كتب فيل بليت (Phil Plait) عام 2008:

يوليو 1969، كان أول هبوط للإنسان على سطح القمر، وخلال ثلاث سنوات لاحقة فعلناها خمس مرات.

على الرغم من إحضار مئات الكيلوات من الأحجار والصخور، والآلاف من الصور، والتحقيقات والتوثيقات المستقلة من عشرات الدول (بعضها كان وما زال أعداءنا) إلا أن بعض النّاس يرفضون بعناد الاعتراف بأن هبوط مهمات أبولو على القمر كان حقيقيًا.

لا أريد الخوض في ادعاءاتهم الوهمية هنا، بل بدلًا من ذلك فلنلقِ نظرة على سؤال يبدو بسيطًا، إذا كان الهبوط حقيقيًا لماذا لا نوجّه تلسكوب هابل أو أي تلسكوب آخر نحو موقع الهبوط ونلتقط بعض الصور؟

الجواب واضح بشكلٍ كافٍ، سئلت هذا السؤال مرات عديدة، لذا قررت أن أشرح لماذا لن تعمل هذه الطريقة، ومع أن الجواب سيكون مفاجئًا لمعظم الناس؛ لكن العلم لا يكذب.

تكمن الفكرة الرئيسية في أنه عندما غادر رواد الفضاء سطح القمر خلّفوا بعض الآثار، بما في ذلك قاعدة المركبة (أو منصة الهبوط) المسؤولة عن إنزالهم على السطح والجوال (بالنسبة لأبولو 15, 16, 17).

منصات النزول أعرض قليلًا من أربعة أمتار (وامتدت أقدام الهبوط بطول 9 أمتار لكنها كانت نحيلة ولذلك فالأسهل رؤية جسد المنصة) وبلغ طول الجوال 3 أمتار وعرضه مترين.

تبدو هذه الأرقام وكأنه من الممكن رصدها بتلسكوب هابل، لكن هل يمكن ذلك فعلًا؟

والسؤال هنا: كم يجب أن يكون حجم شيء ما ليتمكن التلسكوب من تحليله ويراه أكثر من مجرد نقطة؟ على سبيل المثال، من السهل رؤية وتمييز شخص يقف بجانبك ولكن على بعد ميل ستصبح رؤيته أصعب إلى حد بعيد، وعلى بعد 10 أميال سيصبح هذا الشخص مجرد نقطة.

إن قدرة التلسكوب على تحليل جسم ما ترتبط بشكل مباشر بحجم المرآة أو العدسات؛ حيث أن هنالك علاقة بسيطة بين حجم المرآة وتحليل الطاقة (R = 11.6 / D) ولكن ماذا يعني ذلك؟

أولًا، R هي القطر الزاوي لجسم ما في الثانية القوسية (الثانية القوسية هي وحدة قياس القطر الزاوي)، إذا كان هنالك جسمان بنفس الحجم الفيزيائي، الأبعد سيبدو أصغر وبالتالي قطره الزاوي أصغر (تساوي 3600 ثانية قوسية درجة واحدة) ولتوضيح كم هي صغيرة وحدة القياس هذه: القطر الزاوي للقمر حوالي 0.5 درجة أو 1800 ثانية قوسية.

و D هي قطر المرآة بالسنتيمتر، مرآة هابل تساوي 2.4 متر (240 سنتيمتر) وإذا وضعنا هذه البيانات في المعادلة سنرى أن دقة التحليل في هابل تساوي 11.6 / 240 أي 0.5 ثانية قوسية وهذا صغير بشكل لا يصدّق حيث يجب أن يكون الانسان على بعد 8000 كيلومتر (4900 ميل) ليكون حجمه 0.5 ثانية قوسية.

لنكن أكثر دقة يوجد حيلة هنا، حسنًا ربما اثنتين؛ الأولى تكمن في الاعتماد على الطول الموجي أيضًا، بالنسبة لحجم تلسكوب معين فإن كل ما قلّ طول الموجة كلما حصلنا على دقة تحليل أكبر (التلسكوب سيحلل الأجسام الزرقاء بشكل أفضل من الحمراء لأن الموجات الزرقاء أقل طولًا)، لكن يبقى هذا الأمر ثانويًا بالمقارنة بحجم المرآة، ويمكننا تجاهله بالإضافة لكونه يعادل أو يعوض عن ثابت 11.6 الذي استعملناه.

الثانية؛ يوجد قانون إحصائي يقول بالحاجة إلى أن يكون الجسم ضعف هذا الحجم نظريًا ليتم تحليله بصورة صحيحة، وحدّ دقة التحليل في هابل هي 0.1 ثانية قوسية، يمكنك القيام ببعض الخدع لتحصل على دقة تحليل أعلى، ولكننا سنصعب الأمور إذا استمررنا بهذه الحال، إذًا لنعتمد هذا الرقم 0.1 ثانية قوسية.

والآن، ما الذي يعنيه كل ما سبق إذا أردنا النظر نحو الآثار الموجودة على القمر؟ يتوجب علينا أولًا اكتشاف القطر الزاوي لواحد من أجهزة مهمة أبولو ومقارنتها بدقة التحليل في تلسكوب هابل.

هنالك معادلة بسيطة أخرى يمكن استعمالها لنقرر القطر الزاوي لجسم ما بالاعتماد على حجمه وبعده:

d/D) * 206265 = α)

نأخذ حجم هذا الجسم d ونقسمه على المسافة D ونضاعفه أو نضربه بالثابت 206265 لنحصل على القطر الزاوي α بالثانية القوسية (نتأكد من أن d و D بنفس وحدة القياس، المتر مثلًا).

لنأخذ منصة الهبوط كمثال، طولها 4 أمتار وتبعد 400.000.000 متر:
(4/400,000,000) * 206265 = 0.002

القطر الزاوي للمنصة 0.002 ودقة التحليل في تلسكوب هابل 0.1 ثانية قوسية ولذلك فإنه من الصعب جدًا رؤية المنصة كأكثر من نقطة حتى بواسطة هابل، أي أنها يجب أن تكون أكبر بكثير لتتم رؤيتها على أي حال (حتى ملعب كرة قدم على سطح القمر سيظهر كنقطة بالنظر عبر تلسكوب هابل).

ربما يكون ذلك مفاجئًا لمعظم الناس الذين اعتادوا رؤية تفاصيل رائعة في صور هابل كالنجوم في مجرة وخيوط الدخان والغاز في سديم، ذلك لأن هذه الأجرام أكبر كثيرًا وإلى حدّ بعيد جدًا من القمر، ودقة التحليل في هابل تبقى 0.1 ثانية قوسية مهما كانت المسافة.

إن استعمال تلسكوب أكبر لن يغير شيئًا لأننا بحاجة مرآة أكبر بـ 50 مرة من مرآة هابل لرؤية الآثار ومنصات الهبوط وليس لدينا تلسكوب 100 متر في متناول اليد.

يمكننا استعمال خدعتين هنا، إما بالنظر إلى خيال الآثار أو المنصات والذي من الممكن أن يكون طويلًا كفاية لرصده أو العودة إلى القمر وإلقاء نظرة، ولكن لا أعتقد أن ذلك سيفيدنا في الجدل؛ فالمؤمنون بخدعة القمر وضعوا على عاتقهم إنكار حقيقة الهبوط على القمر والمتضمنة الصور التي التقطها رواد الفضاء بأنفسهم، فهل سيصدقوا المزيد من الصور العائدة عن طريق ناسا؟

نحن الآن لسنا بصدد محاولة إقناع الرافضين لحقيقة الهبوط على القمر بأي شيء، يمكنهم الجلوس هنا على الأرض والادعاء بأنها مسطحة، ونحن سنستمر بالنظر نحو الأعلى، نحو النجوم.


  • ترجمة: أسامة ونوس
  • تدقيق: دانه أبو فرحة
  • تحرير: جورج موسى
  • المصدر