ستكون هذه السنة غير اعتياديةٍ للمتنبئين بالكوارث، فاعتمادًا على النبوءة، فإنه مقدر للعالم أن ينتهي بوساطة عاصفة شمسية، أو اصطدام كويكب، أو تصادم كوكب مارق، أو طاعون، أو نجوم متساقطة، أو زلازل، أو أزمات اقتصادية، أو ربما جميعها متحدة، وبالتأكيد لا يبدو أن أحدًا يقوم بالاستعداد لهذه الرؤى التنبؤية المتعلقة بسنة 2012.

ولم علينا الاستعداد؟ إذ يروج علميًا لهذه النبوءات بشكلٍ مبالغ فيه ومتشدد، ويمكن لعلماء الفيزياء القيام بأفضل من ذلك، فعندما يتعلق الأمر بسيناريوهات النهاية، فلدى جامعي ومحللي البيانات الكونية أدوات أكثر إفادة وذات معنى، تخبرنا كيف سينتهي العالم بحق، ليست متعلقة بالأرض فقط، بل بالكون أجمع، والأفضل من ذلك أنها تخبرنا كيف ننجو.

والأمر الغريب أنه يمكن للعلم التنبؤ بأشياءٍ كموت النجوم بصورة أفضل من طقس الأسبوع، إذ يمكن للعلماء النظر للمستقبل بدقة عالية، باستخدام نفس قوانين الفيزياء التي سمحت لهم بدراسة الانفجار العظيم قبل 13.7 مليار سنة، وقلة من الأشخاص استطاعوا الاطلاع على الموضوع أكثر من جامعة كالفورنيا بمدينة سانتا كروز، وطالبها جريج لولن أحد رواد النبوءات العلمية، وكطالب خريج سنة 1992، عمل بإصرار على محاكاة بسيطة على جهاز الكمبيوتر لتشكل النجوم، والذي تركه يعمل عند ذهابه لتناول الغداء، وعاد بعد ساعةٍ ليجد أن المحاكاة تقدمت 100 مليون مليار سنة، أبعد بكثير من المستقبل الذي فكر به معظم العلماء أو اجترؤوا على استكشافه.

لم يكشف برنامج المحاكاة عن أي شيء مذهل أو مروع، فالنجم المحاكى كان قد أصبح باردًا ومات، لكن لولن أُسر بفكرة استخدام محاكاة فيزيائية لاجتياز شوط كبير من الوقت، ويقول «لقد فتحت عيناي على حقيقة أن الأشياء ستتطور وستبقى موجودة في جداول زمنية تجعل من عمر الكون الحال صغيرًا جدًا».

وبعد أربع سنوات، كان ما زال لولن مبهورًا، فقام بالتعاون مع فريد آدامز، وهو بروفيسور فيزياء بجامعة ميتشغان، للتحقيق في مستقبل الكون بصرامة أكثر، وبالعمل في أوقات فراغهم، قاما بتأليفٍ مشتركٍ لورقة علمية من 57 صفحة، نشراها في مجلة «ريفيو أوف موديرن فيزيكس» والتي فصلت سلسلة من الأحداث المتوالية لنهاية العالم المستقبلية وهي: موت الشمس ونهاية النجوم، وسناريوهات عدة لمصير الكون ككل.

إلا أن تلك الورقة العلمية أثارت مفاجأة للصحافة المشهورة، بل وحتى اعتلت الصفحة الأولى من صحيفة نيويورك تايمز، وسريعًا وجد لولن وآدم أنفسهم مطلوبين وبشدة لالقاء محاضراتٍ كشخصيات عامة، وانضموا إلى زملاء بنفس تفكيرهم في نقاشاتٍ حول مواضيع ثقيلةٍ، كفيزياء الأبدية وطرق محتملة للنجاة من أحداثٍ كونية لا يمكن تصورها، فإحدى التوقعات المستقبلية تبين أن انشقاقًا عنيفًا سيحدث في نسيج الزمكان ، سيمحق كل شيء في غضون 30 دقيقة، ويقول جلين ستاركمان، المتخصص بالفيزياء النظرية في جامعة كيس ويسترن ريزريف في كليفلاند، والمؤلف المشارك لأوراق علمية مثل «لا أحد يجعل من أحداث كونية هائلة كالموت والحياة في كون يتمدد باستمرار عمل حياتهم إذ توجد مشاكل أكثر أهمية واضطرارية ولكنه أمر ممتع للتفكير ».

