كيف يرفع ثاني أكسيد الكربون درجة حرارة الأرض؟


يقول رئيس وكالة حماية البيئة (EPA) أنه لا يُصدق أن ثاني أكسيد الكربون هو السبب الرئيسي للتغيرات المناخية.

يقول رئيس الوكالة (سكوت بروت) في أخبار الصباح لقناة (CNBC):« أعتقد أنَّ القياس الدقيق لمدى تأثير أنشطة الإنسان نحو التغيرات المناخية لأمر صعب جداً القيام به، وهناك خلاف هائل حول مدى تأثير تلك الأنشطة.

لذلك فأنا لا أوافق على أنَّ الإنسان هو المساهم الرئيسي في حدوث الإحتباس الحراري الذي نشهده».

جاءت تصريحات (بروت) على عكس أبحاث العلماء حول التغيرات المناخية. ولكن حينما يُشكك رئيس وكالة حماية البيئة في إجماع الآراء فمن الصعب علينا أن نناقش علنياً ما يستخدمه علماء البحوث المناخية حينما يعبرون عن قلقهم إزاء التغيرات المناخية.

تقول (كاثرين مور باول)- عالمة المناخ والبيئة بالمتحف الميداني بشيكاغو-:« لدى العديد من الناس الكثير من المخاوف في حياتهم الشخصية و ليس لديهم حتى الوقت للقيام بواجباتهم».

ها هو أحد التفسيرات التمهيدية التي تجعل العلماء يعتقدون أن الأنشطة البشرية من مسببات تغير المناخ.

درجة حرارة الأرض في ارتفاع

في هذه النقطة من الصعب الجدال حتى مع أقوى المنكرين بشأن حقيقة الإحتباس الحراري، ببساطة يمكنك أن تقول أن الحرارة تزداد في الخارج. بالجمع بين القياسات للمحيطات واليابسة بين عام 1850 وعام 2012 وجد الباحثون أن متوسط درجة حرارة الهواء الملامس للسطح قد ارتفعت عالمياً بحوالي 1.4 درجة فهرنهايت أو 0.8 درجة سيليزية منذ بداية العصر الصناعي.

جاء هذا حسب خامس تقرير من الفريق الحكومي الدولي المعني يتغير المناخ (IPCC) والذي صدر في 2014. ويوضح الرسم البياني في الشكل أعلاه ملخص تقرير (IPCC) لصانعي السياسات والذي تُبين الشذوذ في درجة الحرارة السليزية.

الرسم البياني التالي في هذه السلسلة يُشير إلى ارتفاع مستوى سطح البحر، والذي زاد عالمياً بمقدار 7.4 بوصة (0.9) متر في المتوسط منذ عام 1901. طبقاً لـ (IPCC) فإن معدل الارتفاع في منسوب سطح البحر في منتصف القرن الثامن عشر كان أعلى من القرنين السابقين له.

يستخدم العلماء قياسات المد والجزر وصور الأقمار الصناعية ليتتبعوا التغيرات في مستوى سطح البحر، وذلك طبقاً للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA).

أما حسب ما أوردته وكالة ناسا، فإن الجيولوجين وعلماء الأرض يدرسون الصخور والحفريات بالإضافة إلى الرواسب ليحصلوا على نظرة توقعية بعيدة المدى للتغيرات في مستوى سطح البحر.

الرسومات البيانية بالأسفل تُشير إلى ارتفاع تركيز الغازات الدفيئة والانبعاثات المتوقعة من ثاني أكسيد الكربون عن طريق الإنسان منذ 1850. الاتجاه العام نحو الارتفاع واضح في كل شكل.

يُراقب العلماء ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي عن طريق ضخ كميات من الهواء بداخل غرفة مخصصة ثم توجيه الأشعة تحت الحمراء نحو تلك الغرفة. يمتص ثاني أكسيد الكربون الأشعة تحت الحمراء بكفاءة عالية – أكثر من هذه الكمية في دقيقة واحدة- لذا فإن كمية الأشعة تحت الحمراء المُمتصة يُمكن الاستدلال بها على كمية ثاني أكسيد الكربون في العينة .

الموقع الرائد والأطول بقاءاً لهذا النوع من القياسات هو مرصد (مانا لو- Mauna Loa) بهاواي، والذي أصدر مؤخراً إحدى تقاريره بشأن تركيز ثاني أكسيد الكربون بالغلاف الجوي والذي تجاوز الـ 400 جزء للمليون. في حين أنه في عام 1958 حينما بدأ المرصد عمله كانت نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي حوالي 315 جزء للمليون.

