جوزيف لويس شومبيتر عالم ومؤرخ اقتصاد نمساوي، ويعد من أعظم مفكري القرن العشرين. تعود شهرة شومبيتر إلى نظرياته في الدوائر الاقتصادية، وفي تطوير الاقتصادات الرأسمالية، وأيضًا إلى تقديمه مصطلح ريادة الأعمال.

يرى جوزيف شومبيتر أن رائد الأعمال هو حجر أساس الرأسمالية ومصدر الإبداع والقوة الحيوية التي تقود الاقتصاد الرأسمالي.

حياته المبكرة وتعليمه:

ولد شومبيتر في مورافيا التي تقع في جمهورية التشيك عام 1883 لأبوين ألمانيين، درس الاقتصاد من رائدي المدرسة النمساوية التقليدية، ومنهم فريدريش فون فيزر ويوجين فون بوم بافيرك.

شَغل شومبيتر منصب وزير المالية في الحكومة النمساوية، ورئيسًا لبنك خاص، ومدرسًا في جامعة، من عام 1925 وحتى العام 1932، إذ شغل مقعدًا في جامعة بون.

انتقل إلى الولايات المتحدة، لأنه لم يكن مرتاحًا لصعود الحزب النازي ليُدرس في جامعة هارفارد عام 1932. وفي عام 1947، أصبح أول مهاجر يُنتخب لمنصب رئيس الرابطة الاقتصادية الأمريكية.

في أوائل القرن العشرين تطور علم الاقتصاد في الولايات المتحدة وبريطانيا إلى جانب نماذج التوازن العام الموجهة رياضيًا.

اختلف عمل شومبيتر في ذلك الوقت، إذ رُمِز إلى النهج القاري الأوروبي (المعروف بدقته واعتماده بدرجة أقل على الافتراض)، رغم أن بعض نظرياته مستمدة من قوانين وَالراس في نظرية التوازن العام.

أبرز إنجازاته ونظرياته:

قدم شومبيتر العديد من الإسهامات في العلوم الاقتصادية والنظرية السياسية، ولكن شهرته أتت من كتابه، الذي صدر عام 1942، بعنوان: «الرأسمالية والاشتراكية والديمقراطية»، الذي وضع الخطوط العريضة لنظرية النمو الاقتصادي الديناميكي، المعروفة باسم «التدمير الإبداعي».

ويرجع إليه الفضل لتقديمه أول مراجع ألمانية وإنكليزية للمنهجية الفردية في الاقتصاد.

التدمير الإبداعي:

جاء إرثه الأكثر استمرارية من فصل كتبه ضمن كتابه (الرأسمالية، الاشتراكية والديمقراطية).

كان ذلك الفصل المؤلف من ست صفحات بعنوان «التدمير الإبداعي»، وقدم فيه نظرة جديدة فريدة عن كيفية تطور الاقتصاد، مخالفًا بشدة الآراء الاقتصادية التقليدية في عصره، التي أكدت أن الأسواق تميل ميلًا سلبيًا نحو التوازن إلى أن يُقضى على هوامش الربح.

عوضًا عن ذلك، جادل شومبيتر بأن التطور الاقتصادي ليس تدريجيًا وهادئًا بل مفككًا، ومفاجئًا، ومزعجًا أحيانًا، استخدم مصطلح «التدمير الإبداعي» لوصف عملية تفكيك الممارسات القديمة؛ لإفساح المجال أمام تقنيات جديدة وأنواع جديدة من المنتجات وأساليب جديدة للإنتاج والتوزيع.

«على الشركات الموجودة في السوق التكيف سريعًا مع البيئة الجديدة، وإلا ستفشل»، لو شعرتم أنها جملة داروينية فهي كذلك.

لمح شومبيتر قائلًا: «إن عملية التحول الصناعي -لو سمحتم لي استخدام المصطلح الحيوي- التي تغير باستمرار البنية القديمة لتصنع بنية جديدة»، وكتب: «إن عملية التدمير الإبداعي هي الحقيقة الجوهرية عن الرأسمالية».

ريادة الأعمال:

في كثير من النواحي، رأى شومبيتر الرأسمالية نوعًا من الثورة المستمرة التي تعطل الهرمية الاجتماعية والاقتصادية الحالية، وضمن هذا النظام يصبح رائد الأعمال المُغير الثوري للنظام القائم والصانع الحقيقي للتغيير الديناميكي.

