إنّ دور جهاز المناعة – المكوّن من مجموعة من البُنى والعمليات داخل الجسم – هو الحماية من الأمراض أو غيرها من الأجسام الغريبة التي يُحتمَل أن تكون ضارّة.

عندما يعمل جهاز المناعة بشكل صحيح، فإنّه يحدّد مجموعة متنوّعة من التهديدات، بما في ذلك الفيروسات والبكتيريا والطفيليات، ويميّزها عن الأنسجة السليمة للجسم، وفقًا لما ورد في Merck Manuals.

المناعة الطبيعية والمناعة المكتسبة:

يمكن تصنيف نظام المناعة بشكل عام إلى فئتين: المناعة الطبيعية والمناعة المكتسبة.

المناعة الطبيعية هي الجهاز المناعي الذي نُولَد معه، وتتألف بشكل رئيسٍ من الحواجز الموجودة في الجسم والتي تبقي على التهديدات خارج الجسم، وفقًا لمكتبة الطب الوطنية (NLM).

تشمل مكوّنات المناعة الطبيعية الجلد وحموضة المعدة والأنزيمات الموجودة في الدمع وزيوت الجلد والمخاط ومنعكس السعال.

هناك أيضًا مكوّنات كيميائية للمناعة الطبيعية، بما في ذلك مواد تسمى الإنترفيرون-Interferon والإنترلوكين-1 Interleukin-1.

المناعة الطبيعية غير نوعية، بمعنى أنّها لا تحمي ضدّ تهديدات محدّدة بعينها.

تهدف المناعة التكيّفية أو المكتسبة لمهاجمة تهديدات محدّدة للجسم، وفقًا لـ (NLM).

المناعة المكتسبة أكثر تعقيدًا من المناعة الطبيعية، وفقًا لـ The Biology Project في جامعة أريزونا.

في المناعة المكتسبة، يجب معالجة التهديد والتعرّف عليه من قبل الجسم، ثمّ يُنشئ الجهاز المناعي أجسامًا مضادّةً مصمّمةً خصّيصًا لهذا التهديد.

بعد أن يُحَيَّد التهديد، يتذكّره نظام المناعة المكتسب، ما يجعل الاستجابات المستقبلية لنفس التهديد أكثر كفاءة.

المكوّنات الرئيسية:

العقد اللمفاوية-Lymph nodes: بُنىً صغيرة على شكل حبّة الفاصولياء تُنتج خلايا وتخزّنها لتهاجم الإنتان والأمراض، وهي جزء من الجهاز اللمفاوي الذي يتكوّن من نقي العظم والطحال والتيموس والعقد اللمفاوية، وفقًا لـ A Practical Guide To Clinical Medicine من جامعة كاليفورنيا سان دييغو (UCSD).

تحتوي العقد اللمفاوية أيضًا على السائل اللمفاوي، وهو السائل الرائق الذي يحمل هذه الخلايا إلى أجزاء مختلفة من الجسم.

عندما يحارب الجسم الخمج، يمكن أن تصبح العقد اللمفاوية متضخّمةً ومؤلمةً.

الطحال-Spleen: يشكل العضو الأكبر من الجهاز اللمفي في الجسم، موجودٌ في جانبك الأيسر، تحت أضلاعك وفوق معدتك، يحتوي على خلايا الدم البيضاء التي تقاوم العدوى أو المرض.

وفقًا للمعهد الوطني للصحة (NIH).

يساعد الطحال أيضًا على التحكّم بكمية الدم في الجسم، ويتخلّص من خلايا الدم القديمة أو التالفة.

نقي العظم-Bone marrow: النسيج الأصفر الموجود في مركز العظام وينتج خلايا الدم البيضاء.

هذا النسيج الإسفنجي داخل بعض العظام، مثل عظام الورك والفخذ، يحتوي على خلايا غير ناضجة، تُسمّى الخلايا الجذعية، وفقًا للمعهد الوطني للصحة.

الخلايا الجذعية، وخاصّةً الخلايا الجذعية الجنينية، المشتقّة من البويضات الملقّحة في المختبر (خارج الجسم)، تُقَدَّم لقياس كفائتها في القدرة على التحوّل إلى أيّ خلية بشرية.

الخلايا اللمفاوية-Lymphocytes: تلعب خلايا الدم البيضاء الصغيرة هذه دورًا كبيرًا في الدفاع عن الجسم ضدّ المرض، وفقًا لما ذكرته مايو كلينيك.

هناك نوعان من الخلايا اللمفاوية هما الخلايا البائية-B-cells، التي تصنع أجسامًا مضادّة تهاجم البكتيريا والسموم، والخلايا التائية-T-cells، التي تساعد في تدمير الخلايا المصابة أو السرطانية.

الخلايا التائية القاتلة-Killer T-cells هي مجموعة فرعية من الخلايا التائية، تقتل الخلايا المصابة بالفيروسات والمُمرِضات الأخرى.

تساعد الخلايا التائية المساعدة-Helper T-cells على تحديد الاستجابات المناعية التي يصنعها الجسم لمُمرِض معيّن.

التيموس-Thymus أو الغدة الزعترية: هذا العضو الصغير هو حيث تنضج الخلايا التائية.

وحسب مايو كلينك، فإنّ هذا الجزء الذي غالبًا ما يتمّ تجاهله من الجهاز المناعي، والذي يقع خلف عظم القص (وهو على شكل ورقة نبات الزعتر، ومن هنا جاء الاسم)، يمكن أن يؤدّي إلى بدء أو استمرار إنتاج أجسام مضادّة ما ينتج عنه ضعف العضلات (وهو ما يُعرف بالوهن العضلي الوخيم)، بحسب مايو كلينيك.

ومن المثير للاهتمام أنّ الغدة الصعترية كبيرة إلى حدٍّ ما عند الرضَّع، وتستمرّ بالنمو حتّى سنّ البلوغ، ثمّ تبدأ بالتقلّص ببطء وتُستبدَل بالدهون مع التقدّم في العمر، وفقًا للمعهد الوطني للاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية.

الكريات البيضاء-Leukocytes: هذه الخلايا الدموية البيضاء المكافحة للأمراض تحدّد وتزيل العوامل الممرضة، وهي خطّ الدفاع الثاني للجهاز المناعي الطبيعي.

عدد كريات الدم البيضاء المرتفع يُشار إليه باسم كثرة الكريات البيضاء-Leukocytosis، وفقًا لمايو كلينيك.

تشمل الكريات البيض الفطرية البالعات-Phagocytes (البلاعم-Macrophages والعَدِلات-Neutrophils والخلايا التغصُّنية-Dendritic cells)، والخلايا البدينة-Mast cells، والحَمِضَات-Eosinophils والأسِسَات-Basophils.

أمراض الجهاز المناعي:

إذا عُرِّفت الأمراض المتعلقة بالنظام المناعي بشكل شامل للغاية، فإنّ الأمراض التحسّسية مثل التهاب الأنف التحسّسي والربو والأكزيما شائعة جدًّا.

وهي تمثّل استجابةً مفرطةً لمُحسِّساتٍ خارجيٍة، وفقًا لما ذكره الدكتور ماثيو لاو، رئيس قسم الأمراض التحسّسية والمناعة في كايزر بيرماندي هاواي.

يتداخل الربو والأمراض التحسّسية أيضًا مع جهاز المناعة. إنّ المادة غير الضارّة عادةً، مثل غبار الطلع، أو جزيئات الطعام، أو العفن أو وبر الحيوانات الأليفة، قد يُخطئ الجهاز المناعي أحيانًا ويظنّ أنّها خطيرة.

ويشمل عدم انتظام الجهاز المناعي أمراضَ المناعة الذاتية مثل مرض الذئبة-Lupus والتهاب المفاصل الروماتيزمي-Rheumatoid Arthritis.

يقول لاو: «أخيرًا، هناك بعض الأمراض الأقلّ شيوعًا ذات الصلة بحالات قصور الجهاز المناعي مثل عوز الأضداد والحالات المتواسطة بالخلايا التي قد تظهر خلقيًّا».

يمكن أن تؤدّي اضطرابات الجهاز المناعي إلى أمراض المناعة الذاتية والأمراض الالتهابية والسرطان، وفقًا للمعهد الوطني للصحة.

يحدث نقص المناعة عندما لا يكون جهاز المناعة قويًّا كالمعتاد، ما يؤدّي إلى إنتاناتٍ متكرّرةٍ ومهدّدةٍ للحياة، وفقًا لمركز جامعة روتشيستر الطبي.

عند الإنسان، يمكن أن يكون نقص المناعة إمّا نتيجةً لمرض وراثيّ مثل نقص المناعة الوراثي الشديد، أو الظروف المكتسبة مثل فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز، أو من خلال استخدام الأدوية المثبِّطة للمناعة.

على الطرف المعاكس من طيف الأمراض، تنتج المناعة الذاتية عن جهاز مناعي مفرط النشاط يهاجم الأنسجة الطبيعية كما لو كانت أجسام غريبة، وفقًا لمركز جامعة روتشيستر الطبي.

تشمل أمراض المناعة الذاتية الشائعة التهاب الغدّة الدرقية لهاشيموتو والتهاب المفاصل الروماتزمي وداء السكري النمط الأول والذئبة الحمامية الجهازية.

الوهن العضلي الوخيم هو مرض آخر يُعتبَر اضطرابًا في المناعة الذاتية.

تشخيص وعلاج أمراض جهاز المناعة:

رغم تنوّع أعراض الأمراض المناعية، فالحمى والإرهاق هي علامات شائعة تشير إلى أنّ جهاز المناعة لا يعمل بشكل صحيح، حسبما أشارت مايو كلينيك.

وقال لاو: «في معظم الأحيان، يُشخَّص نقص المناعة باختبارات الدم التي تقيس مستوى العناصر المناعية أو نشاطها الوظيفي».

يمكن تقييم حالات الحساسية من خلال اختبارات الدم أو اختبار حساسية الجلد لتحديد مُسبِّبات الحساسية.

في حالات الفعالية الزائدة أو المناعة الذاتية، يمكن للأدوية التي تقلّل من الاستجابة المناعية، مثل الستيرويدات القشرية أو غيرها من العوامل المثبطة للمناعة، أن تكون مفيدةً للغاية.

يقول لاو: «في بعض حالات نقص المناعة، قد يكون العلاج هو استبدال العناصر المفقودة أو المعيبة، وذلك من خلال تقديم أجسام مضادّة وريديًّا لمحاربة الالتهابات.

قد يشمل العلاج أيضًا أضدادًا وحيدة النُّسَيْلة.

الجسم المضاد وحيد النسيلة هو نوع من البروتين يُصنع في المختبر ويمكن أن يرتبط بمواد في الجسم.

يمكننا استخدامها لتنظيم أجزاء من الاستجابة المناعية التي تسبب الالتهاب».

وفقًا للمعهد الوطني للسرطان، تُستَخدم الأجسام المضادة وحيدة النسيلة لعلاج السرطان، إذ يمكنها نقل الأدوية أو السموم أو المواد المشعّة مباشرةً إلى الخلايا السرطانية.

أحداث في تاريخ علم المناعة:

1718: لاحظت السيدة ماري وورتلي مونتاجو، زوجة السفير البريطاني في القسطنطينية، الآثار الإيجابية للتجدير-Variolation – العدوى المتعمّدة لمرض الجدري-Smallpox – على السكان الأصليّين، وقد نفّذت هذه التقنية على أطفالها.

1796: كان إدوارد جينر أول من قدّم لقاح الجدري.

1840: يعقوب هينل أوّل من اقترح نظرية الجراثيم للأمراض في العصر الحديث.

1857-1870: تم تأكيد دور الميكروبات في التخمير بواسطة لويس باستور.

1880-1881: طُوِّرت النظرية القائلة إنّ الفوعة الجرثومية يمكن أن تُستخدَم كلقاحات.

وضع باستور هذه النظرية موضع التطبيق من خلال إجراء اختبارات على كوليرا الدجاج ولقاحات الجمرة الخبيثة-Anthrax bacillus.

في 5 أيار 1881، لقّح باستور 24 من الأغنام والماعز و6 أبقار بخمس قطرات من عصية الجمرة الخبيثة الحيّة المُضعَفة.

1885: حُقِن جوزيف مايستر، البالغ من العمر 9 سنوات، بلقاح داء الكَلَب المُضعَف بواسطة باستور بعد أن عضّه كلبٌ مصابٌ.

هو أوّل إنسان معروفٌ بقاؤه على قيد الحياة بعد إصابته بداء الكلب-Rabies.

1886: أثبت عالم الأحياء المجهرية الأمريكية ثيوبولد سميث أنّ ثقافات القتل حراريًّا لعصيات الكوليرا كانت فعّالةً في الوقاية منها.

1903: وصف موريس آرثوس ردّ الفعل التحسّسي الموضعي المعروف الآن باسم استجابة آرثوس.

1949: اختبر كلٌّ من جون إندرز وتوماس ويلر وفريدريك روبينز نموّ فيروس شلل الأطفال في مستنبت نسيجيّ، وتحييده (استعداله) بواسطة مصل صناعي، وشرحوا كيف تُخفَّف الفوعة العصبية عن طريق التكرار.

1951: طُوِّر لقاح ضدّ الحمى الصفراء-Yellow fever.

1983: اكتشاف فيروس نقص المناعة البشرية HIV من قبل عالم الفيروسات الفرنسي لوك مونتانييه.

1986: إنتاج لقاح التهاب الكبد B (HBV) بواسطة الهندسة الوراثية.

2005: طوّر إيان فريزر لقاح فيروس الورم الحليمي البشري HPV.


  • ترجمة: كنان مرعي.
  • تدقيق: اسماعيل اليازجي.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر