تقع مدينة بابل الأثرية على بُعد 60 ميلًا (100 كيلومتر) جنوب بغداد. وبقيت بابل مركزًا لحضارة ما بين النهرين لأكثر من ألفي عام. حيث تعد حضارة بابل من أهم حضارات المنطقة والعالم.

أحد ملوك حضارة بابل القدماء هو حمورابي، الذي سن نظامًا قاسيًا من القوانين، في وقت لاحقٍ استُخدمت اللغة البابلية كوسيلةٍ للتواصل عبر الشرق الاوسط. وإنجازٌ عظيمٌ آخر، إذا كانت القصص القديمة صحيحة، هو بناء الحدائق المعلقة، إحدى عجائب العالم القديم، ويعتقد البعض أنها قد بنيت بواسطة الملك التوراتي نبوخذ نصر الثاني.

قام العلماء القدماء في حضارة بابل القديمة باكتشافاتٍ مهمةٍ في الرياضيات، الفيزياء والفلك. ومن ضمن إنجازاتهم العديدة، فقد طوروا علم المثلثات، استخدموا النماذج الرياضية في متابعة حركة كوكب المشتري وطوروا أساليب متابعة الوقت لا تزال تُستخدم حتى يومنا هذا.

لا تزال السجلات البابلية القديمة تُستخدم من قبل علماء الفلك المعاصرين لدراسة كيفية تغير دوران الارض.

كتب الباحثان ايرفنغ فنكل ومايكل سيمور في الكتاب <<بابل>> (مطبعة جامعة اوكسفورد، 2008):

بابل، في جميع مظاهرها، بعيدةٌ عنا وعن جميع من حولنا. فهي ليست كأي مدينةٍ أخرى، فقد أصبح تاريخها مرتبطًا بالأساطير.

بدايات مدينة وحضارة بابل

المنطقة الموجودة بها مدينة بابل مُعرضة لدرجات حرارةٍ عاليةٍ جدًا وتقع بعيدًا عن المناطق المعتمدة على الأمطار في زراعتها، هذ ما كتبه مايكل سيمور، الباحث المساعد في متحف متروبوليتان للفنون، في كتابة <<الأسطورة والتاريخ في مدينة بابل القديمة>>.

ويقول إنه كان في بابل نظامُ ريٍ يقوم بتوزيع الماء من نهري دجلة والفرات وقد استخدموه ليتمكنوا من زراعة محاصيلهم.

وبمجرد إنشاء هذا النظام، سيتمكنون من جني ثمار التربة الطينية الغنية ودعم الزراعة المنتجة للغاية من على سدود هذه القنوات

من الناحية الأثرية، نعرف القليل عن تاريخ بابل القديم. تظهر السجلات القديمة أنه قبل أكثر من أربعة آلاف سنة، عندما كانت مدينة أور مركز الإمبراطورية، كانت بابل مركز إدارة مقاطعة. كتبت الباحثة غويندولين ليك في كتابها <<البابليون>>: <<إن بابل لم تكن مدينة مستقلة>>.

وتشير ليك الى انه في عام 1894 قبل الميلاد، بعد انهيار الإمبراطورية التي مقرها أور، تعرضت المدينة لغزو من رجل يدعى سومو أبوم. كان سومو من الأموريين، وهم قومٌ يتحدثون اللغة السامية قادمون من منطقة قريبة من سوريا حاليا.

قام بتحويل بابل إلى مملكةٍ صغيرةٍ تتكون من المدينة وعددٌ قليل من الأراضي القريبة. بقيت بابل على هذا النحو على طوال حكم ستة ملوك، الى ان اعتلى الحكم رجل يدعى حمورابي (1750-1792 قبل الميلاد). هو الحاكم الذي حول هذه المملكة الصغيرة الى إمبراطورية عظيمة.

إمبراطورية حمورابي

أشارت ليك إلى أن حمورابي كان صبورًا قبل قيامه بتوسعة إمبراطوريته. كانت بابل واقعةً بين مملكتين كبيرتين وهما آشور ولارسا، لذا فقد كان حذرًا. وقد استغل وقته بحكمة.

