تعد المرافق الخاصة بالطاقة والنقل والمياه من المنشآت العامة التي تعود بالنفع على مفاصل الاقتصاد كافة، ما يتطلب دعمًا حكوميًا موجهًا لها. وبصرف النظر عن عوائد منتجاتها النهائية، تُوصف مشاريع البنية التحتية بأنها طرائق فعالة للتحفيز المالي.

ولكن، بالتدقيق أكثر، نلاحظ أن هذا التحفيز الاقتصادي -الناجم عن مشاريع البنية التحتية- ليس واضحًا، مقارنة بالفوائد الناجمة عن مشاريع البنية التحتية ذاتها.

تعد هذه النقطة مهمة جدًا؛ لأن مشاريع البنية التحتية محط أنظار السياسيين، باعتبارها إحدى أشكال التحفيز المالي.

يؤدي الإنفاق على مشاريع البنية التحتية إلى تمدد عمراني، ما يذكر الناخبين أن الحكومة حاضرة وفعّالة، وهنا يجب على المواطنين الباحثين بهذا الشأن إدراك نقاط القوة والضعف وفهمها، فيما يخص قضية التحفيز الاقتصادي المرتبط بالإنفاق على البنية التحتية، خوفًا من إهمال السياسيين لها باعتبارها مؤشرات سياسية قوية.

من المهم جدًا معرفة أن الإنفاق على البنية التحتية يحفز الاقتصاد، ولكن هل يفعل ذلك بنحو أفضل من الطرائق الأخرى للتحفيز المالي؟

عمومًا، ومن واقع التجربة، نستنتج أن الإنفاق على البنية التحتية له تأثيرات تحفيزية في الناتج المحلي الإجمالي (GDP) أكثر من أشكال الإنفاق الأخرى.

ومع ذلك، توجد اعتراضات على ذلك، وتشكيك بالفاعلية التحفيزية المتعلقة بهذا النوع من الإنفاق.

بنحو علمي، يمكن الوصول إلى هذا المستوى من الفاعلية في ظروف محددة فقط، ما يحدُّ من إمكانية استخدامها في حالات أخرى.

نظرية تحفيز البنية التحتية:

إن فكرة التحفيز الاقتصادي من طريق الإنفاق على البنية التحتية مرتبطة بالاقتصاد الكينزي (نسبة إلى البريطاني جون كينز).

وفقًا للنظرية الكينزية، وعندما يحصل ركود، من الممكن أن يتعطل الاقتصاد وترتفع معدلات البطالة، ويتأثر الناتج المحلي الإجمالي (GDP) لفترة طويلة، نتيجة تراجع الطلب الإجمالي .

عندما يشتري المستهلكون والشركات بضائع أقل، تفقد الشركات العمال، الذين بدورهم يشترون بنحو أقل، ونبقى في حلقة من الاكتفاء الذاتي.

تبعًا للمدرسة الكينزية، يمكن التعامل مع هذا الوضع بتعويض نقص طلب القطاع الخاص مباشرة، باستبداله بالطلب المتعلق بالقطاع العام المموّل من الإنفاق بالعجز. عمومًا، يمكن أن يكون هذا الإنفاق على أي شيء.

لإثبات وجهة نظره، أطلق كينز تجربة فكرية لتحفيز الاقتصاد في حالة البطالة الشديدة، من طريق وضع المال في مناجم الفحم، والسماح للناس بالتنقيب عنها.

ولا يمكن الأخذ بفكرة كينز بالمعنى الحرفي، بل يجب تسليط الضوء على الأثر الإيجابي الذي ينتج من التحفيز المالي، خاصةً في دفع عجلة الإنتاج في الاقتصاد. من الممكن أيضًا بناء المنازل نوعًا من أنواع التحفيز.

إن فعالية التحفيز في سد فجوة الإنتاج تستند إلى مبدأ التأثير المضاعف؛ بمعنى أن كل مبلغ تنفقه الحكومة سيؤثر إيجابيًا في إنفاق القطاع الخاص.

مثلًا، تدفع الحكومة المال لأحد الأشخاص لإنشاء طريق، وبدوره يُنفق المال في المتاجر القريبة. وبالتالي، سيؤدي هذا الإنفاق إلى توظيف عمال أكثر بالمال المُنفق، وهكذا.

إن حجم هذا التأثير يعتمد على طريقة إنفاق هذه الأموال، مثلًا: إذا أعطيت هذه الأموال لأشخاص يدخرونها، فذلك سيحد من التأثير المضاعف وعلى النقيض تمامًا، إعطاء المال لأشخاص سينفقونها سيسهل مرور هذه الأموال للاقتصاد بالتالي تأثير مضاعف أكبر.

