار أكثر.

وتوضح بانكس، أن هذه الجداول أيضًا لن تعمل جيدًا على المدى الطويل لأنها تتيح لنا ساعات نوم قليلة في اليوم، ولكنها تمتلك ميزة تصب في صالحها ألا وهي القيلولة.

وتقول بانكس أيضًا: «هنالك العديد من الأدلة حول عدم ضرورة الحصول على قدر كافٍ من النوم دفعة واحدة».

وتضيف: «في العديد من البيئات العملية قد يكون النوم مدة 4 أو 5 ساعات متواصلة كافيًا، ثم ردفها بقيلولة لساعة أو ساعتين في فترة الظهر، ويمكن أن نعد ذلك طريقة للتحايل على نومنا».

يعد طول مدة القيلولة قليل الأهمية، فالأهم من ذلك هو أن الأشخاص الذين ينامون ساعات أقل، يجب أن يأخذوا عددًا أكبر من القيلولات.

مع ذلك، لا نستطيع البقاء معتمدين على القيلولات وحدَها، إذ يحتاج دماغنا إلى إتمام دورة نوم واحدة طويلة على الأقل ليبقي كل شيء منسجمًا ومنسابًا.

يعود ذلك إلى كون نومنا المسائي له تشريحه الخاص، ويتألف من طورين أساسيين، هما: طور نوم الريمي REM (حركة العين السريعة)، وطور النوم اللاريمي.

ويقسم طور النوم اللاريمي بدوره إلى ثلاث مراحل، المرحلة الأولى هي عند الشروع في النوم، وتستمر فقط لبضعة دقائق. والمرحلة الثانية هي مرحلة النوم الخفيف وفيها تنخفض درجة حرارة الجسد وتتوقف حركة العين، وتستمر في بداية الليل مدة من 10-25 دقيقة، ولكنها تطيل فترة النوم.

أما المرحلة الثالثة فهي نوم الموجة البطيئة، ويحدث غالبًا في النصف الأول من الليل. وهو نوع النوم الذي نحتاج إليه للاستيقاظ بنشاط صباحًا.

يختلف نوم حركة العين السريعة كثيرًا عن النوم الهادئ اللاريمي. عندما نركل أو نهتز أو نقوم بأي نوع من الحركات الأخرى في أثناء نومنا، فنحن غالبًا في هذا الطور من النوم، وهو أيضًا الطور الذي تحدث فيه الأحلام.

تكون كل هذه المراحل مهمة جدًا لأسباب عديدة. ولكن يُعتقد أن المرحلة الثالثة تتضمن عمليات الشفاء والترميم للدماغ، وكذلك المحافظة على النوم عمومًا.

والأهم من ذلك أن دورة النوم هذه بكاملها تستمر نحو 70-120 دقيقة لكل دورة، ولذلك حتى مع 4 أو 5 ساعات نوم يمكننا الحصول على جميع العناصر المطلوبة للراحة. وعندها يمكن للقيلولات اللاحقة أن تساعدنا على إتمام فترة النوم الطويلة والمطلوبة هذه.

الكافيين قبل القيلولة:

حتى إذا كانت القيلولة غير كافيةٍ لنا فلا يزال لدى بانكس حيلة أخرى في جعبتها، وهي مثيرة خصوصًا لعشاق القهوة.

تقول بانكس أن فريقها البحثي نشر دراسة تتناول فكرة احتساء القهوة قبل أخذ القيلولة.

إضافةً إلى أدواره الجسدية الأخرى، يمنع الكافيين مركب الأدينوزين من التراكم في الدماغ وهذا المركب يقلل من معدل إطلاق الدماغ للهرمونات ويساعد على النوم، وفور نومنا ينقل بعيدًا لنبدأ يومنا بنشاط مرة أخرى.

وبهذا يجعلنا النوم والقهوة أكثر نشاطًا من قبل، وهي الطريقة الأسهل بالنسبة لبانكس، حسب قولها.

في المرة القادمة عندما تشعر بأن القيلولة مضيعة للوقت، تذكر أن الحقيقة تقول العكس!. وأنه ما من طريقة للتحايل على النوم، أفضل وأكثر إنتاجية من قيلولة سريعة.

اقرأ أيضًا:

احذر النوم لساعات طويلة كي لا تتدهور قدراتك المعرفية

اضطرابات النوم تكلف نحو 95 مليار دولار سنويًا

ترجمة: زياد جمال

تدقيق: جنى الغضبان

مراجعة: حسين جرود

المصدر