وتقول ليك: <<في مملكته ركز على تحسين اقتصاد مملكته عن طريق بناء القنوات وتعزيز التحصينات>>.

مع وفاة ملك الآشوريين، وفراغ السلطة الناجم عنه، تمكن حمورابي من التوسع. وبعد سلسلةٍ من الحملات، تمكن من هزيمة الملك ريم سين، حاكم لارسا، الرجل الذي حكم مملكة كبيرة لما يقارب 60 عام.

وكتبت ليك: <<ان هذا الانتصار أدى الى ضم جميع المراكز الحضارية القديمة مثل أور، أوروك، إيسن ولارسا>>. ومع ازدياد الحملات ضد الآشوريين ومملكة ماري أدى هذا الى توسع الامبراطورية أكثر فأكثر.

لا يعلم علماء الآثار سوى القليل عما كانت تبدو عليه بابل في فترة حكم حمورابي.

كتب الباحث هاريت كروفورد في بحث نشر في كتاب <<العالم البابلي>> (مطبعة Routledge عام 2007): <<إن بقايا مدينة بابل خلال حكم حمورابي، للأسف، لا يمكن الوصول اليها الان، بسبب ارتفاع منسوب المياه إلى حدٍ لا يسمح باستكشافها>>.

في حين أن ما تبقى من الآثار قليل، إلا ان البقايا النصية مهمة للغاية. وقد كتبت ليك أن مكانة حمورابي قد أصبحت عاليةً جدًا إلى درجة أنه كان يعتبر إله.

وقد لاحظت أن الآباء أطلقوا على أبنائهم أسماء كانت تعني <<حمورابي هو عوني>> أو <<حمورابي هو إلهي>>.

يناقش حمورابي بنفسه طبيعة ألوهيته في قانونه الشهير.

قانون حمورابي

في حين أن قانون حمورابي (والموجود الآن في متحف اللوفر) كان معروفًا بأسلوب <<العين بالعين>>، إلا أنه حدد طبيعة العلاقة بين حمورابي والآلهة والشعب.

وحسب ما يقول، فقد أرسلته الآلهة للحكم.

وتقول مقدمة القانون <<وبعدها قام أنو و بيل [كلاهما آلهة] بمناداتي، حمورابي، الأمير العظيم، الذي يخاف من الآلهة، الذي يحكم بالعدل في الارض، ليدمر الشر والأشرار، حتى لا يؤذي القوي الضيف …>> (قام بترجمتها ليونارد ويليام كنغ)

في حين أن حمورابي كان يدعي بأنه رحيم، فإن قوانينه كانت قاسيةً جدًا، فقد كان يستخدم حكم الإعدام كعقابٍ في كثير من الحالات (في بعض الحالات حتى السرقة) وسمح بسرقة أعضاء الجسم.

وهذه القوانين مختلفة عن القوانين التي وضعت قبلها بعدة قرون عن طريق ملك أور، الذي كان يميل أكثر الى فرض غرامات.

وقد أشارت ليك الى أن العبودية بسبب الديون كانت مشكلة، وقد اضطر حمورابي، وخلفاؤه فيما بعد، إلى إلغاء الديون في بعض الأحيان.

تشير هذه التصرفات <<إلى صورة أقل وردية عن أعباء الديون المتراكمة التي تكبدوها بسبب انخفاض الإنتاجية الزراعية وزيادة نسبة الفائدة على القروض التي يتم استيفاؤها للوفاء بالطلبات الضريبية والالتزامات الأخرى>>

لم تحصل النساء على معاملةً عادلة دائمًا تحت حكم قوانين حمورابي. ينص أحد القوانين <<اذا تم توجيه أصبع الاتهام الى زوجة رجل ما بسبب علاقتها برجل آخر ولم يتم القبض عليها وهي تقوم بالتكاثر معه، يجب عليها القفز الى النهر من أجل زوجها>> (ترجمها هاينز ديتر فيل)

على كل حال، فان قوانين حمورابي كانت تحتوي على قوانين تحمي المرأة التي تعيش مع رجلٍ آخر لأن زوجها قد أسر في الحرب.

