لم يراقب علماء الفلك السماء منذ زمن طويل. فأول تلسكوب رأى النور سنة 1608، وكانت براءة ذلك الاختراع الثوري مِلكا لصانع نظٌارات هولندي يُدعى هانز ليبرشاي (Hans Lippershey). قد يبدو ذلك بعيدًا، لكنه لاشيء مُقارنةً بعمر البشرية،بل عمر عُمر كوننا العتيق.

لكن، على الرغم من عدم قدرة القدماء على دراسة الأشياء الموجودة في الفضاء بشكل دقيق، فقد شهدوا ودونوا ما كانوا رصده من أحداث. وعندما يريد الباحثون اليوم دراسة أحداث حصلت قديما، فلن يجدوا بديلا عن ملاحظات وتدوينات القدماء. وهذا ما حصل تمامًا مع SN 1006 (وهو مُستعر أعظم– سوبر نوفا- انفجرَ منذ أكثر من 1000 سنة مضت).

نجم جديد يظهر، مُنيرًا سماء الشرق الأوسط، أوروبا، آسيا، وربما حتى شمال أمريكا. قام العديد بملاحظة الجرم السماوي المتوهج. ورغم جهلهم في ذلك الوقت بحقيقة تلك الظاهرة، فإن هؤلاء الملاحظين القدامى المحظوظين قد شهدُوا واحدًا من أكثر المستعرات العظمى سطوعًا في التاريخ، ويُعرف اليوم باختصار SN 1006 (يشير الرقم 1006 إلى سنة ظهوره بينما الحرفين SN هُما اختصار لـ Super Nova والتي تعني مُستعر أعظم).

لقد استفاد علماء الفيزياء الفلكية المعاصرين كثيرًا من أعمال وملاحظات العديد من الملاحظين القُدامى، ونذكرُ منهم الفلكي علي ابن رضوان المصري، ورهبان دير البينديكتين في سويسرا. ففي السنوات القليلة الماضية، تمكن الفلكيون من أخذ صور لبقايا ذلك الانفجار، الذي يبعدُ عن أرضنا بـ7200 سنة ضوئية في كوكبة الذئبة.

في ظل غياب الوثائق التي بإمكانها مُساعدة علماء الفلك اليوم من أجل دراسة هذا المُستعر الأعظم الذي لمعَ في السماء بقدرِ لمعان كوكب الزهرة عام 1006، قام باحثون ألمان بقيادة رالف نوهاوزر (Ralph Neuhäuser) بالنظر في مراجع غريبة نوعًا ما :إنها مدونات المُسلم الفارسي الأصل أبن سينا العالم ، الذي كتب عددًا من الأعمال المؤثرة للغاية في العصر الإسلامي الذهبي.

وكان من بين تلك الأعمال الملحوظة لأبن سينا- كتاب الشفاء – الذي دوّن في حدود سنة 1013م. في هذا الصدد كشف فريق بحث من المرصد الفلكي لمدينة ينا (Jena) الألمانية، أن تعقيبا لأبن سينا في هذا الكتاب، قد يحتوي على توضيحات عن ملاحظات الفلكيين للمستعر الأعظم الذي انفجر آنذاك.

q1

النص الموجود في كتاب ابن سينا يصف شيئا لامعاً يبرزُ في السماء لمدة تقارب الثلاثة أشهر. وننقل التعقيب من الكتاب:« صورة كوكب من الكواكب (يقصدُ المستعر الأعظم SN 1006)، كالذي ظهرَ في سنة سبع وتسعين و ثلاثة مائة للهجرة، فبقى قريبا من ثلاثة أشهر يلطف ويلطف حتى اضمحل، وكان في ابتدائه إلى السواد والخضرة، ثم جعل كل وقت يرمي بالشرر ويزدادُ بياضًا ويلطف حتى اضمحل. وقد يكون على صورة لحية، أو صورة حيوان لهُ قرون، وعلى سائر الصور، وإنما يكون ذلك إذا كانت هناك مادة كثيفة واقفة، تلطف أجزاؤها يسيرا يسيرا وتتحلل عنه متصعدة كزوائد شعرية أو قرنية».

