إذا كنت تؤمن بوجود الأشياء الخارقة للعادة، فلن تندهش حين تسمع قصصًا عن أموات ظهروا لذويهم أثناء النوم، أو انفجارات ضخمة سمعها بعض الأشخاص وهم يخلدون إلى النوم دون أن يجدوا لذلك أي سبب منطقي.

لكن كيف الوضع إذا كنت من النوع الذي لا يؤمن بوجود تلك الأشياء؟

بدأ اهتمامي بمثل هذه الأمور عندما احتسيت فنجان قهوة وأنا على عجالة من أمري مع زميلي (كريس فرينش) الذي كان يقوم بالأبحاث المتخصصة في هذا المجال.

في ذلك الحين أخبرني صديقي عن قصص لعدد لا يحصى من الأشخاص الذين تعرّضوا أثناء نومهم لمثل هذه الأحداث، فبينما هم مستلقون في الفراش تحدث لهم أمور تبدو كأنها خارقة للعادة، فيشاهدون حضورًا لأشخاص ليس لهم وجود على أرض الواقع، وتنقلب البيئة من حولهم لتصير كونًا غريبًا تُسمع فيه أصوات انفجارات هي في الحقيقة غير موجودة.

والشخص الذي يتعرض لمثل ذلك النوع من التجارب قد يبدو في تلك الأثناء مقيدًا في فراشه، مشدودًا إلى السرير، غير قادر على الحركة.

من غير المدهش أن الناس الذين يتعرضون لمثل هذه الأمور يفسرونها بأنها أحداث خارقة للعادة، لكن مصطلح شلل النوم يظل التفسير العلمي الاقرب لهذه الظاهرة. ومن هنا بدأ اهتمامي بهذا الموضوع كباحث متخصص في النوم.

حالة شلل النوم (Sleep Paralysis)

عند النوم نمر بعدة مراحل حتى نصل إلى حالة النوم الكامل، فنبدأ الليل بحالة تسمى حركة العين غير السريعة، والتي تصبح أعمق وأعمق بشكل تدريجي، ثم تُعاد الكرّة حتى نصل إلى مرحلة العين السريعة، عندها يكون لدينا أحلام واضحة للعيان، في هذه المرحلة نصاب بشلل النوم الذي ربما يجنّبنا محاولة تمثيل أحلامنا فينتهي بنا المطاف إلى محاولة الطيران.

لكن خلال حالة شلل النوم قد تستمر مظاهر حركة العين السريعة حتى اليقظة، وهؤلاء الذين يتعرضون لذلك يصابون بهلوسات كالأحلام وصعوبة في الحركة لفترة وجيزة بعد الاستيقاظ.

وهذه الظاهرة شائعة جدا لتشكل ما نسبته 8% من الناس، وهذه الأرقام تتنوع بشكل كبير تبعًا للأشخاص الذين شملتهم الدراسة، كما أننا من الممكن أن نمنع حالات الإصابة بشلل النوم من خلال تعطيل نوم المصابين أو إيقاظهم بطرق محددة.

هناك باحثون نفسيون، ومنهم فرنسيون، يعتقدون أن هذا التحليل يفسر الكثير من الظواهر الخارقة النفسية الغير اعتيادية، فالمعلومات حول شلل النوم أصبحت شائعة للعوام، بيد أننا نحتاج أن نفهم ما هو أعمق من تلك الشكوى الشائعة.

إن عملنا الأوّلي، والذي ضمّنته في كتابي الجديد (الخلود إلى النوم: علم النوم من المهد إلى اللحد)، يشير في صفحاته إلى الأسباب البيئية والوراثية التي تجعل بعض الناس أكثر عرضة لهذه المشكلة من غيرهم.

وهذا البحث بحاجة إلى إعادة باستعمال نطاق أوسع من العينات، وبالرجوع إلى الدراسات السابقة وجدنا العديد من الأعراض المرتبطة بتلك المشكلة، ومن ضمنها القلق، التوتر النفسي، والمرض الجسدي.

متلازمة انفجار الرأس

إلى جانب شلل النوم، كيف حاول المختصون النفسيون تفسير الخبرات غير الاعتيادية للمصابين؟

الناس في بعض الأحيان يسمعون أصوات انفجارات ضخمة أثناء الليل، ذلك هو الأمر الذي يصعب تفسيره، إذ لا يوجد دليل حقيقي يثبت أن شيئا ما سقط أو أن سيارة انفجرت، أو أن أحدا بجوارهم يعزف على القيثارة.

ومرة أخرى، فإن هذا الأمر مرتبط بنومنا، إذ تم تفسيره بما يسمى (متلازمة انفجار الرأس). ذلك المصطلح الذي تم اشتقاقه من قِبل عالم الأعصاب (بيرس ج.م.س).

حين نغرق في النوم، فإن التركيب الشبكي لجذع الدماغ -ذلك الجزء المرتبط بالعقل الواعي والإدراك- يبدأ بإعاقة قدرتنا على الحركة، الإبصار، والسمع. وعندما نشعر بالانفجار خلال نومنا، فإن ذلك قد يكون بسبب التأجيل في هذه العملية، فبدلًا من أن يقوم جذع الدماغ بتعطيل أعصاب السمع، فإنها تنفجر دفعة واحدة.

وكما في حالة شلل النوم، ما زالت تلك المشكلة قيد الدراسة. ولهذا السبب تعاونت في عام ٢٠١٧ مع زملائي الخبراء في هذا المجال، والذين كان منهم ب.ب.س فوكس وبراين شاربليس، بهدف جمع المعلومات عن تلك الظاهرة.

الخيالات والتوقعات

وأخيرًا، ما الذي يعرفه العلماء عن الأحلام الاستباقية؟ فمثلا قد يحلم أحدنا بصديق لم يره منذ سنوات ليجده يتصل به في اليوم التالي.

يعتقد فرينش أن العلم بإمكانه أن يقدم تفسيرا لتلك الحالة. بالرجوع إلى العمل الذي قام به (جون ألن بولز)، والذي يركّز على الأشياء ممكنة الحدوث، فإنه يوضّح كيف أن مثل هذه الحادثة قد تكون عجيبة حين تحدث لأول مرة، لكنها تصبح اعتيادية حين تتكرر.

في كتابي كنت قد تحدثت مع السيدة سينكلير، والتي تبلغ من العمر سبعين عامًا وتعيش وحدها، إذ أخبرتني أنها تؤمن بوجود شبح يسكن بيتها، وأن هناك طيفًا يؤرقها، والكثير من الأشياء الخارقة للعادة، والتي تخيفها بشدة، وحين قدّمت لها التفسيرات العلمية المتعلقة بحالتها صارت أكثر هدوءًا واطمئنانًا، ولم تعد تؤمن بوجود ما هو خارق للعادة.

وفي النهاية، إن الأمل يكمن في أن الشروحات العلمية لمثل تلك الحالات ستساعد المصابين على التخلص من القلق، مع الأخذ بعين الاعتبار أن التخفيف من القلق تم افتراضه من قِبل المختصين كوسيلة للقضاء على شلل النوم، إذ يبدو أن التزود بمعلومات عن تلك الخبرات الخارقة للعادة يعني أن أحدنا سيكون أقل عرضةً للتعثر في الظلام.

أليس قريغوري، جامعة لندن


ترجمة: صفاء الزغول
تدقيق: علي فرغلي
المصدر