وهناك أيضا قوانين تنص على أن المرأة الأرملة ينبغي أن تحصل على الميراث وأن المرأة غير المتزوجة ينبغي أن تحصل على دعمٍ ماديٍ من أشقائها بعد وفاة والدها.

الحكم الكيشي

في النهاية، فإن إمبراطورية حمورابي لم تستمر، فقد تراجعت كثيرًا بعد موته. وفي عام 1595 قبل الميلاد استولى مارسيليس ملك الحيثين على بابل، وأنهوا حكم خلفاء حمورابي. وأشارت الباحثة سوزان بولوس في بحث نشر في مجلة المكملات لمجلة الشرق الادنى القديم والتاريخ الكتابي القانوني (Beihefte zur Zeitschrift für Altorientalische und Biblische Rechtsgeschichte) إن الحيثين قد استولوا على تمثال مردوخ، الذي أصبح إلها رئيسيًا للبابليين.

وفي الفوضى التي تبعت هذه الأحداث، وصل ناس يسمون بالكيشيون إلى الحكم في بابل، كان لديهم أحصنةً جيدة، مما أعطاهم أفضلية عسكرية.

يبدو أنهم قد بذلوا مجهودًا للحصول على بابل. وكتبت بولوس <<قاموا بإعادة تمثال الإله الرئيسي، مردوخ، الذي سرقه الحيثيون، وقاموا بإعادة عبادته من جديد. أعاد الملوك الكيشيون معابد آلهة البابليون. في حين ان أثرهم الخاص كان ضئيلًا>>

وأشارت ليك الى ان <<حكم الكيشيين أدى الى خمسمائة عامٍ من الاستقرار والازدهار والأمان>> لمدينة بابل.

في حين أن الكتابات البابلية قد أصبحت أكثر احترافيةً وحصرية خلال هذه الحقبة (لاحظت ليك أن الرسائل الشخصية قد أصبحت أقل بكثير) فقد أصبحت اللغة نفسها تُستخدم بصورةٍ واسعةٍ في الشرق الاوسط.

وتضيف ليك أن اللغة <<أصبحت لغةً مشتركةً لكل الشرق الأدنى من القرن الخامس عشر إلى نهايات القرن الثالث عشر قبل الميلاد>>. يمكن العثور على الأعمال البابلية في تركيا، سوريا، الشام ومصر بالإضافة الى بلاد ما بين النهرين. <<وكان الكتاب البابليون مطلوبون جدًا في المحاكم الأجنبية…>>

الحرب بين حضارة بابل وإيلام والاشوريين

الفترة من 1200 الى 600 قبل الميلاد كانت متذبذبةً في بابل، مليئةً بالحروب وبعض الانتصارات. وفي حوالي 1200 قبل الميلاد، عانت منطقة الشرق الأوسط كوارث بسبب هجرة العديد ممن يطلق عليهم (شعوب البحر) بسبب فشل المحاصيل والمشاكل البيئية إلى مناطق عديدة في الشرق الاوسط وقد ساهمت هذه الهجرة بالإطاحة بالعديد من المدن في تركيا والشام وساهموا بالمشاكل التي أدت الى تفكك مصر.

وقد عانت بابل كذلك. أدت حرب مع الآشوريين إلى جر الملك البابلي وهو مكبل بالقيود الى آشور في حين أن حربًا أخرى مع إيلام أدت الى سرقة تمثال مردوخ من جديد.

جاء حاكم بابلي جديد لإنقاذ بابل سمي بنبوخذ نصر الأول، هزم ايلام واستعاد تمثال مردوخ. وكتبت ليك أنه مع انتصاراته أصبحت احتفالات السنة الجديدة أكثر أهمية.

