يقول عالم الحاسوب الأمريكي راي كورزويل Ray Kurzweil “لربما الكون كله ليس إلا مشروعًا لطالب بالمدرسة الثانوية في عالمٍ موازٍ” ويستكمل ساخرًا: “ربما لم يحصل الطالب على درجات عالية أيضًا”.
إن نظرة كورزويل لنشأة الكون الذي نحيا فيه تعتمد على الآثار الناتجة من تضاعف القدرة الحاسوبية بشكل كبير، فهو يعتقد أنه لا يوجد اختلاف كبير بين برنامج محاكاة دقيق جداً والواقع الحقيقي. ويقول “القوانين الفيزيائية هي مجموعات من العمليات الحسابية، والمعلومات تتغير بشكل ثابت ويتم التلاعب بها وهي تعتمد على بعض الركائز الحسابية مما يعني أن الكون هو عبارة عن حاسوب”.

عندما طُلِب من العالِم الأمريكي وأحد مؤسسي علم الذكاء الاصطناعي (مارفين مينسكي Marvin Minsky) التمييز بين ثلاثة أنواع من المحاكاة التي هي:

  • عقول الأحواض Brains in vats (وهي فكرة تقوم على التخيل بأنك عبارة عن مجرد دماغ موصول إلى برنامج حاسوبي متطور جداً والذي بإمكانه أن يحاكي تجارب العالم الخارجي التي تعيشها الآن).
  • المحاكاة كبرمجيات مجردة.
  • المحاكاة كجسيمات مادية حقيقية.

أجاب مينسكي: “قد يكون التمييز بين الأنواع الثلاثة صعبًا إلا إذا قام المُبَرمِج ببعض الهفوات. ولعلّنا نلاحظ وجود بعض تلك الهفوات في القوانين الفيزيائية الحالية، وإذا كان الأمر هكذا فهذا يعني أن الكون يمكن فهمه بسهولة عكس ما يتوقعه العلماء”.

على الجانب الآخر يقول عالم الكونيات والفلك البريطاني مارتن ريس Martin Rees:
“إنها فكرة سطحية ولكنها رائعة، لكن يبقى السؤال الأهم ما هي حدود قدرات الحوسبة؟” ويستكمل قائلاً أن العلماء بالفعل يقومون بإجراء بعض المحاكاة لأجزاء مختلفة من الكون لأننا لا نستطيع إجراء تجارب على المجرات والنجوم لكن باستطاعتنا الحصول على نموذج افتراضي للكون على الحاسوب وبالتالي معرفة نتائج اصطدام مجرتين على سبيل المثال، وإذا أصبحت القدرة الحاسوبية أقوى بكثير ماذا نستطيع أن نحاكي في المستقبل؟

يضيف ريس قائلاً: “ليس من الجنون الإيمان بأنه في وقتٍ ما من المستقبل ستتمكن الحواسيب من محاكاة قطاع كبير نسبياً من الكون كله”.
إن الفرضية الأساسية لجميع نظريات المحاكاة هي أن الوعي الذاتي شيئًا يُمكن تمثيله في المحاكاة مثل إنتاج رائحة الثوم في المعمل على سبيل المثال، بمعنى آخر فإن محاكاة وتكرار البنية الفيزيائية للعقل البشري سوف يُخضِع بطبيعة الحال العمليات الذهنية الكاملة للعقل البشري، لكن آلية كتِلك لمحاكاة العقل فيزيائياً وبالتالي محاكاة العمليات الذهنية هي آلية غير واضحة.

وبسؤال ريس عن إمكانية محاكاة الوعي العقلي البشري فعلياً، أجاب بأن ذلك السؤال يتطلب ذكاء فائق القدرة للإجابة وهو ما قد يكون أكبر بكثير من قدراتنا إلى الأبد.

أما الفيزيائي البريطاني بول دافيز Paul Davies فله رأيًا آخر إذ يقول:
“إذا تعاملنا بجدية مع جميع الأكوان المتاحة، آخذين في عين الاعتبار جميع التغيرات الممكنة، فسنتوصل إلى إمكانية وجود حضارات فائقة الذكاء والقدرات تستطيع محاكاة عوالم بأكملها وهي ستكون أقل تكلفة من العوالم الحقيقية بالتأكيد وستكون أعدادها هائلة إذا ما قورنت بالعوالم الحقيقية، وبافتراض أننا مجرد مراقبون للأحداث فإننا قد نجد أنفسنا بنسبة كبيرة في عالمٍ ما هو إلا مجرد محاكاة”.

ويقول دافيز إن الوجود النظري للأكوان الموازية يعتمد بالأساس على القوانين الفيزيائية في عالمنا، وإذا افترضنا أن عالمنا هو مجرد محاكاة فستكون قوانين الفيزياء هي أيضًا محاكاة أي غير حقيقية، لذا فنحن لا يمكننا استخدام تلك الفرضية في استنتاج وجود أكوان موازية لأنها مبنية على أن كوننا هو محاكاة بقوانين فيزيائية غير حقيقية، فنظل ندور في دائرة مغلقة مما يضحد تلك الفرضية.

ويستكمل قائلاً: “بالرغم من أن فرضية وجود أكوان موازية قد تكون أمراً لا مفرّ منه، إلا أن استخدامها لتفسير الوجود ككل هو أمر خطير يؤدي إلى استنتاجات غير منطقية”.

لكن هل فرضية المحاكاة تتعلق بشكل أو بآخر بوجود الله؟، كان هذا السؤال موجهاً للفيلسوف السويدي نيك بوستروم Nick Bostrum الذي أجاب قائلاً:

“لا ليس بالضرورة، فإن فرضية المحكاة ليست بديلاً عن وجود أو عدم وجود الله بالتأكيد، فهي منفصلة عن كلا الاحتمالين وهي بالتأكيد ليست اتجاهًا لضحد فكرة وجود الله، لكنها قد تكون توصيفاً أقل قوة وقدرة من فرضية الخلق ووجود الله حيث أنها تمتلك بعض الصفات التي نؤمن أنها من صفات الله”.

ويضيف أن الذين يقومون بعملية المحاكاة هذه يجب أن يكونوا فائقي الذكاء لكن ليسوا بالضرورة أصحاب عقول غير محدودة، فهم يستطيعون التدخل في عالمنا والتلاعب به مما يتوجب أن تكون لديهم قدرات كبيرة جداً.

وإن كان من الواضح أن هذا الكون هو مخلوق فلا يوجد علماء أو فلاسفة أو علماء دين بامكانهم التفرقة بسهولة بين الله (الخالق بالمفهوم التقليدي) وبين فرضية المحاكاة فائقة الذكاء.

وعلى أية حال فإن فرضية المحاكاة تقودنا أيضًا إلى لُعبة السؤال المستمر، من الذي خلق الذين قاموا بتلك المحاكاة إن صحت تلك الفرضية؟، عند نقطةٍ ما يجب أن تنتهي تلك السلسلة من الأسئلة السببية، على الرغم من أن البعض قد يعترض.

ويُنهي بوستروم حديثه قائلاً:
“شخصيًا أنا لا أؤمن بأننا نعيش في عالم من المحاكاة. ولكن فرضية المحاكاة قد تكون صحيحة بشكلٍ أو بآخر، فهي تكشف عن تناقضات عميقة وعيوب جوهرية في الطريقة التي نُفكر بها لفهم الحقيقة المطلقة والوعي والأكوان الموازية وكذلك فكرة وجود أو عدم وجود الله”.
هناك دائمًا حلقة مفقودة


المصدر