التّنوير، يُعرف أيضًا بعصرِ العقلانيّة، لقد كان التنوير حركة فلسفيّة أخذت انطلاقتها بأوروبا ثمّ انتقلت إلى شمال أمريكا بعد ذلك مع نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التّاسع عشر. ادّعى روّادُ هذه الحركة أنّهم يقومون بتنوير العقل والثقافة البشريتين بعد العصور الوُسطى «المظلمة». وقد ظهرت مفاهيم مُميّزة للتنوير مثل العقلانيّة، والحريّة والمنهج العلمي. كانت الفلسفة التنويريّة مُشكّكَة في كلّ من الدّين -خصوصًا الكنيسة الكاثوليكية القويّة- والأنظمة الملكيّة والأرستقراطيّة المُورّثة. كان لفلسفة التنوير تأثير قويّ على الثورتين الفرنسيّة والأمريكيّة ودستوريهِما.

ويختلفُ المؤرخون في تحديد الانطلاقة الحقيقية للتّنوير، رغمَ اتفاق مُعظمهم على أنّ أصُول التّنوير قد بدأت في القرن السّابع عشر مع الثورة العلمية آنذاك، تبعًا لموسوعة أُكسفورد للفلسفة. هذا وقد تُوّجَ التّنوير في الثورة الفرنسية (1789-1799) ليتبع ذلك الفترة الرومانسيّة.

وكان من أبرزِ روّادِ حركة التّنوير: فولتير، وجون لوك، وتوماس هوبز، وديفيد هيوم، وجون جاك روسو، وآدام سميث، وإمانويل كانط، وإسحق نيوتن وتوماس جيفرسون.

أهم آثار عصر التنوير

الثورة العلميّة

تقول سوزان آبرنيثي (Susan Abernethy) المؤرّخة والكتابة: «بدأت أصول الأفكار الفلسفيّة التي أدّت لظهور التّنوير خلال حرب الثلاثين عامًا (1618-1648). لقد كان صراعًا طويلًا ودمويًّا واندلعَ بشكل أساسي من أجل الدّين وسبّبَ اضطرابًا اجتماعيًا كبيرًا. فبدأ الناس بالتشكيك في مفاهيمَ مثل الوطنيّة والحرب».

وتضيف سوزان أيضًا قائلةً: «إنّ عصر الاستكشاف الذي تمكّن فيه كولومبوس من اكتشاف العالم الجديد كان قد عرّضَ الناس إلى فلسفات وثقافات أخرى. وفي النهاية بعد قرون من الاستغلال وسوء المعاملة من قبل الأنظمة الملكيّة والكنيسة، شعرَ مواطنو أوروبا بالسّخط وبدأوا في الكتابة والكلام». تُعرف هذه الحركة بالثورة العلميّة، وتضيف سوزان قولها: «بالإضافة إلى ذلك، فإنّ أفكار عصر النهضة قادت النّاس لدراسة العالمِ الملموُس بشكل أقرب، ممَّا قادهم إلى دراسات علميّة أعظم».

الثورة العلميّة بدأت بعدَ نشرِ نيكولاس كوبرنيكوس نظريّة مركزيّة الشمس في العام 1543. تضمّنت الاكتشافات العديدة في الثورة العلميّة القوانين الثلاثة للحركة الكوكبية ليوهان كبلر (Johann Kepler)، ونظريّات غاليليو غاليلي (Galileo Galilei) في الحركة والعطالة والنظرة الجديدة لآلية عمل النجوم من طرفِ تيخو براهي (Tycho Brahe)، حسبَ قسم التّاريخ لجامعة إنديانا. وانتهت الثورة العلميّة باكتشاف إسحق نيوتن لقانون الجاذبيّة وفهمهِ للكون الميكانيكي مع نهايات القرن السّابع عشر.

تغيّر الفهم اليهودي-المسيحي للكون المُسّلم به مُسبقًا مع كل اكتشافٍ علميّ جديد. تدريجيًا، احتضن المفكرّون النموذج الكوبرنيكيّ-النيوتنيّ. ويقول هذا الفكر الجديد أنّهُ رغم أنّ الله هو الذي خلق الكون، إلّا أنّ العلم هو الّذي يُعرّفه، وبالعودة للعلم فإنّ باستطاعة البشر فهمه، حسبَ جامعة إنديانا. بدأ المثقفون في رؤية إمكانية أن يكون الكون لا نهائيًّا ومليئًا بالحركة. هذا النموذج وضع أسس فلسفة التنوير وقاد إلى التفكير العقلاني للبشرّية.