وأضافت: <<كانت لديهم طقوس معقدة، وتضمنت جمع الآلهة البابلية في بابل، وتلاوة ملحمة الخلق (اينوما اليش) وتأكيد أحقية الملك للحكم من قبل الإله مردوخ وإعطائه دوافع جديدة>>

وعانت بابل في القرون التي تلتها، فقد غزا الآشوريون بابل من جديد. أشارت ليك إلى ان المدينة كانت تحت حكم الآشوريين من 729 الى 627 قبل الميلاد وقد حصل تمرد في عام 689 قبل الميلاد، حيث تمت سرقة تماثيل الآلهة وتحطيم البعض منها من قبل الآشوريين.

طلب الأمر حربًا شنها ملك اسمه نابوبولاسر (المتحالف مع الإيرانيين الذين يطلق عليهم الميديون) لتحرير مدينة بابل وفتح عاصمة الآشوريين في نينيفا في عام 612 قبل الميلاد.

وبسبب جهود نابوبولاسر فقد ظهر عصر ذهبي جديد لبابل. في عام 605 قبل الميلاد، تسلم الحكم نبوخذ نصر الثاني ذو الشهرة التوراتية وقام ببناء الإمبراطورية البابلية.

ملك بابل نبوخذ نصر الثاني

من خلال الحملات العسكرية، تمكن نبوخذ نصر الثاني من حكم إمبراطوريةٍ امتدت من الخليج العربي إلى حدود مصر. فقد سيطر على القدس مرتين في 597 و 587 قبل الميلاد، قد أدت هذه الاحداث الى تدمير المعبد الاول، وتهجير العديد من اليهود الى بابل و الاستيلاء على تابوت العهد.

في بابل نفسها، بدأ حملة إعمار وبناء كبيرة، كان للمدينة سورٌ داخليٌ وخارجي. كتب أندرو جورج، الأستاذ في جامعة لندن في أحد أجزاء الكتاب <<بابل>> : <<وصلت بابل الى أعظم أمجادها خلال فترة حكم نبوخذ نصر الثاني>>.

كان للدين دور رئيسي. <<في قلب المدينة كان هناك أربعة عشر مُقدس مختلف، وتسعة وعشرون أخرى موزعة في باقي المدينة. هذا بالإضافة الى مئات الأضرحة والمعابد في الشوارع>>

أحد أكبر المعابد هو معبد ايزاجيل، وقد كان مكرس لمردوخ. ويقع جنوب الزقورة الكبيرة، يقول جورج أن أبعاد المعبد كانت 280 قدم (86متر) * 260 قدم (79متر) وكان ارتفاع البوابة 30 قدم (9 امتار). <<قد اهتم نبوخذ نصر بغرف الطقوس: كان هنالك ذهب وفضة وأحجار كريمة في كل مكان…>>

القصور في حضارة بابل

كان لنبوخذ نصر الثاني ثلاثة قصورٍ رئيسية. كانت مساحة القصر الجنوبي 1065 قدم (325 متر) * 720 قدم (220 متر). كان يحتوي على غرفة العرش وفيها ألواحٌ من الطوب اللامع، تظهر سعف النخيل، نقوش الأزهار والأسود.

وكان البلاط باللونين الأزرق والأصفر، وهو شيءٌ شائعٌ في أهم الهياكل في بابل خلال فترة حكم نبوخذنصر الثاني.

وكان للملك أيضًا قصر شمالي (لم يتم حفره بالكامل) وقصر صيفي آخر، على الطرف الشمالي من الجدار الخارجي. يقول جورج: <<كان يسكنه في الصيف عندما يصبح هواء المدينة خانق وتصبح الرائحة في أسوأ حالاتها>>

بوابة عشتار

بنيت من قبل نبوخذ نصر الثاني، وسميت عشتار تيمنًا بعشتار، آلهة الحرب والحب، وكانت بوابة عشتار بمثابة المدخل الاحتفالي للجدار الداخلي من بابل، والطريق الذي يؤدي في نهاية المطاف الى الزقورة ومعبد ايزاجيل.

