أصدرت منظّمة الصحة العالميّة (WHO) تحذيراً بشأن ظهور سلالاتٍ مقاومةٍ من البكتريا المُعدية المسؤولة عن مرض السيلان.

في أفضل الأوقات تعتبر الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية (Superbugs) أخباراً سيئة، وبالنظر إلى طرق العلاجات المُحتملة لهذه العدوى الشائعة المنتقلة جنسياً (STI)، يمكن أن نكون جيدين بالالتفاف حول هذا النوع من الأمراض.

ويأتي هذا التحذير بعد اكتشاف العديد من الحالات المرضية في فرنسا واليابان وإسبانيا التي تحمل سلالات من جراثيم النيسرية البنية (Neisseria gonorrhoeae) التي لم تستجيب لأيّ مضادٍ حيوي.

ويتوقع المسؤول الطبي لمنظمة الصحة العالمية تيودورا واي (Teodora Wi) أنّه سيكون هناك الكثير منها في المستقبل.

ويقول واي: ≪هذه الحالات قد تكون هي “أول الغيث قطرة”، لأنّ نُظم التشخيص والإبلاغ عن العدوى غير القابلة للعلاج تُفتقَر في البلدان ذات الدخل المنخفض حيث السيلان في الواقع هو أكثر شيوعاً≫.

السيلان (Gonorrhea) هو واحد من الأمراض الأكثر شيوعاً التي تنتقل خلال الاتصال الجنسيّ، وغالبًا ما يكون غير عرضي، أي لا تظهر الأعراض على المريض، وهذا يعني أنّ الناس في كثير من الأحيان لا يعلمون بإصابتهم بالبكتريا.

كما أنّ انخفاض استخدام الواقيات الجنسية (condoms) والسفر الزائد يساهمان بشكل كبير في انتشاره، حيث يُقدّر عدد المصابين بنحو 78 مليون شخص سنوياً.

لا تصيب البكتيريا الأعضاء التناسلية للرجال والنساء فقط، ولكن يمكن العثور عليها في أنسجة الحلق والمستقيم أيضاً، وتؤدي إلى مضاعفات، بما في ذلك العقم وزيادة قابلية التقاط فيروس نقص المناعة البشرية (HIV).

ومنذ ثلاثينيات القرن العشرين، تمّ علاج الأمراض البكتيرية المنتقلة جنسياً مثل السيلان والمُتدثرة ’’الكلاميديا‘‘ والزُهرِي ’’السفلس‘‘ بجرعات بسيطة من المضادات الحيوية.

وقال مدير مركز الأمراض الديناميكية والاقتصاد والسياسة رامانان لاكسمينارايان (Ramanan Laxminarayan) لمجلة ’’ناتشر Nature‘‘: ≪أفضل وقت لمرض السيلان كان في الثمانينيات، نظرًا لوجود العديد من الأدوية لعلاجه≫.

في حين أنّ الحالات غير العرضية لا تخضع للعلاج، وفي غياب أجهزة التشخيص الفورية، مازال الأطباء لديهم نزعة لافتراض الأمراض المنتقلة جنسياً على أساس الأعراض المُبلغ عنها فقط، ووصف المضادات الحيوية بغض النظر عن وجود العدوى.

شهدت العقود منذ ذلك الحين عدداً متزايداً من بكتريا Superbugs التي اكتسبت مقاومة للعديد من المضادات الحيوية.

وقد وجدت أبحاثٌ جديدةٌ، مقاومةً واسعةً لعدّة أنواعٍ من المضادات الحيوية التي توصف عادةً للسيلان.

ذُكِرت مقاومة “النيسرية البنية” لمضادات حيوية شائعة وغير مكلفة تدعى سيبروفلوكساسين (ciprofloxacin) فقط في 3٪ من البلدان التي شملتها الدراسة الاستقصائية بين عامي 2009 و2014.

وحوالي 66% من البلدان سُجّلت فيها مقاومة للملجأ الأخير من المضادات الحيوية، مجموعة تُدعى طيف السيفالوسبورينات الموسعة (ESCs).

هذه أخبار سيئة للغاية، حيث أنّه في العديد من البلدان تُعتبر الـ ESCs هي الخيار الوحيد المتاح لعلاج السيلان.

وإذا كنا نأمل في الحصول على دواء معجزة يظهر قريباً، سيخيب أملنا.

لأنه لا يوجد دواء في طور الإعداد، ومع اختبار ثلاثة مرشحين محتملين فقط، وجدوا أن واحداً في نهاية المرحلة التجريبية الثالث، واثنين أكملوا للتو المرحلة التجريبية الثانية.

وكانت منظمة الصحة العالمية تكلّمت في الماضي حول تردّد الشركات التجارية الاستثمار في المستحضرات الصيدلانية حيث لا يوجد أمل كبير في تحقيق الربح.

وفي أعقاب تفشي فيروس إيبولا (Ebola) عام 2014، هذا الوباء الذي أودى بحياة حوالي 5000 شخص، أشارت المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية مارغريت تشان (Margaret Chan) إلى الربح كسبب في بطء تطوير اللقاحات.

وقالت تشان: ≪الصناعة القائمة على الربح لا تستثمر فى المنتجات التي لا تدر الربح≫.

وبالمثل، فإنّ المضادات الحيوية ليست دائماً مُرشّحة جاذبة لشركات الأدوية التجارية، لأنه – من المفارقات إلى حد ما – يمكن للبكتيريا أن تطوّر مقاومة تجاهها.

وقد تعاونت منظمة الصحة العالمية مع مبادرة ’’أدوية للأمراض المُهملة Drugs for Neglected Diseases‘‘ لإطلاق شراكة عالمية للبحث والتطوير في مجال المضادات الحيوية من أجل معالجة هذه المسألة الخطيرة.

وقالت مديرة الشراكة الدكتورة مانيكا بالاسجارام (Manica Balasegaram): ≪على المدى القصير، نحن نهدف إلى تسريع عملية تطوير وإدخال واحد على الأقل من هذه الأدوية، ونتوقع إمكانية تطوير وتقديم العلاجات المُركّبة للاستخدام الصحيّ العام≫.

وحتى لو قمنا بتطوير تقنيات تشخيص أكثر دقة وسرعة ومضادات حيوية جديدة، ستبقى الوقاية هي أفضل بكثير من أي علاج.


  • تدقيق: محمد عبدالحميد ابوقصيصة
  • تحرير: عيسى هزيم
  • المصدر