المفاهيم الفلسفيّة

تقول سوزان: «خلال عصر التّنوير، كان هناك تركيزٌ أكبر على المناهج العمليّة، وعلمنة التعليم، والتسامح الدّيني، والتعليم العام، والحريّات الشخصيّة، والعقلانيّة، والفصل بين الكنيسة والدّولة». ويُمكننا أن نعدّ بعضًا من المفاهيم المفتاحيّة للتنوير:

العقلانيّة

كان فلاسفة التّنوير يؤمنون أنّ بإمكان التفكير العقلاني قيادة البشر نحو التطوّر وكان بمثابة الطريقة الأكثر منطقيّة في التفكير. لقد رأوا قدرات العقلانيّة على أنّها من أبرز القدرات البشريّة. كما أنّ بإمكان العقلانيّة مُساعدة البشر على التحرّر من الجهل واللامنطق، كما أنّ تعلّم التفكير بعقلانيّة بإمكانهِ قيادة البشر للتصرّف بمنطقية كذلك. وقد توصّلوا كذلك لحقيقة أنّ العقلانية ستقود البشر إلى المساواة، لأنّ جميع تصرّفات البشر وأفكارهم ستكون مُوجّهةً عبرَ المنطق.

تقول سوزان: «كما آمنَ مثقفو التّنوير بضرورة توجيه مساعي البشر نحو الرّفع من المعرفة والعقلانية، بدلًا من ردود الأفعال العاطفيّة. ودعوا إلى التعليم العام وعلمنة التعليم».

الشك

بدلَ أن تكون سعيدًا بإيمانك الأعمى، أراد مفكرو التّنوير أدلّة على أن شيئًا ما هو صحيح فعلًا. لقد قاموا بفحصِ المفاهيم الشعبيّة باستعمال تجارب علميّة مُسيطرٍ عليها وتجاربَ شخصيّة كذلك، وكان التشكيك في حواسّنا الشخصيّة من أبرز العوامل في الفكر التنويريّ، مما سبّبَ تعقيدًا أكثر في الألغاز الفلسفية حسبَ موسوعة ستانفورد للفلسفة.

لقد شكّكَ مثقفو التّنوير في الحق الإلهي الذي يدّعيه الملوك والأنظمة الملكيّة بشكل عالم، وكذلك في الادّعاءات العلميّة حول العالم الطبيعي، طبيعة الحقيقة والعقيدة الدّينية. في هذا الصّدد تقول سوزان: «لقد سعَى علماء الدّين خلال عصر التّنوير إلى إصلاح دينهم مع الحفاظ على إيمان حقيقيّ بالله».

ازدادت شعبيّة الحركة الربوبيّة خلال عصر التّنوير. وتقول الرّبوبيّة أنّ الله موجود حقًّا لكنّه لا يتدخل بالأرض. يعملُ الكون حسبَ الطّبيعة، والقوانين العلميّة. وقد كان العديد من الآباءِ المؤسّسين لأمريكا ربوبيّين، بمن فيهم توماس جيفرسون.

التسامح الدّيني

مع التّشكيك في المؤسّسات الدّينية، قال العديد من مفكرّي التّنوير أنّ للبشر الحريّة الدينيّة في عبادة ما يشاؤون. تقول سوزان بهذا الخصوص: «لقد سعى مفكرو عصر التنوير بشدّة إلى الحد من القوة السياسيّة للدّين المُنظم في محاولة للحدّ من الحروب الدينيّة المتعصّبة».

الحريّة

التسامح الدّيني للتّنوير له علاقة مع تركيز الحركة على الحريّة الشخصيّة. هذا المفهوم يقول أنّ الله أو الطّبيعة قد منحت للبشر كلّ الحقوق الأساسيّة وأنّ للبشر حريّة التصرف دون تقييد قمعي. تشرحُ سوزان الأمر بقولها: «شدّد هؤلاء الفلاسفة على أنّ الحكومة لا سلطة لها على ضميرِ الفرد. للأفرادِ حقوقهم، وجميع الناس سواسية كما أنّ السلطة السياسيّة الشرعيّة تُبنى على موافقة الشّعب وهي مُجبرة على أن تكون مُمَثِلةً لرغبته».