ويرى الناس الذين كانوا يمشون هذا الطريق الحجر الأزرق والأصفر مع نقوشٍ لصور التنانين والثيران.

كتب يواكيم مرزان في أحد فصول الكتاب <<بابل>>: << إن بوابة عشتار المدهشة، كانت تتكون من جزءٍ ما قبل البوابة يقع في الجدار الخارجي، والبوابة الرئيسية في الجدار الداخلي، وكان طول الممر 48 متر (158 قدم)، وكان مزينًا بما لا يقل عن 575 رسمًا للحيوانات (طبقا للحسابات التي قام بها المنقبون)، وكانت صور الحيوانات هذه هي لثيران وتنانين، والتي كانت تمثل الحيوانات المقدسة لإله الطقس آداد والإله الإمبراطوري مردوخ، وقد وضعت في صفوفٍ متناوبة>>

وبالإضافة الى ذلك، فقد كتب مرزان أن طريق المواكب كان يمر من خلال بوابة عشتار، وقد نحتت نقوش لأسود على طول 590 قدم (180 متر) في هذا الطريق.

كانت أفواه الأسود مفتوحة، عارية من الأسنان، وكان عرف الأسد منحوتًا بدقة كبيرة.

وفي كل ربيع، يسير الملك وحراسه والكهنة وتماثيل الآلهة على طريق المواكب، مسافرين الى معبد اكيتو للاحتفال بالسنة الجديدة.

كتبت جولي بدميد، الأستاذة في جامعة شابمان في كتابها <<مهرجان اكيتو: الاستمرارية الدينية وشرعية الملك في بلاد ما بين النهرين>>: <<تبدأ المسيرة المبهرة للآلهة، وهم مرتدين أرقى ملابسهم الموسمية فوق مركباتهم المرصعة بالجواهر من كاسيكيلا، البوابة الرئيسية لإيزاحيل (المعبد الرئيسي لمردوخ) متجهةً شمالًا في شارع مردوخ للمواكب من خلال بوابة عشتار>>

برج بابل؟

على الرغم من أنه تدمّر إلى حدٍ كبير، في العصور القديمة، ارتفعت زقورة ايتمنانكي (والذي يعني اسمها <<معبد الاساس للأرض والسماء>>) فوق مستوى المدينة، والتي تقع شمالا من معبد ايزاجيل. وكمعبد ايزاجيل، فهو مكرس للإله مردوخ.

ويصفه الكاتب اليوناني هيروديت، الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد بأنه <<برج رائع>> فقد كان <<طوله مئتان وعشرين ياردة وكان عريض، ويرتفع برج ثاني من هذا وبرج آخر من الثاني، حتى يصبح في النهاية ثمانية أبراج>>

ويضيف: <<وفي آخر برج هنالك ضريح مقدس، وفيه توجد أريكة عظيمة ومغطاة بصورة جيدة، وهنالك طاولة ذهبية بالقرب منها.

ولكن لم يكن في الضريح اي تمثال، ولم يسمح لأي شخص بالبقاء هناك في الليل، باستثناء امرأة واحدة، تم اختيارها من بين جميع النساء بواسطة الآلهة، كما يقول الكلدانيين، الذين كانوا كهنة هذه الآلهة>> (ترجمها الفرد دينيس غودلي)

من الممكن ان يكون هيروديت قد بالغ في حجم برج بابل إلى حد ما، يعتقد العلماء المعاصرون انه قد إرتفع لسبعة مستويات بدلًا من ثمانية. وقد اعتقد هيروديت أن البرج كان مكرسًا للإله بيل بدلا من مردوخ.

ومع هذا فان إعادة بناء برج بابل سيكون إنجازًا مثيرًا للإعجاب، وكما يعتقد بعض العلماء أنه قد كان مصدر إلهام للقصة التوراتية لبرج بابل. تقول القصة في سفر التكوين:

<<وكانت الأرض كلها لسانًا واحدًا ولغة واحدة. وحدث في ارتحالهم شرقًا أنهم وجدوا بقعة في أرض شنعار وسكنوا هناك. وقال بعضهم لبعض هلم نصنع لبنًا ونشويه شيًّا>>

<<فكان لهم اللبن مكان الحجارة، وكان لهم الحمر مكان الطين.

وقالوا: هلم نبنِ لأنفسنا مدينة وبرجًا رأسه بالسماء، ونصنع لأنفسنا اسمًا لئلا نتبدد على وجه كل الأرض>>

<<فنزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم يبنونهما. وقال الرب: هو ذا شعب واحد ولسان واحد لجميعهم، وهذا ابتداؤهم بالعمل. والآن لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أن يعملوه.

هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض>>

<<فبددهم الرب من هناك على وجه كل الأرض، فكفوا عن بنيان المدينة.

لذلك دعي اسمها بابل لأن الرب هناك بلبل لسان كل الأرض. ومن هناك بددهم الرب على وجه كل الأرض>> (التكوين 11: 1-9)

الحدائق المعلقة

لا يعلم العلماء أين تقع الحدائق المعلقة في بابل، أو حتى ما إذا كانت موجودة بالفعل.

ولكن قام الكتاب القدماء بوصفها بالتفاصيل. تعتبر الحدائق المعلقة من عجائب العالم القديم.

وقد كتب فيلو البيزنطيني في حوالي 250 قبل الميلاد:

<<سميت الحدائق المعلقة بهذا الاسم لأن نباتاتها كانت مزروعةً بمستوى فوق مستوى الارض، وكانت جذور الأشجار مغروسة في الشرف العليا وليس في الأرض. هذه كانت تقنية البناء.

وجميع البناء مدعم بأعمدة حجرية، وان كل الفراغات قد احتلت من قبل قواعد الأعمدة المنحوتة…>> (ترجمها الأستاذ ديفيد اوتس)

وفي وقت لاحق كتب ديودوروس سيكولوس (في القرن الاول قبل الميلاد): <<إن الحدائق المعلقة قد بنيت من قبل ملك سوري لاحق لإرضاء احدى محظياته، لأنها كما يقال، كانت ذات عرق فارسي، ولشوقها لمروج جبالها، فقد طلبت من الملك تقليد الطبيعة المميزة لبلاد فارس عن طريق زراعته للحدائق المعلقة>>

وقد لاحظ العلماء المعاصرون أن هيروديت الذي عاش في وقت سابق من فيلو، لم يذكر الحدائق المعلقة. ولا توجد هنالك أي سجلات بابلية معروفة لمكانها.

فقدان الاستقلال وخراب حضارة بابل

في نهاية المطاف، لم تدم إمبراطورية نبوخذ نصر الثاني لفترة أطول بكثير من تلك التي بناها حمورابي. في القرن السادس قبل الميلاد ظهرت الإمبراطورية الأخمينية (الفارسية) في الشرق، وهي إمبراطورية قوية لدرجة انها ستحاول يومًا ما التوسع غربًا لتصل إلى اليونان.

وأشارت ليك الى أنه في تشرين الأول 29، عام 539 قبل الميلاد سقطت بابل على يد كورش الكبير، القائد الفارسي العظيم.

وقد نُفِي نابونيد آخر ملك لبابل المستقلة الى إيران للعيش هناك في المنفى.

وادعى كورش أن قواته لم تواجه أي مقاومة عندما سيطرت على بابل، في نقشٍ قديمٍ موجود في المتحف البريطاني ويسمى ب<<أسطوانة كورش>>. ويقول كورش <<إنني قد ذهبت نذير سلام الى بابل.

وقمت بإنشاء مسكن سيادي داخل القصر وسط أجواء من الاحتفال والابتهاج>> (ترجمها ايرفينغ فينكل)

إذا كان هنالك ترحيب دافئ بالفرس فهو لم يدم. ففي الأعوام 528-526 قبل الميلاد، عانت بابل والمناطق المحيطة بها مجاعات ناجمة عن فشل زراعة محصول الشعير، كما قالت كريستين كليبر، المحاضرة في جامعة فرايج في امستردام (Vrije Universiteit Amsterdam) في بحث نشر عام 2012 في مجلة الآشورولوجيا وعلم الشرق الادنى (Zeitschrift für Assyriologie und vorderasiatische Archäologie) وأضافت: <<إن العمال الذين قاموا بإعادة بناء جدار بابل في الأعوام 528-526 قبل الميلاد من المؤكد قد شعروا بأنهم يعيشون في جحيم>>، وأشارت الى ان الكتابات القديمة قد ذكرت الاستياء بين البابليين.

على كل حال فان بابل لم تصبح مستقلة من جديد.

في الألفية القادمة وقعت بابل تحت سيطرة العديد من الإمبراطوريات المختلفة، بما في ذلك الإسكندر العظيم (الذي توفى في بابل عام 323 قبل الميلاد)، السلوقيون، الاشكانيون وحتى الرومان.

كتبت ليك ان بابل قد دفنت تحت التراب مع العديد من مدن ما بين النهرين.

مدينة بابل الوقت المعاصر

كتب الصحفي روبرت غالبرث في كتابه <<العراق: شاهد عيان على الحرب – مذكرات صحفي>>: <<أُعيد بناء معظم مدينة بابل من قبل صدام حسين في منتصف الى أواخر الثمانينات لجعلها تبدو كما كانت عليه في فترة نبوخذنصر الثاني في 600 قبل الميلاد>>.

وقد عمل غالبرث كصحفي في العراق بعد الغزو الامريكي عام 2003 وقام بزيارة بابل بعد فترة قصيرة من بدء الاحتلال الامريكي للعراق.

وأشار غالبرث الى انه في وقت الغزو تم نهب المدينة القديمة وبعدها تم تعيين مجموعة من مشاة البحرية الامريكية لحراسة الموقع.

وكتب غالبرث: <<قام صدام حسين بتشييد قصر في بابل يطل على المدينة ولكنه كان بالمكان الخطأ.

فقد كان قصر من الحجر الرملي المنحوت بدقة، وكان قصر ذو طابع عربي، وهنا تكمن المشكلة؛ فهو في غير محله ومبهم الى أقصى حد، يبدو ان صدام حاول شراء طريقه الى كتب التاريخ من خلال بناءه لهذا النصب الذي يطل على المدينة القديمة>>.

وبعدها تم تحويل بابل الى معسكر أمريكي.

وأدى هذا الى ردع بعض عمليات النهب التي كانت ستسبب ضررًا بالمدينة القديمة وقاموا بترك بقايا أكثر حداثة (بما في ذلك طوق كرة السلة) في الموقع الذي كان لا بد من تنظيفه.

بعد مغادرة القوات الامريكية، تم القيام ببعض أعمال التنظيف وقاموا بإعادة فتح المدينة للسياح.

وفي عام 2010 أعلنت الحكومة الأمريكية انها ستنفق مليوني دولار للحفاظ على بوابة عشتار.

شكلت المياه الجوفية مشكلة في بابل.

وتم نشر مقترح لاستخدام السدود الواقعة تحت الارض لخفض ومراقبة مستوى الماء في المنطقة في عام 2015 من قبل فريق من العلماء من جامعة بابل في العراق في المجلة الدولية للهندسة المدنية والتكنولوجيا.

وقد فشلت قوات داعش في الوصول الى بابل خلال هجومها عام 2014، وبذلك نجت المدينة من الدمار الذي حل بالمواقع الأثرية الاخرى التي كانت تحت سيطرة الجماعات الارهابية.


  • ترجمة: سنان حربة
  • تدقيق: م. قيس شعبية
  • تحرير : رغدة عاصي
  • المصدر