بهذه العملية، يمكن أن يؤثر التحفيز المالي بنحو أكثر في الاقتصاد (بصرف النظر عن الأموال التي أُنفقت)، وسيتيح خروج الاقتصاد من الركود بإنفاق أقل من العجز.

الأثر الاقتصادي لتحفيز البنية التحتية:

تشير التقارير الصادرة عن مكتب الميزانية للتحليل والبحوث الاقتصادية إلى أن الإنفاق الاستثماري العام يُحفز مكونات الإنفاق الخاص في الناتج المحلي الإجمالي (GDP)، من طريق التأثير المضاعف بنحو أكبر من الأنواع التحفيزية الأخرى، ولذلك يبدو الإنفاق على البنية التحتية خِيارًا جذابًا للتحفيز المالي.

لعكس آثار الصدمة الاقتصادية السلبية من طريق تحفيز الاقتصاد، أجمع مؤيدو التحفيز على ثلاث نقاط يجب توفرها لزيادة فعالية التحفيز بالإنفاق، وهي:

  1.  التوقيت المناسب: من أجل إنقاذ الاقتصاد من خطر الهبوط، ينبغي إدخال التحفيز بسرعة في الاقتصاد. قد تستغرق إجراءات التحفيز وقتًا طويلًا، ربما شهورًا أو سنوات، حتى تكتمل، وتعطي التأثير المناسب. ومن الممكن أن تؤدي أدوارًا سلبية، إذا حدثت بعد فوات الأوان، وزادت من أزمة الاقتصاد.
  2.  الشرائح المستهدفة بالإنفاق: لزيادة الأثر التحفيزي للإنفاق، من الضروري وصول الأموال إلى أشخاص ينفقونها بسرعة. يستهدف هذا الإنفاق عادةً أصحاب الدخل المنخفض والمتضررين من الانكماش الاقتصادي. أما الأشخاص الذين يدخرون المال ويسعون إلى سداد ديونهم بها، فمن المحتمل أن يؤثروا سلبًا في سير عملية التحفيز عبر تخفيض التأثير المضاعف.
  3.  الاستدامة: يجب أن يكون الإنفاق مؤقتًا، وضمن الفترة الضرورية للخروج من الركود. لأن الزيادات الدائمة في الإنفاق، يمكن أن تؤدي إلى حدوث ديون حكومية، وأخذ دور الإنفاق الاستثماري الخاص، إضافةً إلى خلق مشكلات اقتصادية غير مرغوب فيها.

البنية التحتية محفز قوي ولكن ليس في الحالات جميعها:

إن الإنفاق على البنية التحتية، وفي حالات معينة، قادر على تحفيز مجموعات اقتصادية متعددة، كالناتج المحلي الإجمالي أو العمالة الكلية.

ونظرًا إلى الوقت الذي تتطلبه مشاريع البنية التحتية للإنشاء، فلا يمكنها دائمًا خلق التحفيز في الوقت اللازم في أثناء أزمات الركود.

وأيضًا إذا بدأ العمل على مشاريع البنية التحتية دون خضوعها لتخطيط جيد؛ بغية خلق تحفيز في وقت مثالي، قد يكون لذلك عواقب سلبية على الاقتصادات الإقليمية حتى بعد انتهاء فترة الركود.

نستنتج أن التدخل الحكومي الفعال للتحفيز يستوجب تأمين التمويل اللازم للمشاريع المتعددة؛ قيد الإنشاء والمُخطط لها سابقًا، لذلك أصبحت البنية التحتية أداة تحفيز أقل فاعلية، لأن تلك المشاريع يجب أن تكون قائمة في المناطق الأكثر تضررًا من الركود الاقتصادي، ما يجعل الخيارات أقل.

وأيضًا، يجب أن يكون الركود قد ضرب صناعات مثل: البناء والصناعات الثقيلة، التي تساهم في إنشاء البنية التحتية، وإلا لن يُوجّه التحفيز للأشخاص المتضررين من الأزمة الاقتصادية، بمعنى آخر؛ تأثير مضاعف أقل فاعلية في التحفيز.

يمكن القول إن هذه الاعتبارات تؤكد فعالية التحفيز لكن بصورة محدودة جدًا، وفي حال تجاهلنا هذه الاعتبارات، سنكون أمام بنية تحتية قليلة التأثير في السياسة المالية، أو تتحول حتى إلى أداة ذات نتائج مضادة.

اقرأ أيضًا:

العجز المالي وآثاره في الاقتصاد

ما العلاقة بين الانتاج والنمو في الاقتصاد

ترجمة: علي يوسف

تدقيق: عبد المنعم الحسين

مراجعة: حسين جرود

المصدر