التطوّر

تميّزت القرون قبل التّنوير بالتغيّرات السريعة، من اكتشافات الثورة العلميّة إلى استكشاف العالم وتطوّر التقنيات الفنيّة أثناء عصر النهضة. وبسبب ذلك على وجه الخصوص، اعتقد مفكرّو التنوير أنّ الظروف البشريّة آخذة بالتطوّر مع تقدم الزمن. قام كلا الفيلسوفَيْن ديفيد هيوم وآدام سميث بربطِ مفاهيمِ التّنوير بالسياسة، والسياسات الاقتصادية وأمُور أخرى كذلك، حسبَ موسوعة ستانفورد للفلسفة.

التجريبيّة ضد العقلانيّة

المذهب التجريبي يرتبِطُ بفلاسفة التنوير البريطانيّين، مثل جون لوك، وجورج بركلي وديفيد هيوم. يقوم هذا المذهب على أنّ الحواس والتجارب الحسيّة هي مصادر المعرفة البشريّة. لكنّ العقلانيين الذين عاشوا في أوروبا، قالوا أنّ الحواس غير موثوقٍ فيها وأنّ المعرفة تأتي من العقل، من خلالِ تصوّرِ وتخمينِ الأفكار.

مع نهايَة تلك الحقبة، بدأ الفلاسفة في التفكيرِ مليًّا بالمعنى الحقيقي لمُصطلح «تنوير». ولقد اقترح الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط تعريفًا في بحثهِ المعنون «ما هو التّنوير؟»، وننقلُ منه: «التّنوير هو خروج الإنسانِ من حالة اللّانُضج التي فرضها على نفسه. اللّانُضج هو عدم إمكانية استعمال قُدرات الفهم لشخصٍ مُعيّن دون الحاجة لتوجيهٍ من أشخاصٍ آخرين… يجبُ عليك أن تعلم! لكن لديك الشجاعة لاستعمالِ فهمكَ الخاص».

أبرزُ وجوه التنوير

جون كومينيوس (1670-1592): كان مُفكّرًا تشيكيًّا اعتمَد أفكار التعليم العام والإرشاد التطبيقي. لقد كان لهُ دورٌ هامٌّ للغاية في نشرِ الكُتب المصوّرة باللغات العاميّة بدلًا من اللّاتينية. ودعا إلى التعلّمِ مدى الحياة للأفراد، وتطوير التفكير المنطقي بدلًا من الحفظ عن ظهرِ قلب. لقد أرادَ أن تُمنح النساء حقَّ التعليم وكذلك للأطفالِ الفقراء.

هوجو جروتيوس (1645-1583)

لقد كانَ مُفكّرًا هولنديًّا عظيمًا، ساهمَ في تأسيس القانون الدولي الذي يعتمد على مفهوم القانون الطبيعي. لقد كان من روّاد طرح فكرة ضرورة وجود مُجتمع من الدول تُحكم لا بالقوّة والحرب ولكن عبرَ القوانين والتوافق المُتبادل من أجل تعزيز تلك القوانين. كما أنَّه من طرح مفهوم التسامح الدّيني.

الإنجليز الذين كان لهم تأثير كبير على التّنوير من بينهم توماس هوبز (1679-1588) وجون لوك (1704-1632). لقد دافعَ هوبز بشدّة عن الحُكّام لكنّه في نفس الوقت دعا إلى الحقوق الفرديّة والمساواة بين الناس. كما أكّدَ على ضرورة اعتماد المُجتمعات السياسيّة على «العقد الاجتماعي» ويعني ذلك أن يوافق الأفراد على تسليمِ بعضًا من حريّاتهم سواءً كان ذلك صراحةً أو ضمنيًا والخضوع لسلطة الحاكم في مقابل الحصول على الحماية لحقوقهم المُتبقيّة.

دعا جون لوك إلى عكس ذلك، وهي الحكومة التمثيليّة (تكون عبرَ انتخاب المواطنين لنوّابٍ يحكمون بدلًا منهم مع صلاحيّات محدودة وهي أقربُ للأنظمة الديمقراطيّة الحديثة اليوم).

نقل الفلاسفة الفرنسيون التّنوير إلى مستوى آخر. قام شارل لوي دو سكوندا المعروف باسم مونتيسكيو (1755-1689) بتطويرِ عملِ جون لوك وقام بخلقِ مفهوم الفصل بين السلطات. كان فرانسوا ماري آرويه المعروف باسم فولتير (1778-1694) كاتبًا فذًّا اعتمد السُخرية والنقد من أجل تحفيز التغييرات الاجتماعية. كتبَ مُهاجمًا الكنيسة الكاثوليكيّة وكشف عن الظّلم.