يُظن بأن شومبيتر هو أول عالم قدم للعالم مفهوم أو على الأقل الدلالة الاقتصادية لمصطلح ريادة الأعمال.

وابتكر الكلمة الألمانية (Unternehmergeist)، التي تعني روح الريادة أو المبادرة التجارية، مضيفًا بأن هؤلاء الأفراد «رواد الأعمال» سيطروا على الاقتصاد؛ لأنهم مسؤولون عن إيصال الإبداع والتغيير الاجتماعي.

إن رواد الأعمال عادة القوة المرشدة وراء التدمير الإبداعي؛ لأنهم يطورون المنتجات الجديدة، والتكنولوجيا، أو طرائق الإنتاج، التي تقدم دافعًا إلى التغيير.

يؤدي الإبداع والابتكار الريادي إلى تدمير الوضع الراهن على نحو مستمر، ويساعد على إدخال نوع جديد من التوازن، ما يجعل الظروف المعيشية الأفضل أمرًا ممكنًا.

الدورات الاقتصادية:

ترتبط هذه النظرية بظن شومبيتر بوجود دوائر الاقتصاد، إذ يرى شومبيتر أن التاريخ الرأسمالي يتخلله موجات قصيرة وطويلة. تأتي الموجة الطويلة بسبب مجموعة جديدة من التقنيات والصناعات، التي ظهرت إلى حيز الوجود. وفقًا لهذه النظرية، يمكن توقع تطورات رئيسية في الابتكار كل 50 أو 100 عام.

كتب شومبيتر في كتابه (نظرية التطور الاقتصادي) الصادر عام 1911: «باستثناء عدد قليل جدًا من الحالات التي ظهرت فيها صعوبات بالحساب، يمكن أن نعد إحصائيًا وكذلك تاريخيًا، ست دورات جوغلرز (دورة اقتصادية مدتها تتراوح بين 8 الى 10 سنوات) إلى دورة كوندراتييف (مدتها تتراوح بين 50 الى 60 سنة)، وثلاث دورات كيتشنز (مدة كل دورة كيتشنز 40 شهر) إلى دورة جوغلرز. إذ تحسب كل حالة على حدة، وليس باستخدام المتوسط الحسابي، باستثناء -كما ذكرنا سابقًا- بعض الحالات».

يقول شومبيتر: «كلما دخل رائد أعمال إلى صناعة موجودة، فإنه من المرجح بأن العاملين فيها والمشاريع وحتى قطاعات بأكملها قد تسقط مؤقتًا نحو الخسارة».

ويشرح بأن هذه الدورات الاقتصادية يمكن تقبلها لأنها تسمح بتحرير الموارد نحو استخدامات أكثر إنتاجية.

أمثلة على نظرية جوزيف شومبيتر:

إن الإنترنت أحد أفضل الأمثلة عن «التدمير الإبداعي»، المصطلح الذي صاغه شومبيتر لوصف عملية تفكيك الممارسات القديمة القائمة، بهدف فتح الطريق أمام تقنيات جديدة، وأنواع جديدة من المنتجات والطرق للتوزيع، لذا على الشركات القائمة أن تتكيف مع البيئة الجديدة، وإلا ستفشل.

وتسبب أيضًا بتقليص عدد كبير جدًا من الأعمال، ومنها وظيفة أمين الصندوق في البنك، والسكرتاريا، ووكلاء السفر، وموظفي متاجر البيع بالتجزئة.

ومع صعود تقنية إنترنت الهاتف المحمول، عانت قطاعات نشر المواد المطبوعة -أو بالأحرى كل شيء له علاقة بالطباعة، من المجلات إلى الخرائط- خسائرَ فادحة.

فالإنترنت -إضافة إلى ابتكارات أخرى في مجال تقنية المعلومات، كالمعالجات الدقيقة، والليزر، والألياف الضوئية، وتقنيات الاقمار الصناعية- غيَّر الطريقة التي تجري فيها الأعمال.

جوزيف شومبيتر مقابل جون مينارد كينز:

في سنواته الطويلة في الحياة العامة، أنشأ شومبيتر منافسات غير رسمية مع مفكرين عظماء آخرين من الغرب، ومنهم جون كينز وإيرفينغ فيشر ولودفيج فون ميسيس وفريدريك هايك، الذين طغت أعمالهم في البداية على أعماله وخصوصًا كينز، ورغم أنهم ولدوا بفارق عدة أشهر، فإن الاثنين كان لديهم وجهات نظر مختلفة إلى حد بعيد.

