يمكن أن تؤدي زيادة مستويات المقاومة تجاه العلاجات المضادة للفطريات إلى زيادة تفشي الأمراض والتأثير على الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم.

يحذر فريق دولي بقيادة باحثين من كلية إمبريال كوليدج في لندن وجامعة إكستر، من ضرورة إدخال تحسينات على كيفية استخدام الأدوية الموجودة، بالإضافة إلى زيادة التركيز على اكتشاف علاجات جديدة من أجل تجنب “الانهيار العالمي” في قدرتنا على التحكّم ومكافحة الالتهابات الفطرية.

يعكس ارتفاع مقاومة العلاجات المضادة للفطريات تهديدًا كبيرًا للبكتيريا التي أصبحت مقاومة للمضادات الحيوية.

وتشمل الالتهابات الفطرية الشائعة الآفات الزراعية التي تؤثر على المحاصيل الغذائية، وكذلك الخمائر والأمراض المرتبطة بالعفن في البشر والماشية، والتي يمكن أن تكون قاتلة في ظل الظروف المقدرة لذلك.

يقول الباحثون إن العديد من العقاقير المستخدمة لعلاج الالتهابات الفطرية في النباتات والحيوانات معرّضة لخطر أن تصبح غير فعالة ويخشى أن يحدث نفس الشيء لتلك العلاجات المستخدمة في العدوى البشرية.

ووفقًا لمؤلفي الدراسة، فإن الاستخدام المفرط للمواد الكيميائية المضادة للفطريات الموجودة حاليًا يساعد في مقاومة الانتشار ويزيد من انعدام فعالية المعالجات. يمكن أن يؤدي ذلك فيما بعد إلى زيادة عالمية في الأمراض الفطرية البشرية، فضلًا عن زيادة فقدان المحاصيل الغذائية والماشية لمسببات الأمراض الفطرية.

يوضح الباحثون أنه على الرغم من أن معضلة مقاومة المضادات الحيوية معروفة جيدًا لنا، إلا أن نطاق وشدة المقاومة ضد مضادات الفطريات “غير معترف بها” ودون التقدير المطلوب.

يقول البروفيسور ماثيو فيشر (Matthew Fisher) من كلية الصحة العامة في امبريال والمؤلف الأول للدراسة: «أصبح التهديد بمقاومة مضادات الميكروبات راسخًا في البكتيريا، لكنه أُهمل الى حد كبير في الفطريات».

وأضاف فيشر: «لقد كان حجم المشكلة -حتى الآن- غير معترف به ولا يحظى بالتقدير الكافي، ولكن الخطر الناتج على صحة الإنسان وسلاسل الطعام خطير وفوري. إلى جانب اكتشاف الأدوية والتكنولوجيا الجديدة لمعالجة مسببات الأمراض الفطرية، نحن بحاجة ماسة إلى إدارة أفضل لمضادات الفطريات الموجودة؛ لضمان استخدامها بشكل صحيح وأن تظل فعالة».

تشكل الفطريات تهديدًا متناميًا لصحة الإنسان وصحة المحاصيل على حدٍ سواء، نظرًا لانتشار الأنواع الجديدة والمتنوعة من الفطريات في جميع أنحاء العالم، لذا من الضروري أن يكون لدينا وسائل متعددة لمكافحتها. ومع ذلك، فإن العدد المحدود للغاية من الأدوية المضادة للفطريات يعني أن ظهور المقاومة يقود إلى العديد من الإصابات الفطرية الشائعة التي تصبح غير قابلة للشفاء.

تُعدّ مسببات الأمراض الفطرية مسؤولة عن مجموعة واسعة من العدوى في البشر والحيوانات والنباتات. وتشمل هذه الأمراض والتي يمكنها القضاء على المحاصيل الغذائية، عدوى الخميرة التي قد تتسبب في الإصابة بتسمم الدم لدى البشر والماشية، وكذلك الفطريات الأصيصية (chytrid)، وهي الفطريات المسؤولة عن “طاعون البرمائيات” والقضاء على أنواع الكائنات الحية حول العالم.

يُعتقد أن الفطريات المدمرة للمحاصيل مسؤولة عن خسارة 20% من غلات المحاصيل العالمية كل عام، كما يتزايد معها الخطر المباشر على صحة الإنسان.

