يعلم كثير من الناس أن البنات، في المتوسط، أسوأ من الأولاد في مادة الرياضيات.

ولكن يصير اختلاف النوع لصالح البنات أكبر بثلاثة أضعاف عندما يتعلق الأمر بالقراءة.

وفقًا لدراسات دولية، هنا يكمن سبب معاناة الأولاد في هذه المشكلة.

لماذا؟ وكيف يمكن التعامل مع هذه المشكلة؟

في البدء، يمكن تحديد الأطفال الذين يعانون أكثر في تعلّم القراءة بطريقة مبكرة عما يحدث الآن.

والآن، يبتكر العلماء طرقًا جديدة لعمل ذلك.

يقول البروفيسور هيرمندور سيغموندسون (Hermundur Sigmundsson) من قسم علم النفس في الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا (NTNU): «معرفة صوت الحروف هو أفضل طريقة للتنبؤ بكيفية قدرة الطلاب على تعلّم القراءة فيما بعد».

وقد أسند أبحاثه على الدراسات التجريبية والنظرية الكبرى.

الأطفال الصغار البارعون في التعرّف على الحروف وأصواتها في وقت مبكر غالبًا ما يصبحون أفضل القرّاء أيضًا في وقت لاحق.

– تبدأ الاختلافات في سن السادسة:

يعكف سيغموندسون وزملاؤه على تطوير طريقة لتحديد الأطفال الذين قد يكون لديهم صعوبات في القراءة في نهاية المطاف في وقت مبكر.

طوّرت المعلمة الخاصة غريتا ستورم أوفتيلاند (Greta Storm Ofteland) اختبارًا إلكترونيًا يتيح التعرّف المبكر على معرفة الأطفال بالحروف وأصواتها، وبالتالي معرفة الأطفال الذين من المرجح أن يعانون صعوبات في تعلم القراءة.

تمّ اختبار طلاب الصف الأول بناءً على أربعة عوامل لمحو الأمية عندما بدأوا المدرسة: عدد الحروف الكبيرة والصغيرة التي عرفها الأطفال والأصوات المرتبطة بكل منهم.

بلغ متوسط عمر الأطفال في الدراسة أكثر قليلًا من ست سنوات.

وشملت الدراسة 485 طالبًا، منهم 224 فتاة و 261 صبيًا.

يقول سيغموندسون: «لقد وجدنا فرقًا كبيرًا بين الفتيات والأولاد في جميع المتغيّرات الأربعة، لصالح الفتيات».

– سبب متعدد الأوجه:

بالفعل قبل سن السادسة، الفتيات أفضل في التعرّف على الحروف والأصوات التي تتوافق معها، والأولاد أسوأ في ذلك.

ويجري حاليًا نشر نتائج الدراسة في دورية (Frontiers in Psychology).

وربما يكون تفسير هذا الأمر له أكثر من سبب.

الوراثة عامل مهم في ذلك، تتحدث معظم الفتيات بالفعل أكثر من معظم الأولاد من وقت مبكر من سن 10 أشهر فصاعدًا.

وتلعب البيئة دورًا أيضًا.

يميل الآباء إلى التحدث أكثر مع الفتيات بعد الولادة.

تحصل الفتيات على مزيد من الممارسة فيما يخص الحروف والأصوات أكثر من الأولاد.

حيث لا يمكنك تعلّم الحروف والأصوات دون التعرّض لها.

تحتاج إلى تحفيز واكتساب هذه التجربة.

قد ينتهي بك الأمر أيضًا إلى أن تعلق في دوامة نحو الأسفل، على الأقل عندما يتعلّق الأمر بالقراءة.

عندما تبدأ متأخرًا في القراءة، تصبح أقل اهتمامًا في ذلك أيضًا.

ثم يزداد نفورك من تعلم القراءة.

لم يعد مطلوبًا من الطلاب القراءة في المدرسة كما كان من قبل.

ومن المحتمل أن يؤثر ذلك على الأطفال الذين لا يختارون ممارسة القراءة في أوقات فراغهم، ويمكن أن يساعدنا ذلك على تفسير سبب زيادة الفوارق بين الجنسين.

– ارتفاع تكلفة التعليم الخاص:

وعلى الرغم من تحسّن الدرجات الرياضية للفتيات في السنوات الأخيرة، استمرت الاختلافات بين الجنسين في القراءة في الازدياد.

وهناك حاجة ملحّة لمعالجة مثل هذه المشكلة.

في الرياضيات، يتمثّل السبب الرئيس للفروق بين الجنسين في أن عددًا قليلًا من الفتيات يحتللن المرتبة الأولى في مادة الرياضيات.

وبالتالي فإن الاختلافات الكبيرة تكمن في أعلى المقياس.

ولكن في الواقع هناك العديد من الفتيات يبلين جيدًا في تعلّم الرياضيات، وعدد قليل نسبيًا منهن بهذا السوء فعلًا في مادة الرياضيات.

الفرق مع القراءة هو أن العديد من الأولاد يعانون صعوبة في التعلّم، وتكمن الفوارق الكبيرة في أسفل المقياس، حيث أسوأ القرّاء فعليًا؛ وهذا من شأنه أن له عواقب كبيرة.

يقول سيغموندسون: «يواجه 21% من الأولاد في سن الخامسة عشرة في النرويج صعوبة في فهم النص الذي يُعطى لهم، وفقًا لمسح (PISA) لعام 2015، وهذه من بين أدنى النتائج في العالم».

لهذا الوضع كُلفة عالية، أولًا وقبل كل شيء بالنسبة للطلاب أنفسهم، ولكن أيضًا للمجتمع.

حيث يتلقى أكثر من 50,000 طالب في المدارس الابتدائية في النرويج تعليمًا خاصًا، 68% منهم من الأولاد.

يُكلّف التعليم الخاص المجتمع النرويجي 12,000 موظف بدوام كامل وملايين الدولارات.

– صغير جدًا ومتأخر جدًا:

يقول سيغموندسون: «إحدى المشاكل الرئيسية هي أن الكثير من جهود الدعم تأتي متأخرة جدًا، وإذا تمكنّا من تحديد الأطفال الذين يعانون صعوبات في وقت مبكر ومنحهم التدريب المناسب والمتابعة؛ قد لا نضطر إلى القيام بالكثير من العمل العلاجي معهم عندما يكبرون في السن».

يمكن لهذه المنهجية أن تجعل سنوات الدراسة أسهل بكثير لكثير من الطلاب، وربما تساعد على منع بعضهم من التسرّب.

وفي الواقع إن الطلاب الذين يعانون من صعوبات القراءة أكثر عرضة لخطر التسرّب من المدرسة.

وهذا من شأنه أن يقلل الحاجة إلى عدد كبير من المعلمين الخصوصيين، ويتيح لهم المزيد من الوقت لكل طالب لا يزال يحتاج إلى خدمات الدعم.

– إيجاد طرق فعالة لجميع الطلاب:

لا يتبنى سيغموندسون الحجة التي مفادها أن الاختلافات بين الجنسين في المدرسة ترجع أساسًا إلى أن الفتيات ينضجن في وقت أبكر من الأولاد.

على الرغم من وجود هذا الاختلاف، فإنه لا يفسّر بشكل كافٍ التناقض.

نعلم الآن أن الأطفال يطوّرون المهارات بشكل أساسي من خلال الخبرة والمحفّزات.

وتبيّن البحوث الحديثة الأخرى أننا نصبح بارعين فيما نمارسه.

نحن بحاجة إلى تطوير الروابط العصبية في الدماغ من خلال أفعالنا.

يعتقد سيغموندسون أنه من المهم استخدام أساليب التعلّم القائمة على الأدلة، والتي تتميّز بفاعليتها لكلا الجنسين.

كما يعتقد أنه ينبغي التحقّق من مهارات القراءة لدى جميع الطلاب عند بدء الدراسة في المرحلة الابتدائية.

يُعَدّ هذا التقييم سهلًا ولا يستغرق سوى بضع دقائق لكل طفل.

يضيف قائلًا: «علينا أن نعطي الأولاد دفعة من خلال تحديد مستوى كل طالب على حدة، يمكننا أن نفعل ذلك من خلال التأكيد على الحروف والأصوات المرتبطة بها.

نحن بحاجة للتأكّد من أن لدى جميع الأطفال تحكّم جيد في علاقة الحرف بالصوت في أقرب وقت ممكن بمجرد بدء المدرسة».

– جعل أفضل طريقة للتعلم إلزامية:

عندما يقوم الأطفال بتعلّم القراءة، من الأفضل تعليمهم أولًا الحروف المفردة وأصواتها.

ولا تذهب مباشرة إلى الكلمات. هذا ما تشير إليه الأبحاث.

وقد أصبح هذا النهج مقبولًا على نطاق واسع الآن، لأن المملكة المتحدة وفرنسا تعملان على جعل منهجية التعلم إلزامية على الجميع.

ولكن لم تحذو النرويج حذوهما، فالمعلمين في المدارس النرويجية أحرار في اختيار الطريقة التي يريدون بها تعليم القراءة -وكذلك الرياضيات- للأطفال.


  • ترجمة: علي أبو الروس
  • تدقيق: دانه أبو فرحة
  • تحرير: ناجية الأحمد
  • المصدر