رحلة من كوكب الأرض

تبدأ المتعة لستاركمان ومستقبليين آخرين، بعد مليار سنة من الآن، على مدى 5000 ضعف العصر الذي جاب الإنسان «الهومو سابيان» فيه الأرض، وبوضع الافتراض السخي، بأنه سينجو الإنسان عصور جليدية عدة، وانحرافٍ لا مفر منه للكوكب أو اصطدام مذنب «تتنبأ ناسا أنه سيرتطم نيزكًا بين الحين والآخر، لا يقل حجمه عن عشرة أضعاف النيزك الذي محا الديناصورات» وبعيدًا عن كل هذا فإن الباحثون يتنبؤون أننا سنواجه مشكلةً أكبر : شمسٌ تشيخ.

تضيء النجوم المستقرة كالشمس، عبر دمج ذرات الهيدروجين معًا لإنتاج الهيليوم والطاقة، وبينما يكبر النجم في العمر، يدفع الهيليوم المتراكم في النواة تفاعلات الهيدروجين النشطة للخارج، فيتمدد النجم ويلقي مزيدًا من الحرارة إلى الكون كنتيجة لذلك، كما أن شمس اليوم أكثر سطوعا بنسبة 40%عما كانت عليه عندما ولدت قبل 4.6 مليار سنة، ووفقًا لنموذج وضعه عالما الفلك شروردر وروبرت كانون سميث في جامعة ساسكس بإنجلترا عام 2008، أنه وبعد مليار سنة ستطلق الشمس طاقة بما يعادل 10% أكثر من تلك التي تطلقها الآن، ما ينتج حالة من الاحترار العالمي على كوكب الأرض غير قابلة للجدل، ونتيجة لذلك ستغلي المحيطات ويجف المناخ، بينما يتسرب بخار الماء إلى الفضاء، وسترتفع درجات الحرارة لأكثر من 700 درجة فهرنهايتية، وسيتحول كوكبنا إلى ما يشبه كوكب زهرة من طراز لا يحتمل الحياة، مختنقٌ بغيوم سميكةٍ من الكبريت وثاني أكسيد الكربون، وربما تبقى البكتيريا في قطراتٍ صغيرة من الماء السائل، عميقًا تحت السطح، لكن تواجد الإنسان في هذه الأثناء سيكون قد انتهى.

ربما لن تهم نتائجٌ كارثيةُ كهذه، خصوصًا إذا استطاع أبناء الأرض إيجاد طريقة لاستعمار المريخ أولًا، إذ يعرض الكوكب الأحمر إيجابيات أمان عديدة: قريب نسبيًا ويبدو أنه يحتوي على مكونات عدة لمتطلبات الحياة، فسلسلة من البعثات الروبوتية من الفايكينج في العام 1970 إلى مسبار مركبة سبيريت الفضائية والتي ما زالت تتجول في المريخ لليوم، قد رصدت مجاري أنهارٍ قديمةٍ وقمم جليدية قطبية تخزن ماء كافٍ لغمر كل الكوكب في محيط عمقه 40 قدم، وفي أغسطس الماضي، أعاد مسبار استطلاع المريخ إرسال صور دلت على وجود ماء مالح ما زال يطفو على السطح.

والرادع الوحيد لأن يسكن الإنسان كوكب المريخ هو برودته الشديدة، ولكن يمكن لشمسٍ مشعةٍ أن تحل المسألة، أو يمكن للبشر أن يبدؤوا بالعمل على ذلك من غير الانتظار لمليارات السنين، وبحسب قول كريستوفير مكاي عالم الكواكب في ناسا «مما نعرفه يتضح أنه كان على المريخ حياة ومحيطات وغلاف جوي سميك، ويمكننا إرجاع ذلك».

مكاي هو عالمٌ رائدٌ في دراسة عملية لتحويل المريخ لكوكب يشبه الأرض في عملية تسمى بإعادة تأهيل المريخ، إذ قام اعتمادًا على تجارب علميةٍ ونماذج مناخية ببرهان أن تصنيع وإطلاق أكثر من 3 ملياراتٍ من المركبات الكربونية الفلورية المشعة وغازات دافئة مكثفة قد تدفئ الكوكب، فتتولى عندها العمليات الطبيعية الأمر: إذ ستذوب القمم الجليدية، محررةً الماء وثاني أكسيد الكربون، وتسرع عملية التدفئة، حتى يصبح للكوكب غلافًا جويًا سميكًا مستدامًا، في عقل مكاي مليار سنةٍ هو وقت طويل لبناء محطة مريخية متخصصة ومركبة فضائية تأخذنا هناك، كما يذكر أن التكنولوجيا الحالية يمكنها نظريًا إطلاق رواد فضاءٍ للمريخ في 3 أشهر، ويأمل أن نستطيع التحسين من ذلك خلال العصر المقبل.

ولكن إلى الآن، لنفترض أن انتقال الإنسان إلى المريخ بنجاح هو أمرٌ ممكن، وبحسب حسابات لولن، يمكن للحياة هناك أن تمضي قدمًا بأريحية لما يقارب 4.5 مليار سنةٍ أخرى بعد أن تصبح الأرض غير صالحةٍ للحياة، وقبل أن تنتفخ الشمس مرة أخرى مسببةً خطورة، فوفقًا للنماذج القياسية للتطور النجمي، بحلول ذلك الوقت ستستنزف الشمس احتياطها من الهيدروجين الموجود في نواتها بشكلٍ كبير، وستنتقل تفاعلات الانصهار إلى الخارج لتبدأ الشمس عندها بالانتفاخ، إذ شاهد علماء الفلك عبر تلسكوباتهم هذا السيناريو يحدث لكثير من النجوم الأخرى، فيعرفون بقدرٍ كبير من اليقين ما الذي سيحدث تاليًا: ستتضخم الشمس بسرعة نمو دراماتيكية، لتصبح عملاقًا أحمر، أضخم ب250 مرة وأكثر سطوعًا ب 2700 مرة من ضخامتها وسطوعها الحالي، فتتمدد أكثر وأبعد إلى النظام الشمسي، وسوف يذوب عطارد والزهرة والأرض ويحول المريخ لأرضٍ منصهرة.

إذًا أين الوجهة المقبلة؟ ربما ستنتقل المستعمرات المريخية إلى يوروبا (قمر المشتري)، حيث يؤمن العلماء بوجود محيط كبير من الماء السائل المختبئ تحت القشرة الجليدية، وعند تسخينه بالشمس الحارقة، سيتحول يوروبا إلى كوكب ٍ وفير المحيطات، وعندما يسخن يوروبا أكثر، عندها سيتحتم إيجاد وجهة أخرى، وقد تكون وجهة البشر التالية تيتان (قمر زحل)، الذي يملك غلافًا جويًا سميكًا وغنيًا بالمركبات العضوية، ولكن ستقلي الشمس تيتان في النهاية، وجميع المحطات المتبقية في النظام الشمسي أيضًا، وحتى بلوتو البارد جدًا (-400 فهرنهايت حاليًا) سيصبح أيضًا ساخنًا بصورة تستحيل الحياة عليه، وفي النهاية وبعد 130 مليون سنة بعد أن تخضع الشمس لفورة نشاطٍ أخيرة وتطرد غلافها الخارجي للفضاء، ستخلف ورائها قزمًا أبيضًا: كتلة ساخنة كثيفة من الكربون والأكسجين ليست بأكبر من الأرض، وبالتنقل داخل النظام الشمسي خلال كل هذه الدراما سيكون قليلًا مثل انتقال منزل الشاطئ إنشًا واحدًا.

إلى بروكسيما سنتوري

يعتقد لولن بأنه في هذه الظروف، فإن البقاء المستمر لجنسنا على قيد الحياة، سيعتمد على تطوير مركبة فضاء عالية السعة، تدفع بواسطة انصهار نووي أو المادة المضادة تستطيع نقل الناس بسرعة إلى كواكب تدور حول نجوم أخرى، فالصورايخ الكيميائية الحالية بطيئة جدًا، ومن الممكن أن تستغرق 100,000 سنة للوصول إلى أقرب نجم، وحدد علماء الفلك ما يفوق ال600 كوكب تحول نجومٍ أخرى، بعضها تقارب حجم الأرض، ويؤمنون بوجود عدة مليارات أخرى من الكواكب في مجرتنا.