يقدر الباحثون أن عدد الوفيات البشرية الناجمة عن الأمراض الفطرية -التي غالبًا ما تؤثر على من يعانون من ضعف جهاز المناعة- يتجاوز الآن عدد الوفيات الناتجة عن الملاريا وسرطان الثدي، ومماثل لأعداد الوفيات الناجمة عن مرض السل وفيروس نقص المناعة البشرية.

يعتبر المرضى غير المحصنين، مثل المصابين بالسرطان أو الذين خضعوا لعمليات زرع الأعضاء، الأكثر عرضة بشكل خاص لخطر الإصابة بعدوى الفطريات.

في ورقة المراجعة الأخيرة، وصف المؤلفون عدم فعالية زيادة المواد الكيميائية المضادة للفطريات الشائعة المستخدمة لعلاج النباتات والحيوانات.

يستشهد الباحثون بشبكات التجارة العالمية وزيادة حركة البشر والحيوانات والمواد الغذائية في جميع أنحاء العالم، كقوة رئيسية في مساعدة السلالات المقاومة من الفطريات على الانتشار بسرعة. مثلها مثل البكتيريا، يُعتقد أن الفطريات قادرة على تبديل الجينات مع بعضها البعض، مما يساعد المقاومة لدى الفطريات على الانتشار. ويعني معدل تكاثرها السريع أن السلالات المقاوِمة يمكنها زيادة أعدادها بسرعة.

وفيما يتعلق بإنتاج الأغذية، فإن ممارسات الزراعة المكثفة إلى جانب زراعة أنواع قليلة نسبيًا من المحاصيل والإفراط في استخدام المواد الكيميائية الموجودة لإبقائها خالية من الأمراض، قد ساعدت المقاومة على الإنتشار.

يوضح فيشر: «أدى ظهور المقاومة إلى تدهور قدرتنا على الدفاع عن محاصيلنا ضد مسببات الأمراض الفطرية، فالخسائر السنوية لإنتاج الأغذية لها آثار خطيرة على الأمن الغذائي عالميًا».

ويضيف أن مبيدات الفطريات المستخدمة في الزراعة تؤدي أيضًا إلى ظهور المقاومة تجاة العلاجات المضادة للفطريات بالنسبة لمسببات الأمراض الفطرية البشرية.

إن استخدام مجموعة واحدة من العلاجات المضادة للفطريات (AFDs) وعلى وجه الخصوص، فئة من مضادات الفطريات تسمى (azoles) اكتُشفت في الخمسينات من القرن الماضي والتي تستخدم لعلاج عدوى الخميرة -يُشار إليها كمحرك رئيسي في ظهور سلالات مقاومة للفطريات.

ويعتقد أن تلك المجموعة من (الأزولات) (Azoles) تمثل رُبع مبيدات الفطريات المستخدمة في الزراعة، ولكنها تستخدم أيضا كخيار أول في العلاج كمضاد للفطريات بالعيادات. ويعتقد أن استخدامها على نطاق واسع كان سببًا في زيادة المقاومة تجاه مضادات الفطريات، وذلك عن طريق قتل سلالات غير مقاومة بشكل انتقائي، مع بقاء السلالات الأكثر مقاومة لمبيدات الفطريات.

ويكمن الخطر على صحة الإنسان عندما تحدث هذه المقاومة في أنواع مثل فطر”الرشاشية الدخناء” (Aspergillus fumigatus)، وهو عبارة عن عفن ينمو على النباتات المتحللة، ولكنه قادر أيضًا على إصابة الأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة، مثل مرضى السرطان أو أولئك الذين خضعوا لعمليات نقل الأعضاء.

وفقًا للباحثين، بالإضافة إلى استخدام أكثر انتقائية لمضادات الفطريات الموجودة، والتركيز على تطوير أدوية جديدة، فإن العلاجات التي تهدف إلى إخماد جينات الفطريات المتسببة في المقاومة ومنعها من الانتشار يمكن أن تساعد على موازنة التوازن في مكافحة مسببات الأمراض الفطرية.

تختتم البروفيسورة ساره غور (Sarah Gurr)، من جامعة إكستر: «إن المقاومة الناشئة للأدوية المضادة للفطريات قد دخلت إلى حد كبير تحت الرادار، ولكن دون تدخل، ستصبح عدوى الفطريات التي تصيب الإنسان والحيوان والنبات أكثر صعوبة في التصدي لها».


  • ترجمة: علي أبو الروس
  • تدقيق: دانه أبو فرحة
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر