مسبار فيلة: البداية والنهاية


في عام 2004، أطلقت وكالة الفضاء الأوروبية المَرْكبة الفضائية (روزيتا – Rosetta) بهدفِ استكشافِ ودراسةِ مُذنَّبِ (تشوريوموف-جيراسيمنكو – 67P/Churyumov-Gerasimenko) والمعروفِ اختصارًا باسمِ: (المُذنب تشوري Chury Comet). وصلت مركبةُ الفضاءِ روزيتا إلى المذنَّب في 6 أغسطس/آب عام 2014. وهي المهمة الأولى في التاريخ للالتقاء بمُذنَّبٍ ومرافقتِه أثناءَ دورانِه حول الشمسِ ونشر مِسبارٍ على سطحه. وللإشارة، فإنّ روزيتا هي مهمّة تابعة لوكالة الفضاء الأوروبية (ESA) بمساهمة الدّول الأعضاء ووكالة ناسا. وشارك في إنشاء مسبار فِيَلة التّابع للمركبة روزيتا، اتحاد من الشركات بقيادة: «مركز الطيران والفضاء الألماني DLR»، «مؤسسة ماكس-بلانك لأبحاث النظام الشمسي MPS»، «المركز الوطني للدراسات الفضائية (فرنسا) CNES» و«وكالة الفضاء الإيطالية – ASI».

صورة للمُذنب 67P/Churyumov-Gerasimenko بواسطة المركبة روزيتا من مسافة 85.7 كم من مركز المُذنب، تم أخذ الصورة بتاريخ 14 مارس/آذار 2015.

صورة للمُذنب 67P/Churyumov-Gerasimenko بواسطة المركبة روزيتا من مسافة 85.7 كم من مركز المُذنب، تم أخذ الصورة بتاريخ 14 مارس/آذار 2015.

بعد وصولِ المركبةِ روزيتا للمُذنَّبِ والقيامِ بمسحٍ أوليٍّ واختيارِ موقعِ الهبوط، تمَّ إرسالُ المسبارِ فِيَلة إلى السطح في 12 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2014، وتتم عملية تثبيت وتأمين المسبار على سطح المذنب بثلاث طرق: مساميرُ الجليد، الحِراب، وصواريخ الدَّفعِ الصغيرة.

بعد هبوطه في منطقة «أجيلكيا – Agilkia» كما هو مُخَطَّطٌ له، لم يستطع فيلة تثبيتَ نَفسِه على المذنب وارتدَّ إلى موقعٍ جديدٍ في منطقة «أبيدوس – Abydos». في نفس سنة الهبوط، أُجْرِيَ تحليلٌ شاملٌ لمعرفةِ سببِ ارتدادِ فِيَلة .

صُمِّمت مساميرُ الجليدِ للتعاملِ مع الموادِّ اللَّينةِ نِسْبيًا، لكنَّ منطقةَ أجيلكيا كانَ مِن الصَّعبِ اختراقُ سطحِها، في حين كانت الحِرابُ مُعَدَّةً للعملِ عَلى الموادِّ اللينةِ والصَّلبةِ وكان من المُفترَضِ إطلاقُها عند ملامسةِ فِيَلة لسطحِ المُذَنَّب، لِيقُومَ في نفسِ الوقتِ صاروخُ الدَّفعِ المُثبَّتِ على قمَّةِ المسبارِ بدفعِه للأسفل، لمواجهةِ الارتدادِ النَّاتجِ عن دفعِ الحراب. لكن محاولات تسليحِ صاروخِ الدَّفعِ باءَت بالفشل بسببِ عُطلٍ في فتحِ حُجُراتِ التَّخزِين، أو ربَّما بسببِ فشلِ نظامِ الاستِشعارِ نفسه. عند الهبوط، لم تَتَمكَّن الحرابُ من الانطلاقِ نحو السّطح، وكتفسيرٍ لذلكَ قال «ستيفان يولاميك – Stephan Ulamec» مديرُ المسبارِ فِيَلة بمركز DLR: «يبدو أن المشكلةَ إمّا في الأسلاكِ الأربعةِ (أسلاكُ قنطرةِ التّفجير – bridge wires) المسؤولةِ عن إشعالِ المتفجّرات التي تقوم بقَذْفِ الحِراب، أو المتفجّراتِ نفسِها الّتي من الممكنِ أنّها قَدْ تدهورت مع مرورِ الوقت».

بعد هبوطٍ وعرٍ وغيرِ مُخطَّطٍ له، استقرَّ فِيَلة تحتَ منحدرٍ صخريٍّ على سطحٍ مغطًّى جُزئِيًّا بالظِّل. وعلى الرغمِ من ذلكَ، أَكملَ فِيَلة 80% من التَّسلْسُلِ العِلْمِيِّ الأَوَّلِ المُخَطَّطِ له، قبلَ الدُّخولِ في حالةِ سُباتٍ في السّاعاتِ الأولى من صباحِ 15 فبراير/شباط عندما تمَّ استنفاد البطّاريّةِ الأساسيّة. فَلَمْ يَكُن هناك ما يَكفي من أشعةِ الشمسِ في موقعِ فِيَلة النِّهائي (Abydos) لِشَحنِ البطّاريَّاتِ الثّانويّة ومواصلةِ القياسات العِلميّة.

