يمكن للعديد من خلايا سرطان الدماغ الانقسام بشكلٍ لا متناهٍ وفقًا لخصائصها الخالدة التي لا تتوفر لدى معظم الخلايا الأخرى، ولكن اكتشف العلماء حاليًا طريقةً لإنقاص فعالية هذه الخاصية والتي ستؤدّي إلى بطء أو إيقاف انتشار أكثر من 50 نمطًا من السرطان، بما فيها سرطان الخلايا الدماغيّة الذي أودى بحياة السيناتور جون مكاين خلال الشهر الماضي.

وجد الباحثون من خلال اختبار الورم الأروميّ الدبقيّ لبعض الخلايا المستأصلة من أدمغة مرضى السرطان، أنّ جزءًا صغيرًا من بروتينٍ شائعٍ يدعى (GABP) هو المفتاح الرئيسي لتمكين الخلايا السرطانيّة من تفعيل خصائصها في الخلود، وعندما أزال العلماء هذا الجزء من البروتين توقّفت الخلايا السرطانيّة – في كلٍ من أطباق الاختبار وعند إقحامها في أدمغة فئران – عن الانقسام وسلكت سلوك الخلايا البشرية الاعتيادية.

قال الباحثون الذين يرأسهم الدكتور جوزيف كوستيلو أستاذ جراحة الدماغ والأعصاب وأخصائي الأورام العصبية في جامعة كاليفورنيا – سان فرانسيسكو، أنّهم يأملون بتطوير دواءٍ بإمكانه تثبيط هذا الجزء من بروتين (GABP) فقط حارمًا بذلك الخلايا السرطانية من خصائصها بالديمومة ولتجنّب أذيتها لباقي الخلايا.

كوستيلو بالإضافة إلى الكاتب الثانوي للدراسة هما مؤسسا شركة (Telo therapeutics) والتي ستتشارك مع شركة دوائية تدعى (GlaxoSmithKline) للبحث عن جزيئاتٍ صغيرةٍ تملك قدرة لعب دورٍ دوائيٍّ.

قسم لم يتم التحقق منه

بقيت خاصية الخلايا السرطانيّة المتمثلة بقدرتها على الانقسام غير مُؤكّدَةٍ.

تستطيع معظم الخلايا الأخرى الانقسام بعدد مراتٍ محددٍ قبل موتها، بينما يبقى الاستثناء الوحيد من هذه الحالة هي الخلايا الجذعيّة التي تستطيع الانقسام لمدى حياتها العضوية لتعويض النقص الحاصل في عدد الخلايا الناجم عن موتها مثل خلايا الدم والجلد.

تُضْبَط دورة الحياة الخلوية بواسطة القسيمات الطرفيّة والتي تغلّف نهايات الصبغيّات، وتقصر القسيمات الطرفية مع كل انقسام، حتى تبلغ في نهاية المطاف طولًا غير كافٍ لحماية الصبغيات وعندها تتوقف عملية الانقسام الخلوي.

تهرب الخلايا الجذعية من الاستماتة باستخدام التيلوميراز – وهو إنزيم يعيد بناء القسيم الطرفي – إذ تقوم بطريقةٍ غير مباشرةٍ الكثير من الخلايا السرطانيّة بنفس الفعل من خلال استغلال الطفرات في المورثة المعبرة عن (TERT) – اختصار لإنزيم التيلوميراز المنتسخ العكسي – وعندها يمكن للخلايا السرطانية التي يمكنها تفعيل هذه المورثة أن تنقسم إلى أجلٍ غير مُسمَّى كالخلايا الجذعيّة.

لقد فهم العلماء استخدام السرطان لخاصية الديمومة لسنوات، وقد وجد بحث سابق أن أكثر من 90% من الأورام لديها طفرات تمكن الأورام من تفعيل التعبير عن (TERT) وإنتاج إنزيم التيلوميراز، إلّا أنّ أدوية السرطان التي تكبح التيلوميراز ببساطةٍ أثبتت أنّها شديدة السميّة بالنسبة للمرضى؛ ذلك لأنّها تفعل فعلتها على الخلايا الجذعيّة أيضًا فتكبحها بالمثل ما يحدّ من قدرة المريض على إنتاج الخلايا الدموية والخلايا الحيوية الأخرى.

اكتشف فريق كوستيلو من خلال التركيز على الورم الأرومي الدبقي – وهو الشكل الأكثر عدوانيةً من سرطان الدماغ – طريقةً للحدّ من فعالية خاصية الديمومة فقط لدى الخلايا السرطانيّة وبالوقت ذاته يتجنّب أذيّة الخلايا الجذعيّة، إذ وجد الباحثون أنّ الخلايا السرطانيّة تستخدم جزءًا من بروتين (GABP) والمُسمّى (GABPbeta1L) لتنشيط هذه الخاصية.