يوصي لولن لحلٍ طويل الأجل، باستعمار كوكب يملك شمسًا أكثر استقرارًا، خذ بروكسيما سينتوري كمثال، وهو النجم الأقرب إلينا بمسافة تعادل 4.2 سنة ضوئية عن الأرض، وهو قزم أحمر اللون، أصغر وأبرد من شمسنا الحالية وبفترة حياة تقدر ب 4 ترليون سنة، أي ما يقرب 400 مرة أطول من شمسنا، لكن لم يجد علماء الفلك أي كواكب تدور حوله بعد، لكنهم اكتشفوا كواكب تدور حول نجومٍ مشابهة، ويحدث أن تكون الأقزام الحمراء أكثر أنواع النجوم شيوعًا في المجرة، وحتى لو كان بروكسيما سينتوري ليس بهذا القرب، فما زالت لدينا العديد من خيارات السكن.

ويقول لولن «إذا استعمر الإنسان الكواكب تدور حول بروكسيما سنتوري بنجاحٍ أو أقزام حمراء أخرى، سنستمتع بترليونات السنواتٍ من عيشٍ حرٍ مريح» ويضيف لولن «المستقبل يكمن في الأقزام الحمراء».

ولذلك حتى يموت القزم الأحمر، وعند فناء بروكسيما سينتوري، سينتقل البشر إلى قزمٍ أحمر آخر وبعدها إلى آخر، لكن هذه الاستراتيجية لن تجدي نفعًا إلى الأبد، فالنجوم تحتاج لوقود، وباتساع وضخامة الكون، فإنه يوجد الكثير ليحدث هناك، وفي حين استهلاك النجوم المتشكلة حديثًا مخزون الكون من الهيدروجين، سيُستنفذ مخزون الكون من الهيدروجين بعد مئة ترليون سنة، وباستهلاك النجوم الحالية لقطراتها الأخيرة من الوقود ستنطفئ واحدة بعد أخرى، وسيختفي ضوء الكون بالكامل.

ماذا بعد؟ كيف يمكن للبشرية النجاة من دون ضوء ودفئ؟ يقول لولن أن الجواب يكمن في احتياطات وقود الكون السرية: الأقزام البنية، وكرات الهيدروجين التي تشبه المشتري والتي هي كبيرة جدًا على اعتبارها كوكب، ولكنها لم تحرز أبدًا الثقل لتكون نجمًا كاملًا، ففي العام 2009 أطلقت ناسا قمرًا صناعيًا بوزن 1,433 باوند، حامل معه تليسكوب أشعة حمراء واسع النطاق، مصمم جزئيًا ليكشف عن نجوم قزمةٍ كهذه، ومنذ ذلك الوقت أظهرت 100 منهم على بعد 20 سنة ضوئية من الأرض، وبناءًا على هذا المثال، من الممكن أن تحتوي المجرة على مليارات أخرى، ويتصور لولن أن يمكن لهذه الكرات الباردة من الغاز أن تبقي الحضارات على نفس الوتيرة حتى بعد موت الأقزام الحمر، ويوضح أنه عند اصطدام الأقزام البنية، فإنها يمكن أن تثير ولادة نجم جديد، ويضيف «سيكون هناك دائمًا ولوقت طويل قرابة 10 إلى 15 نجم يسطع في المجرة كل ترليون سنة، وستستمر تصادمات الأقزام البنية مليارات المليارات من الاعوام، ما سيبقينا باقون على قيد الحياة على متن الأقزام الحمراء».

ولكن ربما لا نحتاج إلى الاعتماد على التصادمات المحتملة، إذ فكر جلين ستاركمان، الفيزيائي في جامعة كيس ويسترن، بالفترة الزمنية الخالية من النجوم ووجد خطة طارئة، فيقول في الوقت الذي لا تستطيع الطبيعة أن تصنع نجومًا جديدة، ربما وقتها سنتوصل إلى كيفية صنع نجوم خاصة بنا، فيأمل أنه سيكتشف أحدهم في مكان ما طريقة لاستخلاص بقايا النجوم الميتة لتوليد الطاقة، ويقول «يمكننا أن ننجح بالانتقال من نجم إلى آخر، واستهلاكها ببطء».

أما بقايا النجوم النيوترونية، فإنها ستشكل القيمة الأكبر، فهي من أكثر الأشياء كثافةً في الكون، فهي تخزن كتلةً عدة أضعاف كتلة الشمس وبقطر يساوي من 10 إلى 15 ميل، ويقول ستاركمان «كل واحدة من هذه النجوم ستوفر الطاقة للحضارات لأوقات طويلة»، وكيفية استخدام كل تلك الطاقة هو سؤال مختلف تمامًا.

الأيام الأخيرة للكون

عندما درس الفيزيائيون الكون بعد 100 تريليون سنة، شاهدوا عندها تهديدات محتملة رهيبة أكثر من شمس متوسعة أو حتى موت كل النجوم، ويقول ستاركمان أنه علينا أخذ التأثيرات المحتملة لانتشار قوة كونية تعرف بالطاقة المظلمة، ويضيف «لتوضيح ذلك، فإن الطاقة المظلمة سيئة جدًا للحياة».

لا يعلم العلماء ماهية الطاقة المظلمة، ولكنهم يعرفون بأنها تبذل تأثيرًا تنافريًا يجعل الكون يتمدد أسرع فأسرع، وللوهلة الأولى قد يبدو فيها شيئًا جيدًا، إذ يخلق الكون المتمدد فراغًا اكبر، وبالتالي حدودًا أكبر للاكتشاف والاستثمار، ولكن للطاقة المظلمة جانب سلبي مشؤوم، إذ تبعد المجرات عن بعضها.

وفي غضون 100 مليار سنة، وفي حين استمتاع الإنسان بالبقاء المطول قرب بروكسيما سينتوري، بعض الفيزيائين كستاركمان، يعتقدون بأن الطاقة المظلمة ستوسع المسافات الهائلة من الفراغ بين مجرة درب التبانة ومجرات أخرى، صانعةً مسافات غير صالح للمرور بينهم، وبهذه الطريقة، كل المجرات خارج مجرتنا ستنتهي بكونها غير مرئية وغير قابلة للولوج، والمحاولة للسفر بين المجرات عقيم كالهرولة في نفس المكان، حتى وإن حقق الجيل المستقبلي حلم مسلسل الخيال العملي ستار تريك باندفاع المركبات الفضائية بسرعة الضوء، لن يصلوا أبدًا إلى وجهاتٍ خارج المجرة.

وتعرف هذه الظاهرة لدى الفيزيائين ب”the big chill”،والتي تحد من المصادر بشكل كارثي، وبوجود كل المادة والطاقة بعيدًا عن متناول مجرة درب التبانة، لن يكون بمقدورنا رؤية النجوم والكواكب في مجراتٍ أخرى، وكتب ستاركمان في ورقته العلمية التي نشرها عام 2000 بعنوان استكشاف مصير الحياة المحتّم، «لن يكون هناك عوالم جيدة للغزو، وسنكون وحيدين في الكون حقًا» وفي ذلك السنياريو، يجب على البشر أن يستغلوا جميع ما تبقى من نجوم نيترونية وأقزامبنية في المجرة، ولكن وبمجرد استهلاكنا لآخر جزء من المادة والطاقة، لن يكون هناك أي شيء بعد، وستنقرض البشرية.

يمكن للكون أن يستمر بالوجود إلى الأبد، ولكن فقط كظل لكينونته القديمة النابضة بالحياة، وسيصبح تدريجيًا مظلمًا أكثر وأبرد وفارغَا أكثر، وباضمحلال المادة الضئيلة المتبقية، أو امتصاصها من قبل الثقوب السوداء في مركز كل مجرة، وبمجرد استحواذهم لكل مظاهر المادة في غضون 10100سنة، فإنه حتى الثقوب السوداء ستتبخر وتختفي.