بما أنّ المسبارَ كان مزودًا بألواحٍ شمسية، فقد كان هناك أملٌ بأن يعُود للحياةِ، وخاصّةً عندما وَصَل المُذنّبُ إلى أقربِ نُقطةٍ له من الشمس – المعروفة باسم الحضيض – الصّيفَ الماضي. لهذا السّببِ ظَلَّت وَحَدةُ معالجةِ نظامِ الدَّعْمِ الكهربائِيِّ (ESS) نَشِطَةً على أمَلِ أن يتَّصِلَ فِيَلة بالمركبةِ روزيتا مرةً أُخرى.

وبالفعلِ، تمكّن من ذلك في 13 يونيو/حزيران 2015 من خلالِ ثَمانِيةِ (08) اتّصالاتٍ متقطّعةٍ فقط، ولم يُسْمَع بَعد ذلك منذ يوليو/تموز 2015. علمًا بأنّ الحضيض؛ هو أقرب نقطة يكون فيها الكوكب من الشّمس، حيث يتسارع الكوكب أثناء اقترابه من نقطة الحضيض، وبعدها يبدأ بالتّباطؤ. وعمومًا، فإنّ نقطة الحضيض غير ثابتة؛ فهي تتحرّك قليلاً مع كلّ دورة بما يسمّى بدارية أو المبادرة، وعادة ما تكون البدارية نتيجة تأثير كواكب أخرى على الكوكب. ويؤدّي هذا التّغيّر الطّفيف مع كلّ دورة إلى دوران الحضيض نفسه حول الشمس.

وتستعدّ روزيتّا الآن لإنهاء مُهمّتها، وذلك باصطدامِها بالمذنب في سبتمبر/أيلول هذا العام. ومِن أجلِ تحقيقِ أقصى قدْرٍ من العلومِ المُكتسبةِ من المهمّة في تلك اللحظات الأخيرة، اتُّخِذَ القَرارُ بإيقافِ (ESS).

كما قد أعلنت وكالة الفضاء الأوروبيّة في مقالة مدوّنة: «بِحُلولِ نهايةِ شهرِ يوليو/تموز 2016، ستكونُ المَرْكَبةُ الفضائيةُ على بُعدِ نحوِ 520 مليون كم من الشمس، وسوف تبدأُ بمواجهةِ خسائرَ فادحةٍ في الطّاقة: نحو 4 واط يوميًّا؛ من أجلِ مواصلةِ العمليّاتِ العلميّةِ على مدى الشَّهرينِ المُقْبِلينِ واستخلاصِ استفادةٍ قُصوى منها، أصبح من الضّروريِّ البدء في خفضِ الطّاقةِ المُستهلكةِ من قِبل المكوّناتِ غير الضَّرُورية على متن المركبة».

في فبراير من هذا العام، أُعلِنَ دخولُ فِيَلة حالةَ «سُباتٍ أبَديٍّ». لكنّ إيقافَ وَحدةِ معالجة نظام الدّعم الكهربائيّ (ESS)، يعني أنّه ليس هناك أيّ أملٍ على الإطلاق.

فِيَلة قد ذهب إلى غير عودة، لكنّه قبل ذلك قام بثورة علميّة على سطح تشوري:

فيلة هبط على سطح المُذنب 67p في 12 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2014.

فيلة هبط على سطح المُذنب 67p في 12 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2014.

فخلال الأيامِ الثّلاثةِ الّتي تَلَتْ عمليّةَ الهبوط، حَقَّقَ فِيَلة العديدَ مِن الاكتشافات، بما في ذلك؛ أنَّ المُذنبَ ليس لهُ مجالٌ مغناطيسيّ، وأنّ سطحهُ عبارة عن قشرةٍ صلبةٍ مُغطّاةٍ بالغُبارِ والجليد. ودَرَسَ أيضًا التركيبةَ الكيميائيةَ لغازاتِ المُذنّبِ وغُبارِه، مكتشفًا جُزَيئاتٍ مُعقَّدةٍ، والّتي قد تكونُ مفتاحَ مقوّماتِ الحياةِ على كوكبِ الأرض.

الآن، ونحن نُودِّعُ المسبارَ فِيَلة ، يتوجَّبُ علينا التَّأهُّب لوداعٍ آخر حزين، فَبَعدَ شهرينِ مِن الآن، ستنتهي مهمّةُ روزيتا.

لمعرفةِ مكانِ المركبةِ الفضائيّةِ روزيتا وبُعدِها عن الشّمس والأرض وتتبُّع خطِّ سيرِها؛ تصفّح الموقع التّالي:
إضغط هنا


إعداد: مصطفى محمود
تدقيق: المهدي الماكي
المصدر الأول
المصدر الثاني
المصدر الثالث
المصدر الرابع
المصدر الخامس