فيزياء الغازات الدفيئة:

ثاني أكسيد الكربون ليس المسبب الأول للاحتباس الحراري لكوكبنا. في عام 1896 نشر عالم سويدي يُدعى (سفانتي أرهينيس) – والذي فاز في ما بعد بأول جائزة نوبل في الكيمياء – ورقة بحثية في المجلة الفلسفية ومجلة العلوم والتي أسست فيما بعد لما يُعرف الآن بـ «تأثير الغازات الدفيئة». التأثير هو نتيجة لمدى تفاعل الطاقة مع الغلاف الجوي.

يخترق ضوء الشمس الغلاف الجوي في صورة أشعة فوق بنفسجسة وضوء مرئي، بعض من هذه الأشعة يرتد إلى الفضاء على صورة أشعة تحت حمراء أو حرارة. الغلاف الجوي مُكوَّن من 78 % من النيتروجين و21% من الأكسجين والذان يُعتبرا من الغازات التي تحتوي جزيئاتها على ذرتان فقط. هذه الأزواج المرتبطة بقوة لا تمتص الكثير من الحرارة.

أما الغازات الدفيئة بما فيها ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء والميثان، فكل منهم لدى جزيئاته على الأقل ثلاث ذرات. هذه الروابط البسيطة بين الذرات لديها القدرة على امتصاص الأشعة الموجية الطويلة أو ما يُعرف بالحرارة، مُجبرة إياها على العودة للأرض مرة أُخرى.

حينما تُعيد جزيئات ثاني أكسيد الكربون هذه الأشعة الموجية الطويلة للأرض مرة أخرى فالنتيجة هي الارتفاع في درجة حرارة الأرض.

هل هو فعلاً غاز ثاني أكسيد الكربون؟

إذاً درجات الحرارة في ارتفاع مستمر كلما زادت مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ولكن هل هناك رابط بين الأمرين ؟

بالفعل هناك رابط قوي. ففي عام 2006 قدم العلماء بياناً في المؤتمر الثامن عشر حول التغيرات المناخية حتى التي تم قياسها مباشرة باستخدام مقياس الطيف (Spectrometers) – أداة يمكنها قياس الطيف لتحديد كل طول موجي على حدى – استطاع الباحثون تحليل الأطوال الموجية للأشعة تحت الحمراء التي تصل للأرض. مُعتمدين على اختلاف الأطوال الموجية توصَّل العلماء لوجود أكثر من إشعاع يُحدث نتيجة المساهمة الخاصة للغازات الدفيئة.

بشكل عام، وجد الباحثون أنَّ إشعاع الغازات الدفيئة قد زاد بحوالي 3.5 واط لكل متر مربع مقارنة بما قبل بداية العصر الصناعي (ارتفاع يُقدر بحوالي 2%).

أشار بعض الباحثون الآخرون إلى غياب العديد من الأطوال الموجية للأشعة تحت الحمراء المتجهه إلى الفضاء، وهذه ظاهرة تحدث نتيجة احتباس هذه الأطوال الموجية داخل الغلاف الجوي. يعرف العلماء أيضاً أن كميات الكربون الزائدة في الغلاف الجوي هي نفسها الكربون الناتج من حرق الوقود الحفري (الحيوي).

تقول (مور بويل) :« من خلال تحليل الاختلافات الجزيئية المسماة بالنظائر يُمكن للباحثين معرفة مصدر الكربون في الغلاف الجوي، من المنظور العلمي نعلم كيف يبدو حرق الوقود الحفري». هذا لا يجعلنا بالطبع نعتقد أن المناخ بنفس بساطة المدافئ الزجاجية.

هناك العديد من العوامل المؤثرة على درجات الحرارة العالمية، تتضمن انبعاثات البراكين والتغيرات في الدورات الشمسية والتغير أيضاً في مدار الأرض والذي يُغير بدوره كمية الأشعة الشمسية التي تصل إلى الأرض.

يعرف العلماء أنَّ اللوم لا يقع على الشمس والبراكين بشأن التغير المناخي. طبقاً لـ (IPCC) فإن انبعاثات البراكين من ثاني أكسيد الكربون تبلغ أقصى تقدير 0.01 من انبعاثات البشر من غاز ثاني أكسيد الكربون منذ عام 1750.

بالإضافة إلى أن الثورات البركانية تُسبب التغير المناخي لفترات زمنية قصيرة حوالي سنتان فقط وليس التغيرات طويلة المدى الملحوظة مؤخراً.

على الرغم من اعتبار الشمس الكوكب الأكثر تعقيداً، إلا أن الباحثون وجدوا أنَّ الحد الأدنى من الدورة الشمسية الحالية (من 1986 وحتى 2008) هو أقل من الحد الأدنى من الدورتين السابقتين لهذه الدورة (تتحرك الشمس بين الحد الأدنى الهادئ والحد الأقصى النشط مرة واحدة كل خمس سنوات). فإننا نستنتج من هنا أن التأثير المتوقع من هذا النشاط الشمسي هو التبريد وليس التدفئة.

وبالمثل أيضاً في عام 2012 وجدت دراسة أنَّ بين عامي 2005 و 2010 – تلك الفترة التي تشهد أقل نشاط للشمس – أنَّ الأرض مازالت تمتص 0.58 واط من الطاقة الزائدة لكل متر مربع. مستمرة في إرتفاع درجات الحرارة على الرغم من المستوى المنخفض للطاقة الشمسية التي تؤثر على النظام.

أين هو المجهول الحقيقي؟

بالنظر إلى قيمة هذه الأدلة، فقد أجمع العلماء على أن التغير المناخي يحدث بالفعل، وأن انبعاثات الغازات الدفيئة من البشر هي السبب الرئيسي.

إذاً ما هو النقاش الحقيقي بين العلماء؟

هناك العديد من الأسئلة المتبقية حول مدى سرعة التغير المناخي وإلى أي مدى ستكون هذه التأثيرات دقيقة؟
تقول (مور باول) :« ما أريد أن أقوله والأكثر غموضاً في الأمر- يمكن أن تتغير تلك الأشياء ببساطة و بأي سرعة ، أنا أهتم جداً بالسرعة -».

واحدة من الأشياء المجهولة الرئيسية هي التأثير النهائي للسُحب على التغيرات المناخية. السُحب بيضاء اللون لذلك فإنها تعكس الأشعة الضوئية مرة أخرى للفضاء، مما ينتج عنه تبريد الكوكب. ولكن السُحب أيضاً عبارة عن بخار ماء والذي يحبس الحرارة.

وهناك العديد من أنواع السُحب التي يكون لديها التأثيرين التبريد والتدفئة، لذلك فإن الدور الذي تقوم به السُحب في دورة الإحتباس الحراري يبقى من الصعب تحديده بدقة.

سؤال آخر من الأسئلة المُلِحَّة، إلى أي إرتفاع وبأي سرعة سيتحرك منسوب مياه البحار والمحيطات؟ في حين أنَّ المياه الدافئة تزداد في البحار والمحيطات وجليد القارة القطبية (أنتركتيكا) يذوب أيضاً. تنبأت الـ (IPCC) بارتفاع قدره من 20 إلى 38 بوصة (52 إلى 98 سم) بفرض أنه لم تحدث أي جهود للتقليل من انبعاثات الغازات الدفيئة.

يقول الباحثون أنَّ نطاق الزيادة في منسوب المياه هذا واسع وكبير جداً، حيث أن الحركة الديناميكية لطبقات الجليد لقارة أنتركتيكا غير مفهومة كلياً.

فإذا هبطت الأنهار الجليدية الموجودة بالقارة القطبية نحو البحار مع ارتفاع طفيف في درجات الحرارة فستكون هذه واحدة من الأخبار الكارثية للمجتمعات الساحلية. ولذلك فإن العلماء يراقبون عن كثب الآن الصدع وهو يقسِّم الجرف الجليدي لارسين C في بحر ويدل.

إذا كان جليد كالفينج على وشك أن يزعزع من استقرار الجرف الجليدي، لأن ذلك سيؤدي إلى سرعة هبوط الأنهار الجليدية خلفه نحو المحيط. هذا التدفق الجليدي السريع حدث بالفعل منذ فترة وجيزة في 2002 حينما تفتت الجرف الجليدي لارسين B.

لعالمة بيئة كـ مور باول يُطرح عليها العديد من الأسئلة التي لاتعد ولا تحصى حول مدى إستجابة الأنظمة البيئية للتغيرات المناخية. إذا كانت السرعة بطيئة كفاية، فإن الحيوانات والنباتات يمكنها التأقلم ولكن في بعض المناطق التغيرات المناخية تحدث بسرعة.

تقول (مور باول) :« في هذه السرعة لا يوجد وقت كاف لتتأقلم الكائنات الحية مع التغيرات الجديدة».


ترجمة: محمد خالد عبد الرحمن
تدقيق: أسمى شعبان
المصدر