كشفت إحدى الدراسات أن الأفلام المؤلمة يمكن أن تُزيد من القدرة على تحمل الألم ومشاعر الترابط مع الآخرين، وذلك عن طريق رفع مستويات المواد الكيميائية المسؤولة عن الشعور الجيد التي يفرزها المخ.

يشير الباحثون إلى أن المشاعر المؤلمة التي قد تصيبك عند مشاهدة فيلم مفعم بالمشاعر، مثل “قائمة شندلر”، يستحث نظام الإندروفين في جسمك.

إنّ أفلامًا مثل (تيرانوصور)،(كسر الأمواج) و(قائمة شندلر) قد تجعلكَ تذرِفُ الدموع من عينيك، لكنَّ علماء النفس يقولون إنهم توصلوا إلى السبب الذي يجعل الأفلام المؤلمة جذّابة للغاية.

يذكر الباحثون في جامعة أكسفورد أن مشاهدة الأفلام المؤلمة يزيد من مشاعر الترابط مع الآخرين، بالإضافة إلى زيادة القدرة على تحمل الألم، وذلك عن طريق رفع مستويات المواد الكيميائية المسؤولة عن الشعور الجيد والقضاء على الألم التي يفرزها المخ.

ويقول (روبين دونبار)، أحد الباحثين المشاركين في الدراسة وأستاذ علم النفس التطوريّ في جامعة أكسفورد: «إن حُجَّتَنا هنا هي أن المشاعر المؤلمة التي قد تصيبك من الأحداث التراجيدية ربما تستحث نظام الإندروفين في الجسم».

توصلت الأبحاث السابقة إلى أن الضحك معًا والرقص معًا والعمل ضمن فريق يمكن أن يَزيد من الروابط الاجتماعية، ويعزز القدرة على تحمل الألم من خلال رفع مستوى الإندروفين في الجسم.

ويقول “دونبار”: “كل هذه الأمور، بما في ذلك الغناء والرقص والركض والضحك يزيد من الإندروفين للسبب ذاته؛ فهي تضع الجهاز العضلي للجسم تحت الضغط”.

ويضيف (دونبار) أن المعاناة يكون لها الأثر نفسه، فيقول: «لقد تبيّن أن نفس المناطق في المخ التي تتعامل مع الألم الجسديّ تتعامل أيضًا مع الألم النفسيّ».

وكتب (دونبار) وزملاؤه في دورية “رويال سويستي أوبن ساينس”، واصفين كيف عمدوا إلى دراسة ما إذا كان حبّنا لرواية القصص — تلك الوسيلة المستخدمة لمشاركة المعرفة وغرس شعور بالهوية داخل جماعة ما — يقوم على آلية ترابط متعلقة بالإندروفين.

ولاستكشاف هذه الإمكانية، قسّم الباحثون 169 مشاركًا في التجربة إلى مجموعتين مكونتين على نحو أساسيّ من أشخاص لا يعرفونهم، وعرضوا عليهم الفيلم الدراميّ المؤلم (ستويارت): _حياة مروية بالعكس_ المستوحى من قصة حقيقية لمدمن مخدرات وكحول معاق ومُشرَّد.

وعُرِض على مجموعة ضابطة مكوّنة من 68 شخصًا فيلمان وثائقيّان متتاليان – أحدهما عن التاريخ الطبيعيّ والآخر عن الجيولوجيا وعلم الآثار في بريطانيا.

وطُلِب من المشاركين، قبل وبعد مشاهدة الفيلمين، الإشارة إلى حالتهم المزاجية من خلال العديد من المقاييس، بالإضافة إلى مشاعر الارتباط التي يشعرون بها تجاه الأفراد الآخرين في المجموعة.

وطُلِب من عدد من المشاركين أيضًا استكمال اختبار لقياس قدرتهم على تحمل الألم، وهو اختبار الجلوس مع إسناد الظهر إلى حائط لأطول فترة ممكنة.

مع ارتفاع مستويات القدرة على تحمل الألم المرتبط بإفراز مواد كيميائية قوية تقضي على الألم تُعرَف باسم الإندروفين، قدّم الاختبار للعلماء طريقة غير مباشرة لقياس التغيّرات في مستويات الإندروفين في المخ.

ويقول (دونبار): «ما نرغب في معرفته هو ما إذا كان ردّ فعلك تجاه أحد الفيلمين يتغير على نحو مختلف عن ردّ فعلك تجاه الفيلم الآخر».

وتظهر النتائج أن مَن شاهدوا الفيلم المؤلم حدث لهم، في المتوسط، تغيُّرٌ قويٌّ في حالتهم المزاجية، بينما مَن شاهدوا الفيلمين الوثائقيين لم يُظهِروا سوى تغيُّرٍ بسيطٍ في كلٍ من الدلائل الإيجابية والسلبية التي ينسبها الباحثون للشعور بالملل.

توصّل الباحثون أيضًا إلى أن القدرة على تحمل الألم، في المتوسط، لدى مَن شاهدوا الفيلم المؤلم زادت بنسبة 13,1%، بينما انخفض حدُّ تحمل الألم لدى مَن شاهدوا الفيلمين الوثائقيين بنسبة 4,6%، وكانت النتيجة هي أن الفيلم المؤلم رفع حدود تحمل الألم بنسبة 18% تقريبًا مقارنة بسيناريو “المجموعة الضابطة”.

هذا فضلًا على أن مَن أظهروا زيادة في القدرة على تحمل الألم زادت لديهم أيضًا مشاعر الترابط مع أفراد المجموعة الآخرين، على الرغم من أن حالتهم المزاجية صارت أقل إيجابية.

لكن لم يُظهِر الجميع رد فعل عاطفيٍّ تجاه فيلم (ستيوارت)_قصة مروية بالعكس_ فبعض المشاهدون أظهروا انخفاضًا في حدِّ تحمُّل الألم، مع عدم تغيُّر شعورهم بالترابط الاجتماعيّ.

ويقول (دونبار): «ينطبق ذلك على الأرجح على الحياة اليومية؛ فبعض الناس يتأثرون عاطفيًّا للغاية بحدث معين، بينما ينظر إليه آخرون بلا أدنى مستوى من التأثر أو المبالاة».

وعلى الرغم من الحاجة لمزيد من الأبحاث للاطلاع على عدد أكبر من الأفلام والتأثيرات الأخرى، مثل المقطوعات الموسيقية، يقول (دونبار):«إنّ النتائج تشير إلى أن مشاهدة الأفلام المؤلمة يزيد من معدلات الإندروفين في المخ، ما يعزز القدرة على تحمل الألم ويزيد من الشعور بالترابط مع الآخرين في المجموعة».

أما بروفيسور (سوفي سكوت)، قائدة فريق علم الأعصاب المعني بالتواصل بالمخاطبة في معهد علم الأعصاب المعرفيّ بجامعة كوليدج لندن، فتقول: إنّه يبدو أنَّ الأفلام المؤلمة — شأنها شأن الضحك — ينتج عنها شعور بالترابط الاجتماعيّ.

وقد أضافت أيضًا أنَّ الدراسة تشير إلى أنه ليس بالمشاعر الإيجابية وحدها يتولد الشعور بالترابط، فربما ثمة شيء بشأن مشاركة تجربة عاطفية يغيّر حقًا من كيفية استخدام الجسم للإندروفين ويجعلك تشعر بأنك أقرب للناس،كما أنَّ استكشاف آثار الغضب أو الاشمئزاز يُمكن أن يساعد في تحليل ما إذا كان الأثر ناتج عن مشاعر معينة أم عن مشاركتها.

لكنَّ(سكوت)، التي لم تشارك في البحث، قالت إنها ليست مقتنعة بأن (دونبار) وزملاءه اكتشفوا أسباب حبنا لرواية القصص، قائلةً: «القصص هي كل شيء بالنسبة للبشر، فإذا تمكنا من تحويل أي شيء إلى قصة فسنفعل، إننا نفهم الأشياء ونتذكرها على نحو أفضل إذا كان من الممكن تحويلها إلى قصة، لا أعلم إذا كان من الممكن اعتبار السبب في ذلك هو مشاركة المشاعر أم لا».