قام بطرحِ مفهوم حريّة التديّن، حريّة التعبير والفصلِ بين الكنيسة والدولة. لقد كانت كتاباتهُ شعبيّة للغاية ووصلت للعديد من القرّاء. دافع جون جاك روسو (1778-1712) في كتابه «العقد الاجتماعي» عن الديمقراطيّة المُباشرة، والتي تعكسُ رغبة الشعب بشكل صريح.

دينيس ديدرو (1784-1713)

لم يكُن مهتمًا كثيرًا بالثورة لكنّه أرادَ في المقابل جمع ونشر المعرفة التّنويريّة. شرع في مشروع ضخم لكتابة «موسوعة أو قاموس للعلوم، الفنون والصناعات اليدويّة». ساهم العديد من الكُتّاب في العمل الذي ضمَّ 35 جُزءًا. ضمّت «الموسوعة» المعرفة البشريّة للعالم بأسره وانتشرت في البلدان الأخرى.

ديفيد هيوم (1776-1711)

كان فيلسوفًا اسكتلنديًّا اشتهرَ بالكتابة. لقد كان تجريبيًا مؤثرًا للغاية، كان يقول أنّ البشر ليسوا سوى مجموعة من الإحساس دونَ أنفسٍ حقيقيّة (تُسمى بنظرية الحُزمة كذلك) ويقول أيضًا أنَّ الأخلاق تعتمدُ على العاطفة أساسًا بدلًا من المبادئ الأخلاقيّة.

إمانويل كانط (1804-1724)

كان فيلسوفًا ألمانيًّا مركزيًّا نحوَ التّنوير. قامَ بالتوفيق بين المذهب الحسّي والعقلي في نظريّاتهِ حول استقلاليّة الإنسان وأنشأ قاعدة الحركات الفلسفيّة القادمة بعده، حسبَ موسوعة ستانفورد للفلسفة.

آدام سميث (1790-1723)

كان صديقًا مقرّبًا لهيوم، وهو فيلسوف اسكتلنديّ وعالم اقتصاد اشتُهِرَ خاصةً بنظريّته حول «اليد الخفية للسوق» حسبَ موسوعة ستانفورد. كما قادَ كتابهُ المعنون «ثروة الأمم» لنشأة اقتصادِ السوق الحر.

إسحق نيوتن (1642-1727)

عالمُ رياضيات إنجليزي وفيزيائيّ ساهمَ في تأسيس الميكانيكا الكلاسيكية وحساب التفاضل والتكامل. قام نيوتن بتطوير قوانين الحركة والجذب العام، ممَّا قاد إلى تحسّنِ فهمنا لكون مركزيّة الشمس لكوبرنيكوس، حسبَ معهد إسحق نيوتن للعلوم الرياضيّة.

توماس جيفرسون (1826-1743)

من الآباء المؤسسين لأمريكا، كان متأثرًا بشدة بالفلسفة التنويريّة وقضى عدّة سنوات في فرنسا. كتبَ إعلان الاستقلال، وطرحَ فيه العديد من الأفكار التنويريّة مثل الحريّة، والحقوق الأساسيّة للإنسان والمساواة (ما عدا للعبيد)، حسبَ مؤسسة توماس جيفرسون.

مُساهمة التّنوير في العلوم

يقول الكاتب البريطاني والمؤرّخ روبرت وايلد: «شهد عصر النّهضة أو التنوير والثورة العلميّة توسّعًا هائلًا في معرفتنا نحو العالم، وكذلكَ في تعزيز دقة تلك المعارف» كما يُضيف: «جُزءًا من ذلك كان بسبب تطوّر ما قد نسميّه اليوم بالمنهج العلمي». ورغمَ اختلاف البعض حول المنهج العلمي، تبقى مسألة وضع نيوتن لأسُسَ المنهج المعروفِ اليوم أمرًا أكيدًا، حسبَ موسوعة ستانفورد للفلسفة.

ويعود الفضل في ذلك إلى انخفاضِ الأميّة والتكلفة الضئيلة للكُتب، كما تطوّرت طُرق نشر نتائج التجارب العلميّة، وكذلكَ هي رغبة المفكرّين والعلماء في نقاشها وتبنّيها، يقول وايلد لموقع لايف ساينس: «أريدُ أن أذكر نماذجَ العلماء مثلَ القدّيس غريغوري والآخرين الذين أتوا قبله، لم يتوقف البشر عن محاولة فهمِ العالم، لقد حصلَ أن يكون التطّور الناجح للعلم الحديث يحدث الآن».