يذكر أنه في أوائل مسيرة شومبيتر المهنية، سخر من استخدام المجاميع الإحصائية في النظرية الاقتصادية، وكانت ضربة موجهة للعالم كينز، وكان المقصد من هذه السخرية التركيز على الاختيار والعمل الفردي.

رأى كينز أن الاقتصاد يكون بحالة جيدة عندما يتمتع بتوازن ثابت، ولكن رفض شومبيتر هذه النظرية.

ما هو «تاريخ التحليل الاقتصادي» لجوزيف شومبيتر:

في أواخر أيامه، عام 1950، كان شومبيتر يعمل على كتاب جديد بعنوان «تاريخ التحليل الاقتصادي». في هذا الكتاب، يحاول شومبيتر الحصول على تاريخ كامل عن مجال الاقتصاد، منذ زمن اليونان القديمة وحتى وقته آنذاك (نهاية الحرب العالمية الثانية).

لم يكن هذا الكتاب مقتصرًا فقط على مجال الاقتصاد، بل أيضًا تتبع تاريخ الأفكار السياسية والفلسفية، وكان بمثابة سجل للأحداث التاريخية المهمة.

ورغم أنه لم يكمله، فقد كسب هذا الكتاب تقديرًا كبيرًا بوصفه عملًا مهمًا، بسبب نظرته الواسعة وفحصه الحقيقي لأحداث تاريخية مهمة.

بعض المواضيع البارزة التي يناقشها الكتاب تتضمن تقنيات التحليل الاقتصادي، تطورات معاصرة في علوم أخرى وعلم الاجتماع في الاقتصاد.

ما الشيء الذي ظن شومبيتر أنه سيدمر الرأسمالية؟

ظن شومبيتر بأن الرأسمالية ستُدمر في نهاية المطاف بوساطة نجاحها.

فافترض أن النظام الاقتصادي سيخلق في النهاية طبقة مثقفة كبيرة ستنجو بفضل مهاجمتها لنظام الملكية الخاصة والحرية المالية الذي كان ضروريًا لبقائها، ورغم أن شومبيتر توقع زوال الرأسمالية، فإنه كان من أشد المؤيدين لها.

ما هي نظرية جوزيف شومبيتر عن الابتكار في الربح؟

ظن شومبيتر أن الطريق إلى تحقيق نجاح بالإنتاج، هو الابتكار.

تدعي نظرية الابتكار في الربح بأن الوظيفة الأساسية لرائد الأعمال هي تقديم الابتكارات، التي عرفها شومبيتر بأنها أي سياسة جديدة تقلل التكلفة الإجمالية للإنتاج أو تزيد الطلب على المنتجات، أي أرباح يحصل عليها رائد الأعمال من هذه الجهود، هي صورة من صور المكافأة على أدائهم.

فصناعة الابتكارات كانت الخطوة الأولى على طريق النجاح وتحقيق الأرباح الاقتصادية لريادي الأعمال.

ما هو النمو وفقًا لشومبيتر؟

هو النمو الاقتصادي الذي يسببه الابتكار والمحكوم بعملية التدمير الإبداعي، أنشِئت نماذج اقتصادية رسمية تعمل على تفعيل مفهوم شومبيتر عن التدمير الإبداعي.

تساعد نماذج النمو هذه الاقتصاديين على فهم دور المنافسة وحركة الشركات وإعادة التخصيص عبر الشركات والقطاعات.

الخلاصة:

لم تحظ أعمال شومبيتر في البداية على كثير من التقدير، نظرًا إلى الشعبية الكبيرة التي كان يتمتع بها معاصره العالِم جون كينز، ولكن هذا الأمر تغير اليوم، ويُعد الآن من أهم الاقتصاديين في العصر الحديث، إذ قدم مفهوم ريادة الأعمال وتأثيرها في الأنظمة الاقتصادية، وأصبحت نظريته عن التدمير الإبداعي محور التفكير الحديث حول كيفية تطور الاقتصادات، وخصوصًا الرأسمالية منها.

اقرأ أيضًا:

جون مينارد كينز: السيرة الشخصية لعالم الاقتصاد الشهير

فريدريك هايك عالم الاقتصاد: سيرة شخصية

ترجمة: أحمد بلهوان

تدقيق: تسبيح علي

مراجعة: حسين جرود

المصدر