حسب ما أكدهُ علماءُ الفيزياء النظرية فإن الجينات التي يتم التعبير عنها داخل اجسامنا و التي تحدد شكل البشر لا تعتمدعلى المعلومات الوراثية المشفرة على شكل DNA وحدها لكن تلعب الطريقة او الشكل الذي يلتف به جزيء الحمض النووي DNA دورًا اساسيًا في الأمر.
يعرِف علماء الاحياء هذا الأمر منذ عدة سنوات، بل ِإنهم حتى قد تمكنوا من تحديد بعض البروتينات المسؤولة عن التفاف جزيء DNA. لكن الجديد لدى علماء الفيزياء هذه المرة هوتمكنهم من توضيح طريقة تحكم تلك المعلومات الخفية في تطور البشر من خلال نماذج محاكاة.
على الرغم من أن الامر لا يُعد خبرًا جديدًا بالنسبة للكثير من العلماء، لكن هذه الطبقة من المعلومات الخفية في ال DNA قد تكون أمرًا غير معروفًا لدى الكثير من العامة.

وكما درست في سنوات المدرسة الاخيرة، أكتشف العالمان واتسون و كريك ان شفرة الحمض النووي DNA التي تحدد ماهيتنا مكوّن من تتابع القواعد النيتروجينية الاربعة جوانينGuanine (G) و ادينين Adenine((A و سيتوزين Cytosine(C) و ثيامين Thymine(T).
يحدد ترتيب هذه القواعد أي بروتين سيتم تصنيعه داخل خلايانا، فعلى سبيل المثال إذا كنت تمتلك عيونًا بنية اللون، يرجع ذلك لإحتواء جزيء الحمض النوويDNA خاصتك على تتابع معين من القواعد و الذي يُترجم لبروتين الصبغة الداكنة داخل قزحية عينك.
لكن،لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فجميع خلايا جسمك تحتوي نفس شفرة الحمض النوويDNA، لكن بالطبع لكل عضو وظيفته الخاصة كمثال فإن خلايا المَعِدة لا تحتاج لإنتاج بروتين الصبغة الداكنة، لكنها بحاجه لإنتاج الانزيمات الهاضمة. اذًا من يتحكم في التعبير عن البروتين المناسب لوظيفة كل عضو؟
منذ ثمانينيات القرن الماضي،وجد العلماء إن الطريقة التي يلتف بها جزيء الحمض النوويDNA داخل خلايا الأنسان هي المتحكمة في هذا الأمر.وقد تلعب العوامل البيئية دورًا هامًا في هذه العملية، فعوامل كالضغط النفسي من المعروف انها قد تؤثر على الجينات بعملية تُعرف بعلم التخلق epigenetics .
لكن المُتحكم الأساسي في الأمر هو الطريقة التي يلتف بها الحمض النووي. حيث تحتوي كل خلية من خلايا الجسم على مترين من الDNA، لابد له أن يلتف بإحكام كالتفاف الخيط حول البكرة ليشكل جسيم يُدعى الجسيم النووي nucleosome.
كما إن الطريقة التي يلتف بها الحمض النووي تتحكم في اختيار الجينات التي يتم قراءتها بواسطة الخلية، ذلك لأن الجينات الموجودة في داخل الالتفاف لن يتم ترجمتها او التعبيرعنها كبروتينات، بخلاف الاخرى التي تتواجد على السطح الخارجي. ما يُفسر احتواء الخلايا التي تؤدى وظائف مختلفة على نفس الشفرة.
في السنوات الاخيرة، بدأ علماء الأحياء في عزل الضفائر التي تحدد الطريقة التي يلتف بها الحمض النووي، عن طريق أخذ عينة من اجزاء معينة من الشفرة الجينية او تغيير شكل ما يُسمى بالبكرة التي يلتف حولها جزيء الحمض النووي.
حتى الآن يبدو الأمر طبيعيًا ، لكن ما دخل علماء الفيزياء النظرية في الأمر؟
تمكن فريق من جامعة ليدن Leiden Universityبهولندا من النظر للأمر على مستوي المحتوى الوراثي genome ككل، عبر نماذج المحاكاة التي صنعها الكمبيوتر، وجد العلماء ان هذه الضفائر الميكانيكية مشفرة بالفعل داخل جزيء الحمض النووي البشري.
تمكن فريق الفيزيائيين، بقيادة العالم هيمليت سيشيلHelmut Schiessel، من القيام بالأمر عن طريق محاكاة المحتوي الوراثي الخاص بكل من خميرة الخبز و الخميرة الانشطارية، ثم و بطريقة عشوائية تم تزويده بطبقة ثانية من معلومات الحمض النووي، متممة بضفائر ميكانيكية.
تمكن الفريق من إيضاح تأثير هذه الضفائر على طريقة التفاف الحمض النووي و ونوع البروتين الذي يتم التعبير عنه دون غيره يُعد دليلًا واضحًا على ان الأليات المتحكمة في الحمض النووي مشفرة داخل الجزيء نفسه، كما ان لها دور هام في تطور البشر تمامًا كأهمية الشفرة نفسها.
ما يعني إن العلماء قد استنتجوا وجود طريقتين لحدوث طفرات الحمض النووي اما عن طريق حدوث تغيير في تتابع القواعد النيتروجينية على امتداد الجزيء، او ببساطة تغييرالضفائر التي تحدد طريقة التفاف الشريط.
“ان تغير ميكانيكية تركيب الحمض النووي،يؤدي لتركيب مختلف و مستويات جديدة من معلومات الحمض النووي” كما أوضح الفريق، “بالتالي يحدث تغيير في كمية انتاج البروتين.”

مرة أخرى لا يعد الأمر جديدًا بالنسبة لعلماء الأحياء، لكن ما يعده المفكرون أمرًا مثيرًا للاهتمام هو حقيقة إن نماذج المحاكاة تفتح الأفق امام العلماء لتصميم نماذج بل و ربما قد تسمح بالتلاعب في الضفائر الميكانيكية التي تحدد شكل شفرتنا الجينية.
لا يوجد دليل ملموس على قدرة الانسان بالتلاعب بالحمض النووي حتى الآن، لكن ما نعرفه هو انه كلما تمكن العلماء من فهم طريقة التفاف الجزيء ، كلما اقتربنا من إضافة التحسينات اليه.
إعداد : رحمه قريش
تدقيق: يوسف أحمد
المصدر