كيف غيّرَ التنوير العالم؟

لا زلنا نحتفظ اليوم بالعديد من المُثل العليا لأفكارِ التّنوير. تطوّرت بعض النظريات العلميّة، لكن بقي العديد منها تمامًا كما كتبها روّادها التنويريُّون. قامت مفاهيم الحريّة، والعقلانيّة والمساواة بالتأثير على أولى رائدات الحركة النسويّة ماري وولستونكرافت، كذلك على دُعاة إلغاء عقوبة الإعدام مثلَ فريدريك دوغلاس والعديد من القادة الآخرين.

في هذا الصدد تقول سوزان: «كان للأفكار مثل التسامح الدّيني والفصل بين الكنيسة والدّولة الأثرَ البالغ بالفعل في خفضِ الحروب بسبب الاختلافات الدينيّة». ومع تراجعِ دور الكنيسة، استغلّت بعض الجمعيات الوضع لتظهرَ بقوة مثلَ البنائين الأحرار والمتنوّرين. كما ظهرت الصالونات الأدبيّة والمقاهي كأماكنَ جديدة لمناقشة الأفكار وخلقِ الصداقات. أصبحَ تعليمُ الأطفال أكثر شيوعًا، وبُنيت العديد من الجامعات. انخفضت الأميّة بشكل كبير، كما دخلت المكتبات العامّة والمتاحف على الخط.

تقول سوزان: «مفاهيم التّنوير قادت إلى العديد من الثورات، وكان لها الأثرُ البالغ على تغيير التاريخ والمُجتمع». وتضيف: «في 1688، كان للبروتيستانت الإنجليز دورًا جوهريًّا في الإطاحة بالملك الكاثوليكي جايمس الثاني واستبدالهِ بنظامٍ ملكي بروتستانتي مع ويليام وماري. بعد ذلك، صادق البرلمان الإنجليزي على قانون جديد يمنحُ المزيد من الحرّيات الفرديّة والحقوق للمواطنين الإنجليز».

نجدُ الثورتين الفرنسية والأمريكيّة من أكثرِ الثورات العالميّة تأثرًا بالتّنوير.

الثورة الأمريكيّة

تقول سوزان: «قام الآباء المؤسسون بتبنّي العديد من أفكار فلاسفة التّنوير في كتابة الدستور ومشروع قانون الحقوق». لقد قاموا بمنحِ سلطة أقلّ للحكومة وقوّة أكبرَ للشعب. كما قالت أنّهم قد أنشأوا التعليمَ العام في أمريكا.

الثورة الفرنسية

لقد استفادت الثورة الفرنسيّة من الانقلاب الإنجليزي وأخذت بالفرصة لإنهاء الحكم الملكي بشكل نهائيّ. لقد قُطعَ رأس الملك لويس السّادس عشر ورأس زوجتهِ ماري أنتوانيت، لتتأسس حكومة جمهوريّة بعد ذلك.

يقول وايلد: «لقد نشبَ نقاشٌ حول ما إذا كان التّنوير هو الذي أثر على المُجتمع، أم أنَّ التغييرات التي حصلت على المُجتمع بمختلف أشكالها أثرّت على التّنوير». ويضيف: «لكن في كلتا الحالتين، أثّرت أفكار التّنوير على الثورة الفرنسيّة لأصحابِ الطبقة الوُسطى من أجلِ الحصول على صوتٍ في الحكومة. في 1789 تسبّبت هذه الرغبة في خلقِ طبقة ثالثة، انشقت عن الحكم الملكيّ، مما تسبب في نشوبِ الثورة الفرنسيّة».

بينما شدّدت فلسفة التنوير بقوة على المثل العليا الإيجابيّة مثل الحريّة والتسامح، أشارَ وايلد لإمكانيّة أخذ ذلكَ شكلًا من التطرّف. إذ قال: «من المهم التأكيد على أنَّ مُفكرّي التنوير لم يكن لديهم تعلّق شديد بقِيَم الآخرين… والتطرّف في الأفكار التنويريّة مثل رفض الكنيسة، وألقي اللوم على الإرهاب خلال الثَّورة». أظهرت وحشيّة الثورة وحروب نابليون اللّاحقة حدود مساعِي تحويل المُجتمع نحو اتجاهات عقلانيّة محضَة.


إعداد: وليد سايس
تدقيق: دعاء عسّاف
المصدر