يُستخدم بروتين (GABP) من قبل العديد من أنواع الخلايا لإتمام العديد من المهام، لذا سيكون لتثبيط هذا البروتين بالكامل تأثيراتٌ سلبيةٌ على بقية أجزاء الجسم، ومنه اختبر الباحثون عوضًا عن ذلك إزالة الجزء (GABPbeta1L) فقط، مستخدمين تقنية تعديل الجينات (CRISPR) لإتمام هذه التجربة.

ونجحت التجربة! إذ بدأ البروتين (GABP) منزوع الجزء (beta1L) بالتأثير على الخلايا السرطانية دون تأثر الخلايا الأخرى به، وفقًا للتجارب التي أجراها الباحثون في أطباق المختبر وعلى فئران التجارب أيضًا.

وقال كوستيلو في بيانٍ صحفيٍّ: «تشير هذه النتائج إلى أنّ الوحدة الفرعية (beta1L) هي هدف دوائي جديد واعد للورم الأرومي الدبقي العدواني، ويحتمل أن تكون كذلك بالنسبة للعديد من السرطانات الأخرى باستخدام طفرات على المورثة (TERT)».

استهداف الورم الأرومي الدبقي

توفي كلٌ من السيناتور ماكين ونجل نائب الرئيس السابق جو بايدن إثر إصابتهما بالورم الأرومي الدبقي.

وعلى الرغم من عدم الإفصاح عما إذا كان لنمط الورم الأرومي الدبقي الذي أصيبا به طفراتٌ محفزةٌ للمورثة (TERT)، فإن كوستيلو قد أخبر دورية Live Science أنّ الأمر كان محتملًا، نظرًا لحيازة ما يقدر بـ 83% من الأورام الأرومية الدبقية لمثل هذه الطفرات.

وقال الدكتور جون لاتيرا القائد المشارك لبرنامج علاج سرطان الدماغ في مركز السرطان الشامل في جامعة جونز هوبكنز سيدني كيميل في بالتيمور والذي لم يشارك في هذا البحث: « إنّ تلك النتائج ذات أهمية كبيرة»، بالنظر إلى الدور المعروف لـ (TERT) في تسيير خاصية الديمومة للخلايا السرطانية والأورام الدبقية.

كما أخبر لاتيرا دورية Live Science: «تقدم هذه النتائج حجةً مقنعةً للعمل المستقبلي الموجه نحو تحديد الجزيئات التي تثبط (GABPbeta1L) أو غيرها من البروتينات المنظمة لقدرة (GAPB) على تفعيل خاصية الخلود».

وأضاف أنّه سيكون من المهم تكرار هذه التجربة على نماذجٍ أخرى من الأورام، ويفضل أن تكون مشتقةً مباشرةً من عينات المرضى، لذا يتبين بالإضافة إلى ما سبق أنّه على الرغم من أنّ الخلايا السرطانية التي تعاني بالفعل من نقص في (GABPbeta1L) نمت بشكلٍ أقل بعد إقحامها في أدمغة الفئران، وهناك حاجة إلى المزيد من التجارب على الفئران كما يحتاج الباحثون إلى تصميم تجربةٍ لتحديد ما إذا كان بإمكاننا إيقاف السرطان الذي تطوّر مسبقًا عند نماذج الفئران عن طريق كبح أو إزالة الجزء(GABPbeta1L).

قال كوستيلو إنّه سيتبع مع فريقه والمتعاونين الآخرين نهجين متوازيين، مثل إنشاء دواءٍ صغير الجزيء يستهدف (GABPbeta1L) بالتوازي مع تطوير علاجٍ قائمٍ على تقنية كريسبر بإمكانه تغيير الجينات البشرية بحيث لا تنتج (GABPbeta1L).

أستخدم العلماء تقنية (CRISPR) لخلايا سرطان الدماغ البشري المزروعة في الفئران في هذه التجربة، كما يعمل الباحثون مع شركة (GSK) الدوائية في المشروع آنف الذكر.

يعتبر العلماء الأسلوبين تجريبيين للغاية وبالرغم من ذلك فقد يستغرقان عدة سنواتٍ من التطوير، بحسب ما قاله كوستيلو لدورية Live Science.


  • ترجمة: مريم عيسى
  • تدقيق: رند عصام
  • تحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر