شاهد كيف تقوم الصين بتحويل الصحراء إلى مروج خضراء: مشروع زراعة صحراء (فاست كوبوكي – Vast Kubuqi) في الصين نموذج لمشاريع إصلاح الأراضي في كل العالم. أصبح للحياة الآن فرصة جديدة للنهوض في صحراء كوبوكي الداخليّة في منغوليا، وهي عبارة عن 18,600 كيلومترًا مربعًا من الكثبان الرمليّة الذهبيّة التي تقع جنوب قوس النهر الأصفر الصينيّ. تسببت سنوات من الرعي في حرمان الأرض من جميع النباتات، وكان سكان المنطقة البالغ عددهم 740,000 نسمة غارقين في فقرٍ مدقع. ويقول (منغ – Meng) -60 عامًا- : «استخدم الناس في الماضي طوبًا من القشّ والطين لبناء منزل، كانت حياتنا صعبة».

لكنّ الحياة تتطوّر الآن. في عام 1988 قامت شركة “Elion Resources Group” الصينيّة بالاشتراك مع السكّان المحليين وحكومة بكين في مكافحة التصحّر. وبعد مرور نحو ثلاثة عقود، تمّ إصلاح ثُلث صحراء كوبوكي. وزُرِعَت نباتات خاصّة للسيطرة على الرمال المتحركة ومنع الكثبان الرمليّة من التمدد نحو المزارع والقرى.

عادت تربية الماشية وانتشرت الصناعات الثانويّة، كما توافد السيّاح على الفنادق والمطاعم المحليّة بحماسٍ لاستكشاف الكثبان الرمليّة. يقول (كيدالاي – Kedalai) البالغ من العمر 39 عامًا والذي يدير مطعمًا يقدّم الأطعمة المحليّة: «في الماضي إذا احتجنا علبة كبريت، كان هذا يعني رحلةً ليومٍ كاملٍ إلى المتجر بواسطة الجمال أو الحمير».

يقدّر برنامج الأمم المتّحدة للبيئة أنّ مشروع إصلاح الصحراء في كوبوكي يعادل الـ 1.8 مليار دولار على مدى 50 سنة. إنّ إصلاح صحراء كوبوكي يدعم مركز الصين في مقدمة الدول المهتمة بالبيئة في الوقت الذي تتراجع فيه واشنطن عن التزاماتها الدوليّة، قال الرئيس الفرنسيّ الجديد (إيمانويل ماكرون – Emmanuel Macron) -بشكلٍ علنيّ عندما رفض الرئيس (دونالد ترامب – Donald Trump) إعادة النظر في انسحاب الولايات المتّحدة من اتفاقيّة باريس للمناخ- : «الآن أصبحت الصين تتولّى القيادة».

مشروع زراعة صحراء (فاست كوبوكي – Vast Kubuqi) في الصين نموذج لمشاريع إصلاح الأراضي في كل العالم

مشروع زراعة صحراء (فاست كوبوكي – Vast Kubuqi) في الصين نموذج لمشاريع إصلاح الأراضي في كل العالم

كان الرئيس الصينيّ (شي جين بينغ – Xi Jinping) قد تولّى القيادة بالفعل عندما أصبح أوّل زعيمٍ صينيّ يخاطب المنتدى الاقتصاديّ العالميّ في دافوس في كانون الثاني واصفًا اتفاقيّة باريس بأنّها: «مسؤوليّة يجب أن نتحملها تجاه الأجيال القادمة». إنّ الصين هي أكبر باعثٍ لغاز الكربون في العالم. فالتلوّث يخنق مُدنها ويؤخّر رحلاتها الجويّة ويتسبب في ثُلث الوفيات فيها، ولكنّها تمتلك أيضًا حماسًا كبيرًا للتغيير. فهي أكبر مُستثمر في العالم للطاقة المتجددة -ما يقارب الـ 90 مليار دولار في العام الماضي- وتوظّف 40٪ من القوى العاملة في القطاع العالميّ. بالإضافة إلى ذلك، فهي تهدف إلى إتاحة 13 مليون وظيفة بحلول عام 2020. اليوم، توجد في الصين خمسة -من أصل ستة- من أكبر شركات تصنيع الطاقة الشمسيّة في العالم، حيث خَفَضَت تكلفة الألواح بنسبة 30٪ هذا العام.

مشروع زراعة صحراء (فاست كوبوكي – Vast Kubuqi) في الصين نموذج لمشاريع إصلاح الأراضي في كل العالم

مشروع زراعة صحراء (فاست كوبوكي – Vast Kubuqi) في الصين نموذج لمشاريع إصلاح الأراضي في كل العالم

تتواجد واحدة من أكبر مزارع الطاقة الشمسيّة في الصين في صحراء كوبوكي والتي تضمّ 650,000 لوحةً شمسيّة تَتَتَبّع أشعّة الشمس، ويصل إنتاجها مجتمعةً إلى 1000 ميغاوات من الكهرباء، تدعم بها الشبكة الوطنيّة -نحو نصف الطاقة المُنتجَة في (سدّ هوفر – Hoover Dam)-. وُظِّف فريق يضمّ 47 أسرة للحفاظ على الألواح وصيانتها. يقول كبير المهندسين (تيان جوتينج – Tian Junting): «يمكن للأسرة الواحدة تنظيف أكثر من 3000 لوحٍ بواسطة استخدام نفثات مياه عالية الضغط كلّ يوم. كما تقوم المياه الجارية بتغذية المحاصيل التي تنمو تحتها».

يوضّح مشروع كوبوكي كيف يمكن للشركات الخاصة معالجة التدهور البيئيّ وتعزيز سبل العيش وحماية الكوكب، في الوقت ذاته الذي تسعى فيه وراء أرباحها الشخصيّة.

وفاز هذا المشروع بالجائزة العالميّة لمكافحة التصحّر عام 2013 -وهي جائزة تمنحها الأمم المتّحدة- وذلك تقديرًا للتأثير الهائل الذي أحدثه على حياة السكان المحليين، كما تقول (يوكي هوري – Yukie Hori) المتحدّثة باسم المؤتمر: «لقد كان نموذجًا رائعًا للتعاون مع السكان المحليين بدلًا من جلب العمال من الخارج».

وُلِدَ مشروع صحراء كوبوكي من الحاجة إلى العمل ولم يكن مشروعًا خيريًا. اشترى مؤسّس شركة إيليون (وانغ وينبياو – Wang Wenbiao) -هو من أهالي كوبوكي- مؤسسات (هانغجينتشي –Hangjinqi) المفلسة لصناعة الملح في وسط الصحراء في عام 1988. وقد كان من الضروريّ في ذلك الوقت نقل جميع الملح المُنتج إلى السوق عبر طريقٍ دائريّ يبلغ طوله 350 كيلومترًا، حيث لم يكن هناك أيّ طريق عبر الصحراء.

كانت جميع وسائل النقل تتوقف خلال العواصف الرمليّة المتكررة في المنطقة. عرف وانغ أنّه بحاجة إلى طريقٍ مباشرٍ لتوصيل الملح لاستمرار عمله، لذلك أنشأ طريقًا، ولكنّ الرمال سرعان ما ابتلعته. وأصبح واضحًا أنّه يجب السيطرة على الصحراء، لكنّ ذلك غير ممكن إلّا إذا استفاد المجتمع المحليّ من المشروع. يقول الأمين العام لمؤسسة إيليون الخيريّة (هي بينجفي – He Pengfei): «إنّ العمل الخيريّ وحده غير دائم، قد يستمر خمس أو عشر سنوات ولكن ليس 100 سنة. لذا كان علينا التأكد من تحقيق السكان المحليين للأرباح بجانبنا».

مشروع زراعة صحراء (فاست كوبوكي – Vast Kubuqi) في الصين نموذج لمشاريع إصلاح الأراضي في كل العالم

مشروع زراعة صحراء (فاست كوبوكي – Vast Kubuqi) في الصين نموذج لمشاريع إصلاح الأراضي في كل العالم

في بداية المشروع دُفِعَ للمجتمع المحليّ ليزرعَ الأشجار لكنّ معظم الشتلات ماتت، حيث لم يكن لأحدٍ مصلحة ماديّة في بقائها. لذلك بدأت شركة إيليون في تقديم مكافآتٍ على الأشجار التي عاشت، فارتفع معدّل بقاء الأشجار على قيد الحياة. ثمّ قاموا بدورٍ رائدٍ في أسلوب زراعة أشجار الصفصاف -والتي اُختيرَت لأنّها لا تحتاج أمطارًا كثيرة- بواسطة استخدام نفاثات مياه عالية الضغط، ما قللّ أوقات الزراعة من 10 دقائق إلى 10 ثوانٍ لكلّ شتلة. مرّ المشروع بالكثير من التجارب والأخطاء على طول الطريق، وقال هي: «لقد مررنا بالكثير من الإخفاقات، أحضرنا بذور شجر الحور من الولايات المتّحدة لكنّها لم تكن مناسبة. ووصلنا بعد مرور 25 عامًا إلى مرحلة تحقيق الأرباح».

للحصول على أرباحٍ من إصلاح الأراضي تمّ تشجيع السكان المحليين على زراعة عرق السوس والذي لا يحتاج الكثير من المياه، كما يمكن بيعه مقابل مبالغ كبيرة لاستخدامه في (الطبّ الصينيّ التقليديّ – Traditional Chinese Medicine (TCM)) -يعد الجذر جزءاً لا يتجزأ من العديد من علاجات الطبّ الصينيّ التقليديّ، وتشكّل المستحضرات العشبيّة نحو رُبع صناعة المستحضرات الصيدلانيّة في الصين-. وبعد أربع سنواتٍ حُصِد محصول من جذر عرق السوس وخلال ذلك الوقت استعادت التربة صحّتها لاستقبال المحاصيل الأخرى مثل العنب والطماطم والبطاطا.

لا يمكن تطبيق نموذج صحراء كوبوكي لتحويل أيّ بقعة من الصحراء إلى واحاتٍ خصبة، وإنّما الأراضي المتدهورة مؤخرًا فقط. لكنّ الدروس المستفادة في كوبوكي ستثبت أنّها لا تُقدّر بثمن في بلدٍ يضمّ أكبر عددٍ من السكان في العالم، ولكنّه يمتلك 7% فقط من الحقول الصالحة للزراعة، و27% من أراضيه تعاني من التدهور.

تشهد مقاطعات (قانسو – Gansu) و(هيبي – Hebei) و(شينجيانغ – Xinjiang) و(تبت – Tibet) أعمال إصلاحٍ مماثلة. كما درس فريق من المملكة العربية السعودية وفريق من باكستان مشروع كوبوكي.

مصدر

ترجمة: حبيب بدران – تدقيق: آية فحماوي