إن البشر مثل معظم الحيوانات الاجتماعية، يعكسون سلوكياتهم وتعابيرهم الخاصة، يسمي علماء النفس هذا الفعل بالتقليد، الذي يُشعِر البشر بالإيجابية في أثناء وجودهم وتفاعلهم مع بعضهم. يقول الباحث غيلس مصطفوي من جامعة سيرجي بونتواز في فرنسا: «عندما يتفاعل البشر، يتبنون إيقاعات بعضهم من ناحية التحدث والتنفس والحركة، هذا يمثل نوعًا من التلاحم الاجتماعي».

يساعد التقليد أو التشابه بين الأنواع المختلفة مثل البشر والقرود على الترابط بينها، ويقول مصطفوي: »إذا كان لدينا هذا النوع من التفاعل بين الإنسان والروبوت ، يمكن تطويرها لتصبح تفاعلات بديهية».

أجرى مصطفوي مع زملاؤه دراسةً صغيرة نُشِرت في مجلة بلوس ون حول تفاعل البشر مع الروبوتات، أثبتت هذه الدراسة صحة فكرة أن البشر يمكنهم التنسيق بطريقة بديهية مع الروبوت، إذا كان الروبوت يتحرك بطريقة مشابهة للبشر.

إذ وجدوا أن البشر يعكسون حركة الروبوتات التي يتفاعلون معها، وأن التنسيق الإيقاعي بين الإنسان والروبوت يشبه التنسيق بين البشر فيما بينهم.

أجرى الباحثون تجربةً بسيطة، وضعوا 15 شخصًا مقابل روبوت يسمى ناو -NAO، وضع الأشخاص أذرعهم أمامهم وحركوها للأعلى وللأسفل، وفعل الروبوت الشيء نفسه أيضًا، لم يعلم الأشخاص هل الروبوت يفعل ذلك من تلقاء نفسه أو يتفاعل مع حركاتهم ويقلدها. يُتحكم في حركة الروبوت بوساطة جهاز كمبيوتر يُشغل خوارزمية تسمح للروبوت إما بمزامنة حركات الإنسان أو التحرك بوتيرة ثابتة.

من ثم طلب الباحثون من الأشخاص أن يتحركوا بالطريقة التي يريدونها بصرف النظر عن حركات الروبوت، ومن ثم طلبوا منهم محاولة تقليد حركات الروبوت، إضافةً إلى تجربة حالة تحرك الأشخاص بحرية في أثناء ارتدائهم عصابة العين.

من طريق تلك التجارب لاحظ الباحثون تطابق حركات جميع الأشخاص تقريبًا مع حركات الروبوت، عدا شخص كان يتحرك دائمًا بطريقة غير منتظمة مع الروبوت.

قال مصطفوي إنهم لم ينجحوا في مطابقة حركات هذا الشخص ومزامنتها مع الروبوت، حتى عندما استخدم النموذج العصبي الذي طوره لمزامنة حركات البشر مع الروبوت، يُظن أنه كان يتجنب مزامنة حركات الروبوت عن عمد.

لاحظ معظم المشاركين تزامنهم مع الروبوت لكنهم لم يكونوا متأكدين من أن حركات الروبوت نفس حركاتهم أو أن الروبوت يعدل حركاتهم، لذلك اقترح مصطفوي طريقةً للتأكد من قصد الروبوت بتقنية EEG-fMRI (تقنية للتصوير العصبي لدراسة نشاط الدماغ الكهربائي) ليُحدد نمط السلوك.

كان مصطفوي جزءًا من فريق استخدم روبوت NAO مع مرضى الفصام الشخصي لإعادة تنسيق حركاتهم، ومساعدتهم على القيام بالتفاعلات الاجتماعية العادية، لأن العديد منهم لا يمارسون الرياضة بانتظام ويعانون عجزًا اجتماعيًا.

طُلِب من الباحث مصطفوي دراسة تأثير الروبوت في المرضى الذين يعانون مرض كتاتونيا (مرض يتسبب في تجميد حركات الأشخاص)، لاحظ مصطفوي تقليد المرضى حركات غيرهم دون وعي وإدراك، لذلك يظن أن الروبوت يمكنه المساعدة في هذه الحالة.

هل يجب على المهندسين تعليم الروبوتات مهارات اجتماعية بسيطة؟

إن التنسيق غير المقصود مهم في البيئات الاجتماعية البشرية، ربما لأنه مرتبط بالانتباه والتعلم. ولأنه يعد مهمًا للتفاعل بين البشر، هذا يعني أنه مهم للتفاعل بين الإنسان والروبوت.

إذن، هل يؤثر ذلك في تصميم الروبوتات مستقبلًا؟

بدأ المهندسون في الابتعاد عن الروبوتات الميكانيكية القوية والتوجه نحو الروبوتات الأكثر نعومة التي تتميز بخصائص فسيولوجية بشرية أو حيوانية، والتي تساعد على جعل الحركات والإيماءات طبيعية أكثر، يظن مصطفوي أن أنظمة الروبوتات تحتاج إلى التفاعل معنا ومنه يجب بناء خوارزميات جديدة ذات حركية طبيعية وردود أفعال حسية، وليس من الضروري أن تكون معقدةً كثيرًا حتى تكون فعالة. يقول مصطفوي: »إذا حاولت أن أتنبأ بكل ما تفعله، فلن يكون تفاعلنا طبيعيًا، لسنا بحاجة إلى التحكم أو توقع موضع كل تعبير. لأن المفاهيم البسيطة تجعل التفاعلات ثنائية الاتجاه أكثر مرونةً، مثل إيماء الرأس عند الاستماع لشخص آخر ليعلم أنك تستمع له».

اقرأ أيضًا:

تعكس الوجوه البشرية تعابير عاطفية أوسع مما ندرك

نُدل طوكيو الآلية تُقدم رؤية جديدة لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة مهنيًا في المجتمع

ترجمة: تسنيم فندقلي

تدقيق: محمد الشعراني

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر