الحقبة الميسوزية – الحقبة الوسطى أو حقبة الحياة الوسطى : الحياة الوسطى – غزو الديناصورات – انجراف القارّات


تنوّعت الحياةُ بِسرعة خلال الحِقبة «الميسوزيّة-Mesozoic» (أي حقبة الحياة الوسطى أو العصر التّرياسيّ المُتأخّر)، وجابَتِ الزّواحفُ العملاقة والدّيناصورات وغيرها من الحيوانات الوحشيّة سطحَ الأرض. وتُعرف الحِقبة الميسوزيّة أيضًا -الّتي امتدّت من حوالي 252 مليون سنة إلى 66 مليون سنة مضت- بِحقبة الزّواحفِ والدّيناصورات.

الحدود

يقول بول أولسن (Paul Olsen) عالمُ جيولوجيا في (Lamont-Doherty Earth Observatory) بجامعةِ كولومبيا في نيويورك: «كان الجُيولوجيّ الإنجليزيّ جون فيليبس (John Phillips) أوّل من أنشأ جدولًا زمنيًّا جيولوجيًّا وعالميًّا، وأوّل من صاغَ مصطلح (الميسوزيّ أو الحياة الوسطى) في أواخر القرن الثّامن عشر وبداية القرن التّاسع عشر. فقد وجد فيليبس طريقةً لربطِ الرّواسب الّتي عُثر عليها في أنحاء العالَم بفتراتٍ زمنيّة مُحدّدة».

triassic-map_24242_744x417

ويُعرَف حدّ أو فاصل العصر التّرياسيّ (الثلاثي)-البرميّ (Permian-Triassic) -الّذي كانَ بمثابةِ بداية الحقبة الميسوزيّة- نسبةً إلى مقطعٍ معيّنٍ من الرّواسِب في مدينة ميشان الصّينيّة، حيث ظهر لأوّل مرّة نوعٌ منقرضٌ من الحيوانات الشّبيهة بثُعبان البَحر (Eel-like) يُعرف باسْمِ «مَخروطيّات الأسنان-Conodont»، وجاءَ هذا وِفقًا للَّجنةِ الدَّوْليّة لِعلم طبقات الأرض (Stratigraphy).
أمّا حدّ نهايةِ الحِقبة الميسوزيّة (والّذي يُعرف بِحدّ الطّباشيريّ-البالوجين)، فقد عُرف بوساطةِ شظيّة صخريّة سُمكها عشرون إنشًا (50 سنتيمتر) في مدينةِ الكاف بِتونس، والّتي ما زالت تحتوي على أحافيرَ بحالةٍ جيّدةٍ، وآثار عُنصر الإيريديوم وغيره من العناصر الّتي ظهرت إِثْر الكُويكب الّذي قضى على الدّيناصورات.
وتُقسم الحقبة الميسوزيّة إلى: العصر التّرياسيّ او الثلاثي (Triassic)، والعصر الجوراسيّ (Jurassic)، والعصر الطّباشيريّ (Cretaceous). وعِندما نقول عن حدِّ أو حدودٍ لِعصْرَيْن مُعيّنيْن؛ أي مثلًا الحدّ الطّباشيريّ-البالوجين، فعادة هذا وصفٌ جيولوجيّ، يُشير إلى طبقةٍ رقيقةٍ أو مقطعٍ مُعيّنٍ من الصّخور (الرُّسوبيّة خاصّة) الّتي ترجع للحقبةِ المَعنيّة. وحدّ الطّباشيري-البالوجين يُمثّل نهايةَ العصر الطّباشيريّ (وهو العصر الأخير في الحقبة الميسوزيّة)، وبداية عصر البالوجين (العصر الأوّل من الحقبة الحديثة أو المعاصرة: السّينوزيّة).

الحياةُ والمناخ

لقد بدأت الحقبة الميسوزيّة تقريبًا وقت انتهاء العصر البِرميّ بِما يُعرف (الموت العظيم أو انقراض العصر البرميّ-التّرياسيّ). وقد تَسبّب هذا الحَدَث بانقراض 96% من أشكال الحياةِ البَحريّة، و70% من أشكال الحياة البرّيّة على كوكب الأرض (خاصّة الفقاريّات الأرضيّة). ثمّ انتَعَشتِ الحياةُ بعدَ ذلك على الأرض ببطء، وقضت وقتًا أكثر في استعادةِ أشكال الحياة الطّبيعيّة.
وأُتيحت الفُرصة بالنّهاية لازدهار مُختلف الحيوانات من جديد، ابتداءً من السّحالي الضّخمة، وحتّى الدّيْناصورات الوحشيّة.
شهد العصر التّرياسيّ -في الفترة قبل 252 مليون سنة إلى 200 مليون سنة- ارتفاعًا في أعداد الزّواحِف والدّيناصورات الأولى، ثمّ في العصر الجوراسيّ -في الفترة قبل 200 مليون سنة إلى 145 مليون سنة- ازدهرت الطّيور والثّدْيِيّات، وأخيرًا في العصر الطّباشيريّ -في الفترة قبل 145 مليون سنة إلى 66 مليون سنة- اشتهر هذا العَصر بالدّيناصورات البَديعة، مثل التّريسيراتوبس (Triceratops)، وبتيرانودون (Pteranodon).
أمّا النّباتات الصّنوبريّة والمَخروطيّة، فقد كانت موجودة بالفعل في العُصور ما قبل الميسوزيّة، ولكنّها أصبحت أكثر وفرةً في الحقبة الميسوزيّة. وقد برَزَت النّباتات المُزهرة في أواخر العصر الطّباشيريّ. أمّا الفترة الّتي ازدهرت فيها النّباتات المورقة، أثناء الحِقبة الميسوزيّة، وفّرت النّباتات وقتئذٍ كمّيّاتٍ وفيرةً من الغذاء، سانحةً لأضخمِ الدّيناصورات، مثل الأرجنتينوسورس (Argentinosaurus) لتنمو حتّى تصل إلى ثمانين طنًّا. هذا وِفقًا لدراسةٍ في عام 2005 بمجلّة (Revista).
يقول بريندان ميرفي (Brendan Murphy) عالم أرض في جامعةِ سانت فرانسيس كزامنييه في كندا: «لقد كانت درجة حرارة الأرض في الحقبة الميسوزيّة أدفأ بكثيرٍ من الآن، ولم يكُنْ كوكبنا يملك قِممًا جليديّة قُطبيّة. وأثناء العصر التّرياسيّ، كانت القارّة الهائِلة بانجيا ما زالت موجودة، وبِعدم وجود الكثير من السّواحِل لتعديل درجة حرارة القارّة بانجيا الدّاخليّة، فقد شهدت درجات حرارة مُتفاوتة، وكانت مساحات شاسعة من هذه القارّة مغطّاة بالرّمال. إلّا أنّ المِنطقة ما زالت تمتلك غابات استوائيّة مطيرة على نطاقٍ واسع في المناطق حول خطّ الاستواء».

الانقراض

يقول أولسن: «لقد انتهت الحقبة الميسوزيّة بحدوثِ انقِراضَيْن عظيمَيْن، وانقراضٍ آخر أصغر حدَثَ في فترة العصر التّرياسيّ». قبل حوالي 252 مليون سنة، محا الانقراضُ العظيم في نهاية العصر البرميّ معظم الحياة على وجه الأرض الّتي امتدّت عبر 60 ألف سنة، وِفقًا لدراسةٍ في فبراير 2014 بمجلّة أعمال الأكاديميّة الوطنيّة للعلوم (PNAS). وفي نهاية الفترة التّرياسيّة -قبل 201 مليون سنة تقريبًا- قُضِيَ على مُعظم البرمائِيّات والمخلوقات الشّبيهة بالتّماسيح الّتي تعيش في المناطق المداريّة. أمّا قبل 65 مليون سنة، فقد اصطدم الكُويكب الهائِل بسطحِ الأرض مكوِّنًا فوّهةً عملاقةً في تشيكسولوب (Chicxulub) بشِبهِ جزيرةِ يوكاتان (Yucatan)، وقَد سُمّيت الفوّهة تِباعًا «تشيكسولوب».
ويُتابعُ أولسن: «لأنّ السّجلّ الأحفوريّ غير مُكتمل، فإنّه من الصّعب علينا أن نعرف بالضّبطِ ما الّذي سبّبَ الانقراضات الجماعيّة، أو حتّى مدى سُرعة حدوثها في ذلك الوقت. وبعد كلّ شيء، فقد يكون سبب فُقدان العديد من الأنواع والآثار لهذه الأحداث الكارثيّة من سجلّنا الأحفوريّ، هو أنّ الرّواسب قد اختفت على مدى عشرات الملايين من السّنين». ثمّ يضيف أولسن: «إنّ الطّبيعةَ حاذقة جدًّا في التّخلّص من جُثثها».
مَعَ ذلك، هناكَ عددٌ من الأمور الرّئيسيّة الّتي قد تكون موضعَ اشتباهٍ في التّسبّب بحدوثِ كلّ هذه الانقراضات.
في نهايةِ العصر البرميّ، قاسَت مصاطبُ سيبيريا (Siberian Traps) ثَوَرَاناتٍ بُركانيّة ضخمة، والّتي يعتقد العُلماء بدورهم أنّها أدّت إلى أكبرِ انقراضٍ شهدتهُ الأرض. ولكن كيف حَدَثَ الأمر بالضّبط، فهذا متروكٌ للنّقاش. ومصاطِبُ سيبيريا هي مناطق شاسعة من الصّخور البُركانيّة، والّتي تكوّنت بوساطة الثّورانات البُركانيّة.
تَسبّبت الثّوَرَانات البُركانيّة بارتفاعِ مستوى ثاني أُكسيد الكربون في الغلاف الجوّيّ، وبحسبِ الدّراسات، فقد كانَ الارتفاع وجيزًا. ويُحتمل أنّ الثّوَرَانات قد زادت من درجة حرارة سطوح البِحار، مُؤدِّيةً إلى ارتفاعِ حامضيّة المحيطات، وبالتّالي اختناق الحياة البحريّة. واقترحت دراسةٌ أُخرى أيضًا في مارس 2014 بوساطة (PNAS) أنّ الثّوَرَانات قد أفرجَت عن كنوز ضخمةٍ دفينةٍ من عنصرِ النّيكِل في جوفِ الأرض، وبُحدوثِ هذا، أُتيحَت الفُرصة المثاليّة لآكِلات النّيكل الميكروبيّة باستهلاك كمّيّات كبيرة من النّيكل تُعرف باسم الميثانيّة الرُّزميّة (Methanosarcina)، ومن اسمها، يظهر لنا أنّها قد أطلقت بعدَ استهلاكها للنّيكِل كمّيّاتٍ كبيرة من غازِ الميثان، مُتسبّبةً بتسخينِ كوكب الأرض.
يُوافق معظم العلماء بأنّ الدّيناصورات قد اندثرت بتأثيرِ الكُويكب في نهايةِ فترة العصر الطّباشيريّ، وقد قَذَفَ هذا الكُويكب كمّيّة مهولة من الغبار في الجوّ، مُتسبّبًا بحجبِ أشعّة الشّمس، وإيقاف التّمثيل الضّوئيّ نتيجةً لذلك، وبالتّالي حَدَثَ انقطاعٌ كبيرٌ في السّلسلة الغذائيّة للكائِنات؛ وهذا يعني أنّ كلّ ما لم يَكُن صغيرًا جدًّا، أو يعتاشُ على فضلات غيرهِ قد مات.
ولكن، ومن ناحيةٍ أُخرى، فإنّ مصاطب ديكان (Deccan Traps) أو ما يُعرف الآن بالهِند، كانت تقذِفُ كمّيّاتٍ هائِلةً من الحِمَم البُركانيّة قبل وبعد الكُويكب، وتالِيًا، يعتقدُ القليل من العُلماء أنّ هذه التّدفّقات المُستمرّة للحمم قد تسبّبت رأسًا أو سرّعت من انقراضِ الدّيْناصورات.
يقول أولسن: «كما أنّ البُركانيّة أيضًا (Volcanism) قد تكون السّبب في انقراض نهايةِ الحقبة التّرياسيّة. وعلى الرّغم من أنّها تقودُ وبشكلٍ عامٍّ إلى حدوثِ احتباسٍ حراريّ، إلّا أنّه وبعدَ الثّوران البركانيّ الأوّليّ، كمّيّات هائلةٍ من الكِبريتِ قُذفت في الهواء مُسبّبةً فترةً وجيزةً من التّبريدِ العالميّ (Global cooling)، ومثل هذه الدّورات المُتعاقِبة من التّبريدِ والتَّسخينِ، يُتوَقَّعُ أنَّها حدثت مئاتٍ من المرّات عبرَ 500,000 ألف سنة. وهذه الدّورات من التّبريدِ، قد ارتبطَ ذِكرُها بحدوثِ تَلَفٍ هائلٍ للمحاصيل الزّراعيّة لعدّة مرّات، وذلك كما حَدَثَ في آيسلندا في أواخر القرن السّابع عشر وبداية القرن الثّامن عشر».
ويُتابع أولسن قائِلًا: «ونتيجةً لذلك، لم تَعُد الحيوانات الّتي استقرّت، ودرجات الحرارة المُعتدلة في المناطق المداريّة موجودة، أمّا الحيوانات الّتي كانت مكسوَّةً بنوعٍ من الرّيش يُدعى (Proto-feathers) مثل البِتيروسورس (Pterosaurs)، أو الّتي عاشت ضِمنَ مناطقَ ذات خطوطِ عرضٍ أعلى من غيرها -والّتي بدورها تكيّفت معَ التّفاوتات الكبيرة في درجةِ الحرارة- قد بَقِيَت على ما يُرام».
ويُنهي حديثَهُ قائِلًا: «عندما يكون لديكَ شتاءٌ بُركانيٌّ، حيثُ تنخفض درجات الحرارة لتحت الصّفر حتّى في المناطقِ المداريّة، فهذا أمرٌ مُدمِّرٌ».


مصدر

إعداد: أحمد زياد
تدقيق: عبدالسّلام الطّائيّ