ويشير روبيرت كالدويل، الفيزيائي بكلية دارتماوث بأنه سيناريو كئيب، ولكنه ليس الأكثر كآبة، فوفقًا لحساباته يمكن لل(big chill ) أن يصنع نهاية سعيدة مقارنًة بما لقبه هو وزميله مارك كاميونكوسكي بالتمزق الأكبر، ففي ورقته العلمية (طاقة السراب أو الشبح ويوم القيامة الكوني) التي نشرها في عام 2004، اكتشف احتمالية نمو الطاقة المظلمة بقوة أكبر في المستقبل، في الحاضر تشعرنا بنفسها فقط من على مسافة هائلة، كالفراغات بين مجموعات المجرات، ولكن كالدويل يقول أن بعض النظريات تشير إلى الطاقة المظلمة ستبدأ بالتوسع، وفي هذه الحالة بغضون 20 مليار سنة تقريبًا، في وقتٍ مبكر من إقامتنا المؤقتة حول قزمٍ أحمر، من الممكن ان تبدأ الطاقة المظلمة إعاثة الفساد لأشياء أصغر بكثير.

وستُنتزع النجوم بعيدًا عن مجراتها، كما ستسحب الكواكب بعيدًا عن نجومها، وبغضون نصف ساعة غير اعتيادية، ستمزق الطاقة المظلمة تدريجيًا حتى أصغر قطع الكون، طبقة بطبقة، وسيتفكك كوكب منزل الإنسانية، بدايةُ بالغلاف الجوي، بعدها القشرة، وصولًا بمركز الأرض في انفجار رهيب، ويقول كالدويل «أي شيء يقع على الكوكب سيعوم»، وفي آخر 9-10 ثواني، ستمزق الطاقة المظلمة ذرات الفرد، وفي النهاية ستمزق نسيج الزمكان، معلنةً بذلك نهاية الكون بصورة رسمية، والعزاء الوحيد أن انقراض الحياة سيكون سريعًا وغير مؤلم.

يعرف العلماء القليل جدًا عن الطاقة المظلمة حتى يحددوا بدقة مصير (the big chill) أو التمزق الأكبر أو أي منهما، ولكن يدرس كالدويل وعلماء كونيات آخرون مستعرات عظمى سحيقة لقياس تمدد الكون واستكشاف النزعة التأثيرية للطاقة المظلمة بمرور الوقت ويقول كالدويل «نحن الآن على الخط الفاصل بين the big chilli والتمزق الأكبر، ونافذة الشك تتضمن كلا الاحتمالين».

الهروب الأخير

حتى في أكثر التوقعات تفاؤلًا، ستحرمنا الطاقة المظلمة من الموارد في حالةthe big chill، ولكن هذا يتركنا مع 10,000,000,000,000,000,000 سنة لتطوير أكثر الاستراتيجيات قدرة على إبقائنا على قيد الحياة: وهي تتنقل بالهرب من الكون قبل أن يبرد أويتمزق أويستبعد أو يستقر في العدم، أجل إنها جميع السناريوهات التي قد أخذها الفيزيائيون بعين الاعتبار.

ويعتقد علماء كونيات آخرون بوجود أكوان أخرى متواريةً بعيدة عن أنظارنا، بعددٍ يقارب ال10500 وفقًا لنظرية الأوتار، التي تعتبر النهج الرائد في توحيد كل قوانين الكون الفيزيائية لتشكيل حل واحد رائع، وفي أغسطس الماضي، استخدم فيزيائيون يونانيون وألمانيون معادلات نظرية الأوتار لوصف إمكانية تطوير ثقوب دودية تربط كوننا بأكوان أخرى، ومع 10500 للاختيار منها، واحدةً منها على الأقل يجب أن تكون صالحة للعيش.

وفي النهاية لا تنظر إلى ستاركمان للحصول على المشورة، فإنشاء الأنفاق عبر الثقوب الدودية لأكوان أخرى يمثل بالنسبة له حد رفيعًا يفصل بين التكهن واللاهوت، ولكنه يقول «أصبحنا الآن حقًا أكثر قدرة على التكهن».


  • ترجمة: قصي أبوشامة
  • تدقيق: رؤى درخباني
  • تحرير : رغدة عاصي
  • المصدر