وليست هذه المرة الأولى الذي يجدُ فيها نوهاوزر معلومات حول المُستعر الأعظم 1006 في نصوص عربية قديمة. فقد نشر أيضاً فى ورقة علمية أخرى نصاً مترجماً عن نصوص كتبها كل من المؤرخ تاج الدين اليماني (680 – 743 هـ) وكذلكَ المؤرخ أبن الدَّيْبَع الشيباني (866 – 944 هـ) ذُكرَ فيها مُلاحظات حول الظاهرة. هذه الدراسة أكدت أن أول ملاحظة للظاهرة كانت بتاريخ 17 أبريل من سنة 1006، وبهذا تكون أقدم بأسبوع ونصف مقارنة بأقدم ملاحظة على الإطلاق سُجلٌت في النصوص القديمة، وظهر جليٌا لنوهاوزر أن نص الشيباني كان منقولاً عن ملاحظات اليماني، فالأخير كانت نصوصه أكثر دقة و كانت لُغته العربية أفضل [حسبَ الباحث].

وقد اعتمدَ نوهاوزر في دراسته على أقدم وثيقة ذكرت الحادثة وهي كتاب لليماني بعنوان (بهجة الزمن في تاريخ اليمن)، حيثُ ذكر المؤرخ عدة تفاصيل من بينها شدة لمعان المُستعر الأعظم، المُنحنى الضوئي الخاص به، فترة ظهُوره، موقعه، و لونه. حيثُ يقول اليماني :«في ليلة مُنتصف (15) رجب من سنة 396 للهجرة، ظهر نجم من الشرق بعد ساعة ونصف من غروب الشمس. كان أكبر من الزهرة بأربعة مرٌات. لم يكُن دائري الشكل بل كان أقرب للمُستطيل. في نهايته كانت تظهر خطوط تشبه الأصابع. لقد أظهرَ اضطرابًا شديدًا كما لو أنه يظهُر في ماءٍ مُضطرب. أشعته الضوئية كانت تُشبه تلك التي تطلقها الشمس. ظهر في برج الميزان بكوكبة العقرب وبقيَ على تلك الحال ولم يتغيٌر. في ليلة منتصف رمضان بدأ لمعانهُ بالانخفاض و اختفى عن الأنظار تدريجياً”. [ملاحظة : الترجمة منقولة من الإنجليزية ولا تُطابق نص اليماني الأصلي].

إن المعلومات الذي ذكرها كل من أبن سينا و اليماني حول ألوان الظاهرة ستساعدُ الباحثين اليوم في عملية تصنيف المُستعر الأعظم، حيثُ يُعتقد اليوم أنه ينتمي لصنف La ــ حيثُ يتحول نجم في نظام ثنائي(نظام يحتوي على نجمين يدوران حول بعضهما) إلى قزم أبيض، ويقوم بعد ذلك بامتصاص المادة من رفيقه، النجم الثاني في النظام قبل انفجاره.

في حينانه بحسب للتقارير المنشورة، يعتقد بعض علماء الفيزياء الفلكية أن المُستعر الأعظم SN 1006 لا يجب أن يصنف كـ La نموذجي، مُقترحين إمكانية نشوئه بسبب تفاعل قزمين أبيضين. إن اكتشاف ملاحظات مُباشرة أكثر، مثل تلك التي ذكرها أبن سينا، ستسمح لهم بمعرفة مدى انفجارية الحدث.

ورغم استحالة مُقارنة ملاحظات أبن سينا بالتقارير المُعقدة للغاية التي يقوم بإعدادها الفلكيون اليوم، كان ذلك أمرًا إيجابيًا. وتتبقى فحسب شكوك فريق البحث حاليًا حول حقيقة النص ، هل قام أبن سينا بملاحظة الظاهرة وتدوينها شخصيًا؟ أم أنه نقل الملاحظات عن شخص آخر؟.

لقد نشَر الفريق بحثهم في موقع مُختص بالمقالات التي لم تُطبع بعد (arXiv.org)، وذلكَ من أجل مُراجعتها من طرف الباحثين في مختلف أقطار العالم، وهُم في انتظار نتيجة تلك المراجعات.


المصدر الأول

المصدر الثاني

المصدر الثالث

المصدر الرابع